بالصور.." الأنامل الناعمة" علامة فاصلة في تاريخ النضال الفلسطيني
غزة / خاص سوا / امتشقت الشابة مريم عبد الله "19عاما" كوفية شقيقها المعتقل منذ أشهر ليست بقليلة التي طوتها والدتها في دولابها الخاص، ووضعتها في حقيبتها، واتجهت مع صديقاتها سيرا في طريق يوصلها إلى نقطة مواجهات اندلعت بين شبان فلسطينيين وعناصر من قوات الجيش الاسرائيلي شمال رام الله .
وصلت الشابة منطقة الصراع؛ وبمساعدة صديقتها غطت وجهها القمحي بتلك الكوفية لتتجنب الغاز المسيل لدموع كذلك حفاظا على نفسها من أي محاولة اعتقال بعد انتهاء مهمتها هناك.
اقتربت أكثر من مجموعة شبان كانوا يلقون الحجارة بغضبِ، وبدأت تجمع الحجارة في يدها وتضعه بجانب أقدام الشبان الثائرين؛ شعرت أن يدها لا يحملن الكمية المناسبة من الحجارة، لتلملم كومة آخرى في حضنها وتكمل ما جاءت إليه.
أكثر من نصف ساعة ومريم تمارس عملها النضالي، ترمي هنا مجموعة حجارة، وتضع هناك مجموعة آخرى، لكي يستفيد منها هؤلاء الشبان.
بدأت قوات الجيش الاسرائيلي تقذف قنابل الغاز المسيلة للدموع بشكل كثيف، مما ادى لتراجع الشابة مع صديقاتها، ذاهبة لمكان يبعد عن نقطة الصراع لمئات الأمتار، حينها استغلينا هذا التراجع وأجرينا حوار سريع معها.
حبست أنفاسها نتيجة الإرهاق وهيأت نفسها للإجابة على سؤالانا لما أنتي هنا؟! تقول :" أنا هنا لكي نوصل للعالم أن كل الأطفال والنساء والرجال يرفضون هذا الاستبداد الإسرائيلي".
رغم علم مريم التي تعيش في عائلة مكونة من 8 أفراد أن دورها في المواجهة لا يؤثر كثيرا، إلا أنها صممت أن الانتفاض في وجه المحتل ليس مقرونا بجنس أو عمر، ومضت تقول : " أخي مُعتقل وابن عمي ارتقى شهيدا وصديقتي جريحة، أنا جزء من هذه القضية لذلك سأفعل كل شيء للوقوف بوجه هذا الاضطهاد".
قطعت الشابة حوارنا، طارحة السلام، وعادت مرة آخرى إلى نقطة الصراع بعد إنقشاع الغبار الذي خلفته قنابل الغاز المسيل للدموع.
من الضفة التي تعيش هبة جماهيرية بعد السكون الذي خيم عليها منذ سنوات، نقفز بعيدا إلى المدينة المحاصرة غزة، ونصل تحديدا إلى شمال شرق القطاع وتحديدا بالقرب من معبر بلدة بيت حانون (ايريز).
هناك إلتقينا بمجموعة فتيات تتراوح أعمارهن من 18 الى 25 عاماً امتطيين عربة حمار يقودها فتى أسود البشرة، ذاهباً بهن إلى هبة جماهيرية خرجت من غزة تضامنا مع أهالي الضفة و القدس .
من بين تلك المجموعة النسائية الثائرة، الشابة تسنيم سعد 22 عاماً كانت تخفي وجهها بوشاح رأسها. قفزت عن العربة بهدوء وأخذت بالركض باتجاه مجموعة شباب كانوا يصرخون وينددون بهتافات وعبارات مفادها "اخرج يا محتل".
وقفت تسنيم بجانب تلك المجموعة الشبابية وبدأت بالهتاف معهم، ولكن وقوع عشرات الإصابات من حولها جراء الرصاص الحي الذي أطلقته قوات الجيش الاسرائيلي المتمركزة هناك أجبرها على الرجوع، بعد مناشدة الجميع لها.
ابتعدت وجلست على أرض تلتقط أنفسها بعد موجة الصراخ والركض، اقتربنا منها ، وراحت تقول بصوت متقطع: " وجودنا هنا دليل على الدور النسائي في العمل النضالي".
لم نرض إطالة الحديث مع الشابة التي تدرس الهندسة في إحدى جامعات غزة وختمت مردفةً :" الضفة والقدس وغزة تحتاج أن نقف معهم بكل السبل".
الاحتلال لم يراع إن كانت هذه سيدة او طفلا، فأطلق بشكل مباشر الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع باتجاههم ليصاب عشرات النساء في مدن الضفة وغزة بحالات اختناق والرصاص، كذلك اعتقل العشرات منهن في القدس.
فقتنصت عدسات المصورين صورا لشابات سقطن أرضا مغشيا عليهن نتيجة الغاز المسيل لدموع.
المشاركة النسائية في مواجهات مدن الضفة وغزة، كرست الحضور النسائي في التاريخ النضالي الممتد منذ واقعة النكبة عام 1948 حتى صياغة هذا النص.
الدكتور مريم أبو دقة عضو اللجنة المركزية في الجبهة الشعبية، فقبل أن تكون كذلك فهي تعد أول غزاوية تتم مطاردتها من قبل الاحتلال الذي ظلت تناورها لسنوات طويلة حتى أصبحت مطلوبة لديهم.
تقول أبو دقة :" الحضور النسائي القائم في تلك المواجهات يأتي تكريسا وتعزيزا للعمل النضالي النسائي في مختلف مناطق فلسطين".
وتشير إلى أن المتتبع لتاريخ العمل النسائي في أرض الميدان، يجد أنهن كن علامة فاصلة في بعض الحِقب السابقة، فشهيدة القائدة دلال المغربي خير دليل. حسب الدكتورة مريم.
ونريد أن نعرج قليلا عن دلال المغربي ، فدلال : فتاة فلسطينية ولدت عام 1958 في مخيم اللاجئين صبرا القريب من بيروت، وكانت قد شاركت في عملية عسكرية في قلب إسرائيل في 14 مارس 1978 مع مجموعة دير ياسين واختطفت باص كان متوجهاً من حيفا إلى تل أبيب وارتقت قتيلة في تلك العملية.
وختمت عضو اللجنة الشعبية حديثها : " العمل النسائي لا ولن يتوقف طالما الاحتلال يدنس أرضنا".
رغم ذلك التاريخ الذي يحمي الحضور النسائي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلا أن البعض من نشطاء مواقع الإجتماعي اعترضوا خلال منشوراتهم على حضور الشابات في المواجهات، فكان مختصر حديثهم،:" لا يوجد داعي لحضورهن، هذا منافي لواقعنا الراهن".
هذه الجزئية استدعت رؤية الناشطة في مجال حقوق الإنسان فاطفة عاشور، لتبين أكثر حول ذلك الحراك النسائي ومن جانب أخر موجة الانتقادات الذي طالهن من بعض النشطاء والمتابعين.
تقول :" هناك شرائح كبيرة من المجتمع الفلسطيني تحترم وتقدس نضال المرأة ، بل وتعتبره جزء مهماً وفعالاً في النضال الفلسطيني".
لكن عاشور تؤكد ان هناك جزءاً آخر من هذا المجتمع وهو جزء (المتأسلمين) يعتبر نضال المرأة معيب ولا يرغبون بمشاركة المرأة في النضال والسياسية والمرأة بالنسبة لهم عدد فقط.
واعتبرت ان أشكال نضال المرأة متعددة ومتنوعة ، وبقاءها على الأرض من أهم أشكال النضال.
الواضح من الأحاديث التي أجريت مع النساء الفلسطينيات ، يوصلنا إلى قناعة أن الهبة النسائية الفلسطينية مستمرة رغم غبار الانتقادات والغاز المسيل للدموع!