بالصور.. الطفلة رهف حسان تمسك بثوب أمها الحامل وتطيران لسماء الرحمن

غزة / خاص سوا/ وأخيرا.. أقنعت السيدة نور حسان طفلتها رهف ثلاث سنوات، أن الجنين الذي يسكن في أحشائها لن يكون أكثر جمالا منها؛ وقبل أن تطبع على خدي رهف قبلة النوم، شقت نافذة غرفتها المقابلة لأرض فارغة شرق حي الزيتون، بعد ما سمعت من جاراتها إن الليلة ستكون "ساخنة" كون إسرائيل سترد بشكل فوري على الصواريخ التي انطلقت من غزة.

في الأثناء كان زوجها يحيي وطفلها محمد يحتضنان بعضمها. غارقين في النوم. استدارت إليهم ثم ابتسمت وحضنت هي الأخرى رهف، وأغمضت عيناها.


مرت الساعات تباعا، وحين حلول الفجر، تزامن صوت مؤذن المنطقة مع صوت أول غارة إسرائيلية رمت بثقلها على غزة.


انتفض الزوج يحيي من مكانه، كون الانفجار هز منزله الأسبستي، تصاعد بكاء رهف، فيما كمش جسد شقيقها محمد بعد ما سيطر عليه الرعب، اما الأم بدأت تشعر بأوجاع في بطنها لربما نتيجة الحمل.


طمأنت نور طفليها فيما هدأ الزوج من روع زوجته داعيا إلى أن تحتضن طفليها وترجع إلى النوم، أما هو سيخرج ليتفقد ما حصل ، سيما أن شدة الانفجار تقول إنه قريب جدا.


وما إن فتح بوابة منزله المتواضع، صاروخ آخر يحول السماء إلى كرة ملتهبة، ثم يصدر صوتا مخيفا ويملأ المكان بدخان ممزوج برائحة البارود، على أثر تلك الأجواء سقط يحيي أرضا.


استجمع قواه وبدأ بالزحف بتجاه غرفة عائلته، بدأ يقترب. سمع صوت طفله محمد يصرخ مهوسا: "بابا ما بدي أموت، ماما وبابا وينكم". أما رهف سمعها تقول جملة لم يفهمها وبعدها بثواني لم يصدر لها صوتا.


وفي غمرة البحث ومحاولة انقاذ، غرق هو الأخر في أنقاض منزله. ليصرخ ويناشد ويبكي وينادي الجميع بإنقاذ عائلته.


بعد دقائق من دفن طائرة إسرائيلية لعائلة حسان المكونة من أربعة أفراد بجانب جنين أراد أن يبصر النور خلال ثلاث شهور، هبت الجماهير لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.


لكن.. استشهدت نور وجنينها كذلك لم تدع رهف أمها وحدها لتمسك بأسفل ثوبها وتطير إلى سماء الرحمن؛ تاركين الزوج يحيى والطفل محمد مصدوماً.


طواقم الإسعاف جاءت متأخرة. نقلت الناجين إلى قسم الطوارئ، فيما نقلت نور ورهف إلى ثلاجة الموتى.


على أسِرة مجمع الشفاء الطبي، قنصت عدسات المصورين الصحافين، مشهد دامي ليحيى الذي اعتلى جسده جروحا تخطت مرحلة المتوسطة وهو يمسك كف طفله محمد المغمى عليه، كأنه يقول " لم يبق إلا أنت يا محمد أمانة يابا تخليك!".


مجزرة عائلة حسان، تعيد لنا الذاكرة إلى عاما أسود عاشته غزة في عدوانها الثالث، حين كانت إسرائيل تسقط أطنان المتفجرات على منازل تحوي الأطفال الرضع والنساء الحوامل فالاحتلال متمرس على هذه الأفعال اللاإنسانية.


استجمع يحيي حسان قواه بعد ساعات من المجزرة وراح يتحدث في مقابلة مع إذاعة القدس صباح اليوم الأحد: " كانت رهف تصرخ باكية تطلب النجاة، لم استطع فعل شيء، كان الركام يغطينا".


لولا وصول أبناء عمه في اللحظة المناسبة، لمسحت كامل العائلة من السجل المدني، وتكون الجريمة الأبشع لهذا العام.


يتحسبن يحيي ثم يختم حديثه: " لم يعد لي شيء في هذا العالم، طفلي محمد لا أعلم ماذا سأخبره أين رحلت أمه وشقيقته رهف".


وفي لحظة الوداع. عدسة المصور الصحفي ياسر قديح تقنص لوحة كُتبت بالدم لربما ستبقى حاضرة في أذاهن الكثير، حين رمى يحيي بنفسه على جثة طفلته رهف؛ احتضنها بقوة وراح يصرخ.


صعدت نور بجنينها إلى السماء، لينقطع محمد على ملامسة بطن والدته المنتفخ في كل صباح يمر، ولن تقف رهف على بوابة المنزل تستقبل والدها حين رجوعه من العمل، فكل شيء أصبح في طي الماضي، فإسرائيل قتلت كل معالم الجمال لتلك العائلة الصغيرة.

عدسة:ياسر قديح

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد