المشترك بين الانتفاضة الأولى والثانية والهبّة (الثالثة) المتواصلة منذ أسبوعين هو الحجر، الحجر المقاوم الذي يعبّر عن ثورة شعب، وعن قدرته على التصدي لآلة الاحتلال العسكرية ولإرهاب مستوطنيه...
وهذا كان سرّ نجاح الانتفاضة الأولى بكل المقاييس، لأن الحجر والتظاهرات الجماهيرية، استمرت على نفس المنوال... ولم يدخل على خط المقاومة التي امتدت لسنوات، سلاحٌ آخر... ولهذا أبهرت العالم، بل إن كلمة «انتفاضة» دخلت القاموسَ العالمي بمعنى المقاومة الشعبية القائمة على عدم العسكرة.
أما في الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) فقد بدأ الانزلاقُ واضحاً عندما أصبحت العسكرةُ جزءاً أساسياً من الفعل، ولكن ليست عسكرة بمفهوم المواجهة المسلحة بين جيشين أو قوتين، بقدر ما عبّرت عن انفلات شخصي أو مجموعاتي غير مرتبطة مع بعضها البعض.
ولا شك أن سلطات الاحتلال وجدت في هذا التطور ضالتها، بحيث صعّدت من عمليات الاغتيال والتصفية لكوادر وطنية كثيرة خسرها شعبُنا، في وقت كان بأمسّ الحاجة إليها.
ولكن جزءاً من هذه العسكرة أيضاً كان استعراضياً سلبياً أعطى نتائج عكسية... وعلى سبيل المثال أصبحنا نسمع آلاف الطلقات النارية تطلق خلال تشييع جنازات الشهداء، دون أن نعرف ما السبب؟ هل هو التكريم؟ والتكريم لا يحتاج لأكثر من 21 طلقة كما في كل العالم...
إذن هو استعراض شخصي، تحول عند البعض لانفلات وخلق حالة من الفوضى وصلت حتى فرض «الخاوات» على التجار والناس تحت حجة المقاومة، مع أن هؤلاء الذين استخدموا سلاح الاستعراض لم نشاهدهم خلال الاجتياح لمناطق السلطة الوطنية، بل إن سلاحهم أعيد للمخابئ... ومن تصدّى للقوات الغازية هم قلّة من منتسبي الأجهزة وعلى رأسها «الأمن الوطني» في حينه الذين دفعوا ثمناً باهظاً...
وكانت نهاية الانتفاضة الدخول في نفق الفوضى وإحياء العشائرية والقبلية والبحث عن المصالح الشخصية والذاتية و.. و.. و.. إلى أن تمكنت السلطة الوطنية بصعوبة بالغة من الخروج من هذا النفق المظلم.
أما الهبّة الثالثة، فلا ندري إن كانت ستتطوّر إلى انتفاضة ثالثة أم أنها ستؤتي أكلَها بشكل مستعجَل أي تحقيق الحد الأدنى من المتطلبات الوطنية الفلسطينية في الحفاظ على المقدسات وتجميد البناء الاستيطاني والمصادرة ولجم إرهاب المستوطنين.
حتى الآن، يمكن القول إن الامور مسيطرٌ عليها إلاّ في بعض الحالات التي لا يمكن تفسيرها... وعلى سبيل المثال لا يمكن تفسير إشعال الإطارات وقَطع الطرق بين القرى والمدن الفلسطينية والتي لا يستخدمها جيش الاحتلال ولا المستوطنون، مثل هذا الفعل يؤثر سلباً على قدرة المواطن الاقتصادية والاجتماعية، وربما يكون سبباً في تقصير عمر هذه الهبّة إذا كانت ضغوطاً منذ بدايتها على أبناء شعبنا.
أما الخطورة الثانية، فهي محاولة البعض إطلاق النار من بين المتظاهرين، كما حصل عند مفترق فندق «السيتي إن» شمال رام الله ... عندما أُطلقت عيارات نارية باتجاه مستوطنة «بيت إيل» التي تبعد أكثر من 3 كيلومترات، فأي طلق من مسدس أو سلاح خفيف سيصل، وما مدى تأثيره؟... ولكن في نفس الوقت أعطت مبرراً لقوات الاحتلال للقول إنها ترد على إطلاق نار؟!
هذا الفعل خطير جداً، فإن كان بحسن نيّة فإنه مدمر، وأما إن كان بسوء نيّة فيجب المحاسبة والمساءلة لكل من يحاول أن يُدخلنا إلى نفق الفوضى...
الهبّة الجماهيرية بحاجة اليوم إلى دعم، على اعتبار أنها شكلٌ من أشكال المقاومة الشعبية التي طالبت القيادة على مدى سنوات بضرورة تفعيلها، وأن تكون شعلة النضال الوطني الفلسطيني. الدعم يتمثل بالمحافظة على أمننا الاقتصادي والسياسي مع العمل على استمرار هذه المواجهات في مناطق الاحتكاك مع الاحتلال أو مستوطنيه.
ولكن حذارِ من محاولات البعض تحويل هذه الهبّة إلى تحقيق مصالح حزبية ضيقة، أو محاولة جرّ الوطن إلى ما يمكن تحمّله في ظل هذه الأوضاع العربية والعالمية.
ولعلّ الإعلام الحزبي والدور السلبي الذي يلعبه مؤشر غير صحي إلى محاولات البعض تحقيق مصالح حزبية وضيقة... دون النظر إلى المصلحة الوطنية العامة، وإلى اعتبار هذه الهبّة جزءاً من مقاومة شعبية قادرة على وقف الاعتداءات الإسرائيلية ولو إلى حين.
في الانتفاضة الأولى شُكّلت القيادة الوطنية الموحدة التي كانت ترسم حدود المواجهات وأوقات التصعيد، وكيفية المواجهة، وعوامل الدعم والمناصرة الداخلية والخارجية، فنحن اليوم أولى بأن تكون هناك قيادة تَجمع الكل على قاعدة فلسطين الوطن.
abnajjarquds@gmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية