يروى في الأساطير الإغريقية أن وحشا ضخما كان يقيم على مدخل المدينة، وكان يوجه سؤالا للمغادرين والقادمين إليها. كان الوحش يقتل كل من يخطئ في الجواب وإذا كان الجواب صحيحا كان الوحش يصاب بالهلاك. وكأن الاسطورة تقول إن الإجابة الصحيحة هي جواز المرور إلى المدينة (الحياة) أو الخروج منها بسلام.


من هذه الأسطورة استوحى اليوناني سوفوكليس مسرحيته الشهيرة (أوديب ملكا)، وكذا فعل صاحب المسرحية المصرية (أنت اللي قتلت الوحش)، وتكاد تكون الفكرة نفسها التي قام عليها كتاب صائب عريقات (الحياة مفاوضات). .هكذا تصبح المعرفة أو الحكمة معادلا للروح. لا قيمة للمعرفة إذا لم تساعد صاحبها في الوصول إلى مبتغاه والنجاة من الخطر، ومَن لم يمتلكها فَقَد حياته.


إذا طبقنا الفكرة على سلوك حماس ، دون تعسف، سنجد أن إجابتها قبل الانتخابات كانت صحيحة ففازت واستلمت الحكم والحكومة، لكنها عجزت عن إجابة السؤال التالي بعد الحكم أو في العودة إلى المدينة. استعانت بأهل الثقة والجماعة على أهل الخبرة. حاولت المراوغة. تخلت عن الحكومة وبقيت في الحكم، مما أدى الى تشديد الحصار. حاصرت نفسها بنفسها بادئ الأمر وكلما أمعنت في عنادها زاد الحصار على الشعب.

 أخذت غزة رهينة بدون أن تقدم جوابا شافيا لرفضها تسليم المعابر للحكومة الجديدة، وخاصة معبر رفح – منفذ غزة الوحيد إلى العالم.


الوحش يطارد حماس التي دخلت المدينة ولم تغادرها، يريد أن يبطش بها، وحماس تحاول "إنهاك" الوحش رغم أنها تملك الإجابة الصحيحة التي ينتظرها الناس. لكنها تكابر ولا تتعظ، حتى فَقَد المواطنون الدواء و العلاج في المستشفيات. انهار المستوى التعليمي أو كاد، وصارت الجامعات لا تقدم سوى الشهادات. لا مصانع ولا معامل ولا أعمار ولا مصادر رزق كريم، الدمار الذي أحدثته الحرب الأخيرة مازال ماثلا.. والمصائب مازالت تتوالى.


وقفت حماس في المنطقة الوسطى فلا هي قادرة على استئناف المقاومة ولا قبول الهدنة بشروطها المذلة. بل أمعنت في قهر الشعب الذي يحميها من الوحش وفرضت عليه من الضرائب ما لا يطاق.


لا نتحدث عن أزمة الكهرباء وطوابير الخريجين من الجامعات العاطلين عن العمل أو مياه الشرب المالحة والملوثة.. فقد سال حبر كثير للمطالبة بحلها عبثا، وصار على سكان المدينة التكيف مع الأمر الواقع، أو الموت قهرا.


لم تكن الأساطير الإغريقية ولا حكايات ألف ليلة وليلة فارغة المضمون أو للتسلية فقط كما يتبادر إلى الذهن، كانت خبرة تجارب شعوب. كل قصة أو حكاية أو أسطورة كان وراءها عبرة وهدف. قد يكون مهما أن تعرف الجواب الصحيح، لكن المشكلة أن تعرف وتكابر ولا تتعظ ولا تقدم الجواب المناسب في الوقت المناسب، عندها، حتما، ستغيب الحكمة التي تقول إذا كنت في أسفل الحفرة ينبغي الكف عن الحفر. .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد