ثمة من يقول بضرورة الجلوس مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، من الطرفين، كل منهما له شروطه ورؤيته ومصلحته في المفاوضات، ولو سلمنا جدلاً أن الأطراف الدولية وفق الصيغ المقترحة بتوسيع دائرة المراقبين والمشرفين والرعاة للمفاوضات ليشملوا إضافة إلى الأميركيين مع الأوروبيين وأطراف اللجنة الرباعية والعربية السعودية ومصر والأردن، وتمكنوا من جلب نتنياهو وحكومة المستوطنين التي يقودها، وأذعن لشروط الجانب الفلسطيني للجلوس على طاولة المفاوضات، بدءاً من إطلاق سراح أسرى وانتهاء بوقف الاستيطان بشكل مؤقت طوال فترة التفاوض وهذا أمر مستبعد ويكاد يكون مستحيلاً لسببين:
أولهما: لأن برنامج حكومة المستوطنين المعلن، وعقلية الأحزاب المؤتلفة في تشكيل حكومة نتنياهو لا تقبل بذلك.
وثانيهما: أن أوراق القوة التي يملكها الجانب الفلسطيني غير جديرة بالخوف لدى الإسرائيليين وغير دافعة للقلق عندهم، والمفاوض الفلسطيني عار من ورقة التوت، ويكفي أن تتوقف لجنة التنسيق المالية لدى الإسرائيليين من تقديم كشوفات الاقتطاعات المالية وعدم دفع الاستحقاقات المالية المطلوبة من المؤسسة الإسرائيلية للمؤسسة الفلسطينية، يكفي ذلك حتى لا تتوفر رواتب العاملين في مؤسسات السلطة الفلسطينية، وحتى يصبحوا بلا معيل حينما تغلق في وجوههم أجهزة الصرف الآلي البنكية لأن رواتبهم لم تدخل السحب بعد.
لو سلمنا جدلاً وقفزنا عن هذه المعطيات، وجلس الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي أمام بعضهما البعض بحضور الحشد الجديد المتوقع من الأميركيين والأوروبيين والروس والسعوديين والأردنيين والمصريين، كمراقبين للمفاوضات بعد أن أزالوا المعيقات الإجرائية التي تعترض طريق المفاوضات وغدت سالكة نحو تناول القضايا الجوهرية العالقة: القدس ، اللاجئين، الحدود، المستوطنات، المياه والأمن، وتم الاتفاق المبدئي على جعل ما تم التوصل إليه في كامب ديفيد 2000 بين ياسر عرفات وايهود باراك، وأنابوليس بين محمود عباس ويهود أولمرت 2008 هو الأرضية المتفق عليها، أي البدء من حيث انتهت مضامين التفاوض السابقة، وهذا مستبعد وصعب المنال ومن مستحيل المستحيلات، ليس لأن الإسرائيليين وعلى رأسهم نتنياهو أصحاب مبادئ ويتمسكون بأرض إسرائيل، بل لأن موازين القوة لصالحهم، والاحتلال ليس مكلفاً لهم، إن لم يكن مفيداً لصالحهم ولخدمة مشروعهم التوسعي الاستيطاني، ولقناعاتهم التوراتية، فهل يمكن بعد كل هذه التسهيلات المفترضة والمشهد المشرق الذي عرضته، هل ثمة إمكانية بالتقدم خطوات جوهرية إلى الأمام تتجاوز مفاوضات ياسر عرفات مع ايهود باراك، ومفاوضات محمود عباس مع يهود اولمرت؟؟.
الصورة قاتمة، والأفق مغلق، ولا بد من تغيير قواعد اللعبة حتى تتم إعادة تصويب نتائج ما صنعته الوقائع والمعطيات وخلاصتها أن المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي متفوق، والمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ضعيف مشتت فاقد القدرة على الخلق والإبداع وتحويل مشروع الاحتلال كي يكون مكلفاً على أصحابه من المستوطنين المستعمرين، وتحويل مشروع المساواة والاستقلال والعودة الفلسطيني كي يكون حافزاً للعمل الجماعي الوحدوي المشترك وصانع الأمل لمجموع الفعاليات والقوى والفصائل والتنظيمات والأحزاب والشخصيات الفلسطينية في إطار ثلاثة عناوين هي:
أولاً: مؤسسة تمثيلية موحدة، ثانياً: برنامج سياسي مشترك، ثالثاً: أدوات كفاحية متفق عليها، بدون ذلك ثمة ضحك على الذقون، ليس فقط أن الآخرين يضحكون على الشعب الفلسطيني، بل إن الفلسطينيين يضحكون على أنفسهم ويخدعون حالهم، ويعيشون أحلام اليقظة بلا مردود، فالنتائج والإنجازات حققها الشعب العربي الفلسطيني بفعل نضاله، وقياداته تجني نتائج الفعل الكفاحي على طاولة المفاوضات، فقد أرغمت الانتفاضة الأولى العام 1987 إسحق رابين على الاعتراف بالشعب الفلسطيني وبمنظمة التحرير وبالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وعليه جرت سلسلة الإجراءات والانسحابات الإسرائيلية على الأرض بعد العام 1993، مثلما أرغمت الانتفاضة الثانية العام 2000 شارون على ترك قطاع غزة العام 2005 بعد إزالة المستوطنات، وفكفكة قواعد جيش الاحتلال عن أرض القطاع المحتل الذي تحول اليوم إلى قطاع محاصر، بفعل التراجع والضعف وغياب الأداء الجماعي والفعل النضالي المؤثر على الاحتلال.
لا داعي "لزفة" توسيع دائرة المراقبين، وجعل اللقاءات الإسرائيلية مع الأطراف العربية طبيعية على طاولة المفاوضات وحولها وبعدها، وبدون ثمن مسبق يجب على المحتلين دفعه، فالمبادرة العربية للسلام قدمت تنازلات مجانية مسبقة للمشروع الاستعماري الإسرائيلي، ولم يقبضها ولم يعترف بها ولم يدفع ثمنها في مسألتين: الأولى حل متفق عليه بخصوص اللاجئين والثانية التبادلية في الأراضي.
الفعل على الأرض من وسط مسامات الشعب، ضد الاحتلال هو الذي يرغمه على الجلوس على طاولة المفاوضات والإذعان لحقوق الشعب الفلسطيني المحتل والتسليم بها والعمل على إعادتها لأصحابها، أما الجلوس على طاولة المفاوضات بدون رافعة كفاحية مؤثرة على بقاء الاحتلال وجعله مكلفاً ودفعه نحو الهروب من أرض الاحتلال، فهي مجرد صور تخلد الانكسار والتراجع والهزيمة.
h.faraneh@yahoo.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية