غداً سنكون على موعد مع الخطاب الذي سيلقيه الرئيس محمود عباس في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليخاطب العالم بأسره، ويحدثه عن آلام ومتاعب الفلسطينيين المتواصلة بسبب الاحتلال الإسرائيلي المتواصل والمستمر منذ نحو خمسين عاماً لأرض دولته التي ما زالت ناقصة في المنطقة والمجتمع الدولي، رغم أنها عضو في المنظمة الدولية!
وحيث إن الرئيس اعتاد أن يلقي كلمة فلسطين في دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تعقد سنوياً في مثل هذه الأيام، وحيث إن إستراتيجية الكفاح الفلسطيني تشهد تحولاً _ على المستوى الرسمي، على نحو خاص _ منذ سنوات، يتمثل في اعتماد وسائل الكفاح السياسي، القانوني، والدبلوماسي من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضي دولة فلسطين، فإن كلمات الرئيس في المحفل الدولي، تشكل أهمية بالغة، نظراً لأنها تحدد الخط العام لهذا الكفاح السياسي، خلال عام قادم، على الأقل.
ومنذ عام 2012، بعد أن اعتمدت الأمم المتحدة دولة فلسطين عضواً مراقباً فيها، والأطراف المحيطة بالملف الفلسطيني، تراقب وتتابع ما يفكر به وينوي القيام به الفلسطينيون على هذا الصعيد.
فبعد إقرار عضوية فلسطين بالأمم المتحدة، وما فتحه هذا الإقرار من بوابات الانضمام للمنظمات والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة، بات الإسرائيليون، بالذات قلقين مما يمكن أن يتبعه ذلك من احتمال توجه الفلسطينيين للمحاكم الدولية لمقاضاة قادة إسرائيل وجنودها على خلفية ارتكابهم جرائم حرب بحق المواطنين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
هذا العام، أعقب الإعداد أو التحضير للمشاركة الفلسطينية في الدورة السبعين للأمم المتحدة، محاولة الرئيس عباس عقد اجتماع استثنائي للمجلس الوطني الفلسطيني، قيل خلال تلك الأيام بأنه يصّر على استقالته من رئاسة المنظمة، وإن الهدف من عقد المجلس هو إصدار قرارات ملزمة للسلطة بمراجعة اتفاقيات أوسلو وباريس الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، خاصة في الشق الخاص بالتنسيق الأمني.
وحيث إنه تم تأجيل أو تعليق اجتماع المجلس الوطني، فقد تحول الاهتمام الداخلي لما سيقوله السيد الرئيس في الأمم المتحدة، وما سيتضمنه خطابه، الذي وصف «بالقنبلة « من اقتراحات أو مطالبات، أو حتى من إعلان عن أمر ما، ارتباطاً بانسداد أفق التفاوض السياسي مع إسرائيل، فضلاً عن أن يؤدي التفاوض أصلاً إلى النتيجة المرجوة، وهي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي المتواصل منذ عام 1967 حتى الآن لأراضي دولة فلسطين العضو المراقب في الأمم المتحدة، والتي هي بهذه الصفة، أي صفة المراقب، وليس بصفة العضو كامل العضوية أو العضوية العاملة، بسبب هذا الاحتلال!
التسريبات والتصريحات المقربة من مؤسسة الرئاسة، تفصح عن فحوى ومضمون ذلك الخطاب / القنبلة، حيث يقال، إن الرئيس سيستعرض ما حدث منذ التوصل لاتفاقات أوسلو عام 1993 حتى الآن، أو إنه سيقدم مراجعة للإنجازات المحدودة، كذلك لمسيرة علاقة ملتبسة مع إسرائيل منذ ذلك الوقت حتى الآن، وفي السياق تنصل إسرائيل من معظم بنود تلك الاتفاقية، بما يستوجب وبما يبرر للطرف الفلسطيني أن «يتنصل» بدوره مما يحلق به الضرر أو من بعض التزاماته المنصوص عليها في تلك الاتفاقية، خاصة فيما يتعلق بالتنسيق الأمني، والاتفاق الاقتصادي، الذي كبّل الاقتصاد الفلسطيني ومنعه من الانطلاق والتحرر.
كذلك يقال، إن الرئيس سيطالب المجتمع الدولي بوضع خطة أو على الأقل القيام بالتزاماته وبما يفرضه المنطق الأخلاقي تجاه مهمة تحرير أراضي دولة عضو في المنظمة الدولية من الاحتلال، أو القول إن طريق التفاوض الثنائي ليس مجديا بدليل تجربة عشرين سنة فشل تفاوضي ثنائي بالرعاية الأميركية، بما يحتم التوصل إلى رعاية أممية لمفاوضات تفضي إلى حل الدولتين وإنهاء الاحتلال.
وربما أن الخطاب / القنبلة سيتضمن كل ما ذكر، المهم، أن واشنطن وتل أبيب بالطبع حاولتا، أن تقطعا الطريق على هذا الخطاب، أو تهذيبه، من خلال بث الاهتمام مجددا بالعملية التفاوضية دون تقديم أي جديد يكون مدعاة لبث الثقة بالجانب الفلسطيني، بأنه يمكن حقا إطلاق جولة تفاوضية جديدة، حيث جدد الرئيس مطالبته فقط، بوقف إسرائيلي للاستيطان وإطلاق سراح الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو، والتي كانت شرطا لإطلاق آخر جولة تفاوضية انتهت أو توقفت بعد 9 شهور قبل أكثر من عامين!
المهم في الأمر، انه وفي سياق تأكيد أهمية أن يكون الموقف الفلسطيني، في الأمم المتحدة، متماسكا ومتقدما وهجوميا على احتلال بغيض ومكروه من قبل المجتمع الدولي بأسره، أن يتم تجاوز التكتيك الإسرائيلي بجعل قضية الهجوم على المسجد الأقصى ورقة «تفاوض» أو مقايضة مقابل إفراغ الخطاب من «صاعق التفجير» أو تحويل القنبلة من قنبلة سياسية مدوية إلى قنبلة دخانية، كذلك لا بد من تجاوز أن يستمر الاعتماد على «شخص» الرئيس، وعلى وجوده شخصيا في موقع المسؤول الأول، والاكتفاء بتهديده بالاستقالة للضغط على الجميع وفي كل الاتجاهات لتغيير واقع الركود والشلل الحالي، إلى التقدم على طريق تفعيل الكفاح الشعبي / السلمي الداخلي، ومن ضمنه إنهاء الانقسام حتى نقترب من محطة إنهاء الاحتلال، كذلك نعتقد بضرورة التنسيق و»التربيط» المسبق مع الأشقاء _ المصريين، على وجه الخصوص، والأصدقاء _ الروس على نحو خاص، بحيث إنه لو انطلقت عقيرة رؤساء عدد من الوفود على تضمين خطاباتهم بالمطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي خلال فترة محددة ووفق خطة دولية واضحة ومضمونة، لربما تم تحقيق مكاسب وإنجازات، ولربما تحول الخطاب / القنبلة حينها، إلى مدفع عملاق يطلق العديد من القذائف التي من شأنها أن تحطم تحصن الاحتلال الإسرائيلي وراء متاريس التفاوض الثنائي، وعزل وإضعاف الفلسطينيين بحيث يستمر الحال على ما هو عليه!
Rajab22@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية