إسرائيل تخشى عودة الإمبراطورية الفارسية
القدس / سوا / يرى «بن كاسبيت»، المحلل السِّياسي ورئيس تحرير صحيفة «معاريف» العبرية، والمقرب من «نتنياهو» والدوائر العسكرية والأمنية الصهيونية، أن توجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي، في 21 أيلول/سبتمبر الجاري للاجتماع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطوة غير معهودة، وربما غير مسبوقة، حيث اصطحب نتنياهو معه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، اللفتنانت جنرال غادي إيزنكوت، ورئيس الاستخبارات العسكرية الميجور جنرال "هرتزل هاليفي".
يقول «بن كاسبيت» أنه عندما يسافر نتنياهو في مهمة أمنية دراماتيكية إلى الدب الروسي ويصطحب معه شخصيات عامة لا شك في أنها تتمتّع بالشعبية، مثل رئيس الأركان ورئيس الاستخبارات العسكرية، فهذا يساعد على تعزيز ظهوره في صورة الشخص الحريص على الأمن، وهي صورة بدأت تتداعى في ظل الواقع الراهن.
"نتنياهو" يوجّه رسالة إلى واشنطن. فالتدخّل الروسي في سوريا يجلب معه لاعباً جديداً وغير متوقّع في الحرب العالمية بين السنّة والشيعة، والتي تُشَنّ في أراضٍ كانت خاضعة لسوريا من قبل، فضلاً عن أجزاء من العراق ولبنان واليمن وأماكن أخرى.
ويشير الكاتب الإسرائيلي إلى تطوّرات مهمّة أخرى. ففي مطلع الأسبوع الجاري، وجّه ضابط رفيع في الجيش الإسرائيلي طلب عدم الكشف عن هويّته، انتقادات حادّة للتحرّكات الروسية متوقّفاً عند المخاطر التي تواجهها إسرائيل بسبب المحور الشيعي المتشدّد الآخذ في التبلور.
ونقل بن كاسبيت عن الضابط قوله: "نحن في خضم معركة جبابرة بين المحورَين الشيعي والسنّي. إنه حدث تاريخي، الملحمة الأكبر في زمن الجيل الحالي. في هذه المعادلة، يستحيل تحديد الجهة الخيّرة أو السيئة. علينا أن نتوخّى الحذر من الجميع".
مع ذلك، عندما أقارن المحور السنّي المتشدّد بالمحور الشيعي، من الواضح بالنسبة إلي من هو المحور الأشد خطورة. فمع فائق الاحترام لإنجازات الدولة الإسلامية، التهديد السنّي هو نفسه تقريباً. لقد أصبحنا معتادين عليه.
أما المحور الشيعي فيستند إلى إيران. نتحدّث هنا عن قوة إقليمية تسيطر على 25% من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم و11% من احتياطيات النفط. إنها تتمتع برأسمال بشري ضخم، وإمكانات وافرة في العلوم والتكنولوجيا والبنى التحتية والقدرات التشغيلية والتطور السيبراني.
ترصّ إيران والعراق وسوريا وحزب الله والآن روسيا صفوفها في مواجهة المحور السنّي - وما يثير ذهولنا أيضاً هو أنه ينضم إليها تحالفٌ دولي تقوده الولايات المتحدة - ويجب أن يكون ذلك مصدر قلق لنا."
ويتساءل: "هل نريد أن تجلس إيران عند عتبة بابنا؟ هل نريد أن تنتصر إيران، التي تحكم العراق وسوريا ولبنان بحكم الأمر الواقع، وتتمتّع بالدعم الروسي - في هذه المواجهة؟ هذا مع العلم بأنها تحافظ على موقعها كدولة تقف على عتبة التسلّح النووي؟"
في ما يختص بالتدخّل الروسي، كان الضابط واضحاً جداً وثاقباً في كلامه: "هذا التطور سيئ جداً بالنسبة إلى إسرائيل؛ فهو يعزّز إلى حد كبير المحور الشيعي المتشدّد. ليس الروس مهتمّين فعلاً بالشيعة. ما يريدونه هو كبح الصحوة السنّية التي تجتاح القوقاز. إنهم متورّطون في داغستان والشيشان، يريدون وقف الموجة السنّية التي تهدّدهم، ولذلك يتحرّكون في سوريا.
يمكن أن يقلب تدخّلهم المعادلة، حتى إنّه قد يقود إلى انتصار الأسد وحزب الله بدعم إيراني... سيبقى الأسد على عرشه ويحتفظ بنوع من الحكم، بوجود نحو سبعة آلاف مقاتل من حزب الله، وما بين ألف إلى ألفَي عنصر من الحرس الثوري، فضلاً عن آلاف المقاتلين من الميليشيات الشيعية التي جرى تجنيدها من مختلف أنحاء العالم. وسوف يترافق هذا كله مع نفوذ إيراني ودعم روسي، ويحدث هذا كله في فنائنا الخلفي".
يشدّد الضابط على أن هذه التوقّعات قد تنهار بين ليلة وضحاها، وعلى أن كل التنبّؤات عن المنطقة قابلة للتغيير. ويقول في هذا الإطار: "صحيح أن روسيا قد تزيد تدريجاً من تدخّلها، بما في ذلك عبر إرسال مزيد من القوات البرية، إلا أن سوريا يمكن أن تتحوّل أيضاً إلى فيتنام بالنسبة إلى بوتين، وتُورِّط روسيا في رمال متحرّكة على الطريقة الأفغانية. يستحيل معرفة ما سيحدث.
الأسد عاجز حالياً عن شنّ أي نوع من الحملات العسكرية الواسعة النطاق من دون وجود آلاف المقاتلين الأجانب في خطوطه الأمامية. لقد أصبح الأسد دميةً في أيدي من يقدّمون له المساعدة، حاكماً يعتمد على الإنعاش الاصطناعي، لكن بإمكانه أن يصمد".
سأل بن كاسبيت الضابط إذا كان قلقاً بالدرجة نفسها من المحور السنّي، لا سيما تنظيم "الدولة الإسلامية"، فأجاب: "كلا، على الرغم من أن المحور السنّي حقّق انتصارات مدهشة، إلا أنه يعاني من العزلة التامة ولا يحظى بالدعم من أية قوّة خارجية ذات أهمية. إنه يقف وحيداً في مواجهة الانتشار الشيعي المتشدّد الذي يحظى بالدعم من قوّة إقليمية على غرار إيران، وقوّة عالمية على غرار روسيا، وتحالف جوّي دولي تقوده الولايات المتحدة.
أضاف الضابط: "مع ذلك، أظن أن التاريخ يُثبت أن الأمبراطوريات الكبيرة القادمة من الشرق لا تجلب معها الأنباء الجيّدة للشعب اليهودي. ما نشهده الآن هو عودة الأمبراطورية الفارسية. الاتفاق النووي بين إيران والغرب يجمّد البرنامج النووي الإيراني لمدّة عقد أو أكثر، لكنه يُتيح لإيران أن تتحوّل إلى أمبراطورية وتزيد أنشطتها وتأثيرها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. هذا خبر سيّئ من وجهة نظرنا.
لا يشبه الخصم الإيراني أيّ عدو واجهناه حتى الآن، بأيّ مقياسٍ من المقاييس. الحضارة الفارسية أكثر إثارةً للإعجاب وتطوّراً ونفوذاً من كل ما نجده لدى البلدان العربية الآن. وهذا كلّه يجب أن يكون موضع قلق شديد بالنسبة إلينا".