تتسارع الأحداث في ملف الحرب الدائرة في سورية الآن وبالذات بعد أن قررت روسيا زيادة تدخلها العسكري في هذا البلد ولم تعد تكتف بإرسال السلاح والعتاد والمعونات لسورية بل إنها أرسلت قوات روسية بما فيها وحدات من النخبة وأسلحة متطورة يشغلها ويشرف عليها الروس أنفسهم، وبعد أن تم توسيع القاعدة الجوية في اللاذقية ونشرت طائرات مقاتلة روسية هناك، وبعد أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن دعم بلاده للنظام السوري في حربه ضد الإرهاب باعتباره الخطر الداهم على المنطقة والعالم، ومطالبته الدول العظمى بدعم الرئيس بشار الأسد في هذه المواجهة مع "داعش" والمنظمات المتطرفة الأخرى، والموقف الروسي القوي والقاطع بدعم الأسد جعل عدداً من البلدان تغير موقفها من شرط استبعاد الأسد من أي تسوية للوضع في سورية، فبعض الدول الأوروبية مثل أسبانيا والنمسا وبريطانيا أعلنت أنها تقبل بتسوية يبقى الأسد فيها لفترة ما، وانضمت الولايات المتحدة لهذا الموقف عندما أعلن وزير خارجيتها جون كيري أن على الأسد الرحيل لكن ليس بالضرورة فوراً وأن موعد رحيله يتقرر بالمفاوضات.
كما قررت فرنسا هي الأخرى أن تحذو حذو واشنطن بإعلان وزير الخارجية لوران فابيوس أن تنحي الأسد لا يمكن أن يبقى مطلباً مطلقاً لا يقبل التغيير، وإلا فإن الظروف في سورية سوف تؤول إلى ما يعانيه العراق بعد انهيار مؤسسات الجيش والدولة فيه.
ويبدو أن إسرائيل بدأت تستوعب أنه بعد الوجود العسكري الروسي والأنظمة القتالية والدفاعية المتطورة في سورية ستتغير قواعد اللعبة، وهذه المرة سيكون الروس هم الطرف المقرر أكثر من أي جهة أخرى خاصة في أعقاب الرد الضعيف والباهت الذي أعلنته الإدارة الأميركية على الخطوة الروسية، لهذا قرر بنيامين نتنياهو أن يغير جدول أعماله فيعجل بزيارة موسكو برفقة رئيس هيئة أركان جيشه ورئيس شعبة الاستخبارات والتي كانت مقررة بعد زيارته للولايات المتحدة ولقائه المنتظر مع الرئيس باراك أوباما. والأسباب الواضحة للزيارة حسب العديد من المصادر الإسرائيلية هي منع حدوث صدام بين إسرائيل والقوات الروسية في سورية على اعتبار أن إسرائيل تتعامل مع سورية كأرض مستباحة تجوبها الطائرات الإسرائيلية وتقصف فيها وقتما أرادت، ومن الطبيعي في ظل تواجد القوات الروسية في القواعد السورية أن يكون هناك احتمال حدوث مواجهة مع الطائرات الإسرائيلية في حال قيامها بقصف مواقع سورية أو حتى مجرد التحليق فوقها، ولهذا يريد نتنياهو أن يحصل تنسيق بين الطرفين في المستقبل للحيلولة دون حصول الأسوأ.
كما أن إسرائيل تخشى من نقل أسلحة روسية متطورة إلى أيدي "حزب الله"، ويقال إن إسرائيل قدمت لروسيا تقارير استخبارية حول تزود "حزب الله" بأسلحة روسية متطورة حصل عليها من الجيش السوري.
وتريد إسرائيل أن تطلع على الخطط الروسية بحيث لا تتعرض مصالحها للخطر في إطار الترتيبات التي تجري هناك، كما لا ترغب في حصول سورية على أسلحة متطورة يمكن أن تؤثر على التفوق الإسرائيلي.
وهذه الزيارة قد تبدو استفزازاً للإدارة الأميركية التي لا تنظر بعين الرضا للسياسة الإسرائيلية، وفي الواقع هي تعبير عن عدم ثقة بدفاع أميركا عن مصالح إسرائيل، وضرورة أن تهتم الأخيرة بمصالحها خاصة بعد أن تجاهلت هذه الإدارة مطالب إسرائيل في موضوع النووي الإيراني.
لكن قد يكون الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لنتنياهو هو أن تكون إسرائيل حاضرة في مستقبل التسوية في سورية بعد أن أصبح التحالف الإيراني – الروسي صاحب الشأن الأهم، وبعد أن قررت روسيا تحديد مناطق النفوذ التي لن تتخلى عنها، ويبدو أن إسرائيل رأت أن موسكو أصبحت مقصد كل الدول الإقليمية المؤثرة بما فيها السعودية وهي لا تريد أن تكون خارج هذه الدائرة، ولا تنوي إسرائيل انتظار أن تنوب الولايات المتحدة عنها في البحث بشأن مستقبل المنطقة.
لكن هذا لا يعني بالضرورة استغناء إسرائيل عن أميركا وعن الدور الأميركي في الحفاظ على أمنها، بل هو أشبه بقرصة أذن لواشنطن التي تبدو ضعيفة من وجهة نظر نتنياهو مقابل روسيا التي بدأت باستعادة قوتها ونفوذها في العودة إلى ما يشبه الحرب الباردة.
التسوية في سورية باتت أقرب من أي وقت مضى بعد تفكيك عقدة رحيل الرئيس بشار الأسد وبعد أن أدرك الغرب أنه لا حل بدون النظام، فمؤتمر جنيف (1) أقر أسس الحل ولكنه أبقى موضوع الجسم الانتقالي الذي يتمتع بالصلاحيات التنفيذية الكاملة والذي من المفروض ان يضطلع بمهمة إدارة الدولة في المرحلة الانتقالية غامضاً، بما في ذلك مستقبل النظام والرئيس بشار الأسد وهذا كان جوهر الخلاف بين المعارضة والنظام وبين حلفاء الجانبين.
الآن الصورة أضحت أوضح بكثير بعد القبول ببقاء الأسد في المرحلة الانتقالية، ما يعني أنه يمكن التوصل لإنشاء حكومة سورية تشارك فيها المعارضة إلى جانب النظام بصلاحيات واسعة نسبياً في ظل بقاء الأسد رئيساً لمدة معينة تجري فيها انتخابات رئاسية وبرلمانية لاختيار من يتولى الحكم بعد تعديل الدستور وتوسيع نطاق الديمقراطية.
ولكن في هذا الحل يتم الحفاظ على وحدة البلاد، وكل ذلك مرتبط أساساً بالقضاء على الإرهاب والمجموعات المتطرفة، والعقدة المتبقية هي موقف بعض الدول العربية وفي مقدمتها السعودية من شخص بشار الأسد، فهل يخرج العرب عن حسابات وضغائن شخصية وفئوية وينتبهون لمصالحهم كما تفعل إسرائيل؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية