بينما تبحث الصحافة بما في ذلك الفلسطينية مبكراً عن سؤال «قنبلة» الرئيس محمود عباس التي أعلن أنه سيفجرها في الثلاثين من الشهر الجاري من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يصر هو على الاحتفاظ لنفسه بسحر القائد.
في كل مرة يخرج فيها الرئيس إلى الأمم المتحدة، ويلقي خطاباً، كان يستحوذ على اهتمام الجماهير الفلسطينية، ويستعيد من خلاله شعبية كان يفقدها خلال أيام السنة بسبب فشل العملية السياسية وخيارها.
في هذه المرة أيضاً سيفعل الشيء ذاته ويكون «لقنبلته» صدىً واسع دون أن يكسر «الجرة»، أو أن يقفل خط البحث عن السلام والمفاوضات أو يؤدي خطابه إلى توفير ذرائع ومبررات لإسرائيل لكي تتخذ إجراءات عدوانية دراماتيكية.
قبل أيام قليلة كان قد تسرب حديث عن أن القيادة الفلسطينية تتجه نحو البدء بتنفيذ بعض قرارات المجلس المركزي التي مضى على اتخاذها أكثر من ستة أشهر، دون أن يتحرك منها شيء.
الحديث كان يدور عن إمكانية إقدام القيادة الفلسطينية على التوقف عن التزامات السلطة الأهم تجاه إسرائيل بحسب اتفاقية أوسلو، وهي وقف التنسيق الأمني، ووقف العمل بموجب اتفاقية باريس.
في الحقيقة فإن هذين الالتزامين هما جوهر ومعنى وجود السلطة الوطنية، التي تريد إسرائيل استمرارها وتجريدها من صلاحياتها إلاّ ما يخدم منها الاحتلال، ويبقي السلطة أكبر من مجلس بلدي بقليل.
على أن مكر السياسة، ي فتح المجال أمام إمكانية اتخاذ إجراءات أو قرارات غير مباشرة تؤدي إلى الغرض ذاته، وتترك للقيادة الفلسطينية آليات وطرق تحقيق الهدف دون أن تصطدم مباشرة بأصحاب المصلحة الإسرائيلية، وبحراس المصالح الإسرائيلية الأميركيين، الذين لا يقاس فشلهم بما يحقق أو لا يحقق للآخرين مصلحة ما، وإنما بقدر التصاقهم والتزامهم بحماية مصالح إسرائيل وأمنها.
وإذ من المستبعد أن يعلن الرئيس من على منصة الجمعية العامة انتهاء وموت أوسلو، أو وقف التنسيق الأمني والعمل باتفاقية باريس فإنه أيضاً لا يستطيع إعلان مسؤولية الولايات المتحدة وإسرائيل عن فشل العملية السلمية، لأن ذلك يجر ردود فعل أميركية غير مرغوبة، دون أن يوفر بدائل قوية تتجرّأ على تجاوز الدور الأميركي.
والأرجح أن يكتفي الرئيس بإعلان مسؤولية إسرائيل عن الفشل رغم علمه وقناعته بمسؤولية الولايات المتحدة الأساسية ذلك أنه يدرك بأن ثمة وحدة حال في الأساس بين دول الاتحاد الأوروبي وبين الولايات المتحدة، رغم الفوارق المحدودة بينهما ذلك أن الكل ينتمي إلى خلطة النظام الرأسمالي الاستعماري.
صفة الاستعماري هنا لا تشير إلى طبيعة الاستعمار القديم، ذلك أنه في الزمن الراهن يتخذ طابع أنانية المصالحة، ومن الواضح أن عمومية هذه الصفة على الدول الرأسمالية تلتقي، على حماية إسرائيل وبقائها واستمرار تفوقها، ما هو متوقع أن يرد في خطاب الرئيس عدا الشكوى المريرة، واستعراض، كل مفردات العدوان الإسرائيلي، هو أن يعلن عن قيام الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال.
من شأن مثل هذا الإعلان أن يهزّ أركان السياستين الأميركية والإسرائيلية دون أن تجدا مبرراً لاتخاذ إجراءات عقابية. الإعلان ينسجم تماماً مع قرار الجمعية العامة الذي اتخذته في أيلول 2012، بشأن وضعية دولة فلسطين مراقبا، والذي تعزز بقرار رفع العلم الفلسطيني على أروقة الاعلام لدول المنظمة الدولية الذي تم اتخاذه مؤخراً.
الإعلان بحدّ ذاته ينطوي على سحب لاعتراف دولة فلسطين والتزامها باتفاقية أوسلو، التي جرى توقيعها بين دولة إسرائيل ومنظمة التحرير، ويعني أيضاً إذا أراد الفلسطينيون سحب الاعتراف الذي قدمته المنظمة بإسرائيل.
والقرار يعني أن جسم السلطة، هو ذاته جسم الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال، ولكن للدولة أن تكيف أجهزتها ومؤسساتها مع متطلبات دولة بحيث يصبح المجلس التشريعي مثلاً برلمان دولة أو أن الدولة عليها أن تجد طريقها إلى برلمان تأسيسي وربما أيضاً يحتاج الأمر إلى تعديل النظام الأساسي.
يمكن لهذا القرار أيضاً أن يؤسس لتعامل مختلف مع الالتزامات التي تتقيد بها السلطة الملتزمة باتفاقية أوسلو، وأن تدعو دول العالم، للتعامل مع السلطة على أنها الدولة ما يضغط على الدول التي أوصت برلماناتها الاعتراف بدولة فلسطين لأن تتخذ موقفاً صريحاً من مسألة الاعتراف.
على كل حال بين «قنبلة» الرئيس المحتملة، وبين وضع تداعياته والممكنات التي يوفرها، قدر من الوقت، ومساحة أكبر للعمل ذلك أن الوضع الفلسطيني القائم وأهم عناوينه الانقسام لا يوفر فرصة قوية للإقدام على تنفيذ التداعيات التي تنطوي عليها «قنبلة الرئيس».
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية