ما زالت وسائل الإعلام الفلسطينية تتناول ما يجري من أحداث في المسجد الأقصى في العاصمة الفلسطينية باعتبارها «تصعيداً إسرائيلياً» في حين أن ما يجري في الحقيقة حرب مفتوحة من قبل حكومة نتنياهو في إطار سياسة الأمر الواقع وفرض الخطة الإسرائيلية الرامية إلى تأكيد وضع القدس المحتلة باعتبارها عاصمة لها، هذه السياسة لم تبدأ مع الأحداث الأخيرة، وكانت معروفة منذ وقت ليس بالقصير، خاصة وأن السياسة الفاشية العنصرية، سبق وأن جعلت من خطواتها القصيرة الممتدة والمتواصلة، أمراً واقعاً في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل المحتلة، قيل في ذلك الوقت إن الحرم لن يقسم، لكنه قسم زمانياً ومكانياً، وقيل ويقال إن الأقصى لن يقسم، وها هو يقسم كنتيجة لهذه الحرب التي تشنها إسرائيل علناً وبكل اتجاه، رغم المواجهات البطولية والتضحيات في صفوف المعتصمين في الأقصى، وفي صفوف الحراك الشعبي على أبوابه ومحيطه، وهو ما قصده نتنياهو عندما يقول علناً بالمحافظة على الأمر الواقع، فهذا الأمر الواقع، هو الأمر الذي فرضته سياسته في ظل رئاسة حكومة يمينية فاشية عنصرية.

ولا شك أن هذه الحرب تأخذ بعداً دينياً بامتياز، من قبل من شن هذه الحرب، إسرائيل وحكوماتها المتعاقبة، لكن في عهد حكومات نتنياهو، فإن لهذا البعد إطاره المنسجم مع تشكيلات تلك الحكومات التي ارتكزت بشكل أساسي على شركاء من التيارات الأكثر يمينية من ناحية، وفي إطار الهدف الإسرائيلي المعلن، بفرض نظام الدولة العبرية، كدولة يهودية، نظام سياسي يقوم على الدين، وهو نظام سبق دولة «داعش» التي تقوم على نفس الوجهة الدينية البحتة، لذلك فإن الحرب الإسرائيلية المفتوحة على الأقصى وإعادة الحديث عن هيكل سليمان وسائر المقولات التوراتية، بالتوازي مع هذه الحرب، تهدف إضافة إلى أهداف عديدة، إلى تركيز الأضواء على الأبعاد الدينية في إطار الدعوة إلى يهودية الدولة العبرية.
على الجانب الآخر، الفلسطيني تحديداً، الذي فرضت عليه مواجهة هذه الحرب بكافة الوسائل الممكنة، من الاعتصام الدائم والمستمر داخل وعلى بوابات وأسوار المسجد الأقصى، والمواجهات الشعبية المتواصلة بلا كلل أو ملل، تأخذ في الظاهر بعداً دينياً، في حين أننا نراه، ذا بعد وطني بالدرجة الأولى، باعتبار الأقصى والقدس، وكل أرض فلسطين، «وقفاً وطنياً» بامتياز، في ظل هذا الاعتبار الذي لا بد منه، يمكن إفشال المخطط الإسرائيلي وتوجهات حكومة نتنياهو، في سياق أهدافه ذات الطبيعة التوراتية الدينية التي تتخذ من شعار يهودية الدولة هدفاً أسمى لها.
هذه الحرب، كأي حرب، قد تهدأ حيناً وتنفجر أحياناً أخرى، لكنها مستمرة في كل الأحوال والظروف، خاصة في ظل ميزان قوى مائل تماماً للاحتلال الإسرائيلي، الذي بدوره يحدد الهدوء النسبي من عدمه، حسب خططه ومراميه من ناحية، واستهدافات رئيس الحكومة «الداخلية» من ناحية ثانية، دون الأخذ بالاعتبار ردود الفعل الخارجية على تطورات حربه ضد العاصمة الفلسطينية، ففي ظل الوضع الحالي لحكومة نتنياهو، وفي سياق المعادلات الداخلية فإن نتنياهو يأخذ بالاعتبار التنافس وحالات الاستقطاب والمزايدة، لدى أحزاب حكومته، فها هو النائب الإسرائيلي عن حزب «شاس»، موشيه غافني، يحتج على زيارة وزير الزراعة اوري ارييل عن حزب البيت اليهودي، للأقصى، ليس لأي سبب، سوى أن ذلك يأتي على حساب عمله ومهماته كوزير، المحتج ينتمي إلى اتجاه ديني يقضي بعدم زيارة اليهود للأقصى، لأسباب توراتية، بينما الثاني ينتمي إلى التيار الذي يدعو إلى زيارة الأقصى والوصول إلى «جبل الهيكل» من أجل إعادة إعماره، وأيضاً في إطار التفسير التوراتي المختلف عليه من قبل أطراف يهودية عديدة، مثل هذه المواقف من قبل بعض الأحزاب المشاركة في حكومة نتنياهو، تؤخذ بالحسبان وتنعكس تهدئةً وتفجراً في ظل الحرب المستمرة.
ويبدو أن حكومة نتنياهو تأخذ بالاعتبار ردود الفعل الفلسطينية، خاصة في ظل تصريحات قادة من غزة ، حول انتهاء التهدئة، والمخاوف من ردود فعل «صاروخية» إلاّ أن نتنياهو، يعلم حجم ومدى هذه الردود، ويعتقد أن بالإمكان احتواءها، خاصة أنها تأتي كعملية تنفيس وتحت ضغط بعض الشارع، فعندما تم إطلاق الصواريخ من جهات لم تعلن عن نفسها، لم تأمر سلطات الاحتلال ب فتح الملاجئ في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، كما أن الرد الإسرائيلي، لم يكن مفاجئاً وتقليدياً، ويتزامن مع إخلاء كافة المواقع، واليوم الأحد، على سبيل المثال، هناك موجة من الاقتحامات من قبل مجموعات يهودية، ستواجه من قبل المعتصمين داخل وخارج الأقصى، وقد تعمّ المواجهات، إلاّ أن موجة من الهدوء قد تعقب هذه التحركات والأحداث... كل ذلك يأتي في سياق خلق أمر واقع يتم التعامل معه باعتباره حقيقة لا يمكن التصدي لها أو تغييرها، هكذا حدث الأمر دائماً.. وكنا ندرك ذلك دائماً أيضاً!!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد