هل نسي السياسيون الإسرائيليون مَن تجب خدمته؟

القدس / بقلم  / عكيفا الدار /  عندما أدت الحكومة الإسرائيلية الـ 34 القسم القانوني، في الـ 14 من مايو من هذا العام؛ تنبأ الكثير من المحللين بأنها لن تستمر لأيام، قالوا ان 59 عضوًا من المعارضة في الكنيست الـ 20 سينغصون حياة الـ 61 عضوًا من الائتلاف، وتوقعوا انه إذا لم يجد قادة "المعسكر الصهيوني" و"يوجد مستقبل" يتسحاق هرتسوغ ويائير لبيد طريقهم إلى طاولة الحكومة في وقت مبكر؛ فإنهم سيرقصون نتنياهو على الجمر الملتهب على طول الطريق الى الانتخابات المبكرة. ولكن على الورق فإن الأغلبية الواهنة، والتي تقوم عليها حكومة بنيامين نتنياهو وخصومه الوزراء القابعين في مكاتبهم - الأمر الذي يبعدهم عن سكن الكنيست - يقدمون قيمة إضافية لأعضاء المعارضة بطريقة نظرية، فكلما كانت الحكومة أضيق فإن منطقة معيشة المعارضة تكون أوسع، فرص أعضاء المعارضة لتحقيق أغلبية لمقترحات قانون تتناسب عكسيًا مع عدد أعضاء الكنيست المؤيدين للحكومة. زعيم المعارضة الذي يمثل 59 عضو كنيست (بل 53 عضو كنيست باستثناء "إسرائيل بيتنا" الذي يتماشى أحيانًا في الحقيقة مع نتنياهو) يحظى ببث كريم على الهواء في الراديو والتلفزيون.

وها هو، ورغم الأجواء العكرة التي رافقت إقامة حكومة نتنياهو الرابعة، يبدو ان التقديرات بشأن موتها الوشيك كانت سابقة جدًا لأوانها، يبدو ان عدم الثقة التي يبديها أغلب أعضاء الأقلية الديمقراطية في الهيئات التشريعية الأمريكية في واشنطن تقلقه أكثر من تصويتات حجب الثقة في الكنيست، وفي الوقت الحالي أيضًا، وبعد ان دشن الاتفاق مع إيران قبيل التصويتات في الكونغرس، "الاتفاق السيء" وفق تقير نتنياهو، فإن رئيس الحكومة لا يبدي أي علامات لتعرضه للضغوطات داخل إسرائيل، رغم انه فشل في المهمة الأكبر في حياته، والتي هي إنقاذ الشعب الإسرائيلي من "المحرقة الثانية"، انه لا يخطط للانسحاب الى فيلته في قيسارية، إذا لم يهز الفشل الاستراتيجي الذريع في قضية الاتفاق النووي أركان الحكومة؛ فما الذي يمكن الآن ان يهدد وجودها؟ إذا لم يوقف اكتشاف حقل الغاز المصري اندفاع رئيس الحكومة المفاجئ الى مصادقة خطة الغاز في الكنيست - والتي هي أقل نفعًا للشعب وأكثر نفعًا لرجل الأعمال اسحاق تشوبا وشركة نوبل انيرجي - فأي فرضية يمكنها ان تطرده الى منزله؟

كلما مرت الأيام تتنامى في صفوف المعارضة المشاعر بأن الكلاب تنبح - أو بشكل أدق تنام - والقافلة تسير؛ تعبير دقيق عن ذلك كان في الأسبوع الماضي أثناء التصويت في القراءة الثانية والثالثة على مقترح قانون البث الشعبي (إصلاحات على القانون الهدف منها السماح بإقامة مؤسسة جديدة للبث)، أعضاء الكنيست إسرائيل ايكلر (يهدوت هتوراه) والوزير أوفير أكونيس استغلوا غياب غالبية أعضاء المعارضة لينضموا الى بند القانون، الذي أعد لمنع صحافيي قنوات البث من عرض مواقفهم الشخصية في البرامج الإذاعية والتلفزيونية.

عضو الكنيست نحمان شاي، والذي كان واحدًا من زمرة أعضاء الكنيست التابعين للمعسكر الصهيوني الذين شاركوا في التصويت (من بين 24 في المجمل)، وصف هذا البند بأنه "زلزال حقيقي يضرب الخدمة العامة في إسرائيل"، ولقد اتهم شاي الحكومة بتحويل الخدمة العامة الى "هرة وديعة تكون المفضلة لدى الحكومة"، عضو الكنيست كارين الهرار "يوجد مستقبل" وصفت رئيس الحكومة بأنه "الأخطبوط الذي يحيط وسائل الإعلام بأذرعه"، وأعلنت "اننا نستحق بثًا شعبيًا نظيف اليدين". مرر القانون بأغلبية 25 عضو من الائتلاف مقابل 18 معارض فقط من بينهم جميع أعضاء "ميرتس" الخمسة وعضو الكنيست دوف حنين من القائمة المشتركة، جميع كتلة "يوجد مستقبل" لم تتواجد في القاعة، وزمرة الأعضاء العرب من القائمة المشتركة كانوا في ذات الساعة على ما يبدو في أشغال أخرى، ما لم تفعله المعارضة يفعله ربما رئيس الحكومة الذي وعد بإزالة بقعة هذا القانون من كتاب القوانين.

كلما تحولت اللعبة في الكنيست الى لعبة إدمان ذكرتنا بالبرامج الواقعية، الفائزون السعداء الذين ينجون من الانتخابات التمهيدية ومن زيارة سوق معسكر يهودا يلبسون أفضل ما لديهم من الأزياء ويدعون العائلة الى افتتاحية أداء اليمين، بعد أن افلحوا في الدخول الى دار المطامع فكيف لم يصلوا الى النهائي أو كيف لم يحظو بمنصب الوزير بصفة "نائب وزير" أو على الأقل "رئيس لجنة"، إنهم يكتشفون ان الصحافة كفت عن الاهتمام لأمرهم، عضو الكنيست السابق شارون غال من "إسرائيل بيتنا" فهم على ما يبدو ان نجاح المسؤول المنتخب لا يقاس بعدد استفزازاته بحق العرب واليسار؛ وإنما بعدد مبادرات التشريع التي أفلح في تمريرها ومدى جودتها، في الثاني من سبتمبر كتب غال على صفحته في الفيسبوك "أعزائي؛ في هذه اللحظة أشعر بأنني أستطيع ان أساهم أكثر في وسائل الإعلام، وقريبا سأبدأ ببث برنامج اقتصادي على القناة 20"، أقل من نصف عام كان يكفيه للوصول الى الاستنتاج بـ "أنا لا أستطيع ان أطبق ما أؤمن به في الكنيست".

في ذات اليوم بالضبط؛ أعلن وزير التربية والتعليم السابق عضو الكنيست شاي بيرون من كتلة "يوجد مستقبل" انه هو أيضًا مل مقاعد الكنيست "عملت في السياسة لكي أكون وزيرًا للتربية والتعليم في دولة إسرائيل" كتب الحاخام بيرون، وأضاف "أعلم مدى أهمية البرلمان ولكني بحاجة الى التلاميذ والى السبورة والطباشير، آسف بشأن الكلمات السوقية ولكن حياتي مرتبطة بنفوس الأطفال وبعيون مربيات رياض الاطفال والمعلمات والمعلمين وبالحوار مع المدراء"، وأكد بيرون على ان "الكنيست هي مكان مهم ومهم جدًا" غير انه أوضح ان "مكاني هو في الجهاز التعليمي، وقراري ان أعود الى بيتي"، وماذا كان ليحدث لو ان "يوجد مستقبل" دخلت الحكومة وكان بيرون مدعوا للعودة الى منصب وزير التربية والتعليم؟ هل كان أيضًا سيفضل حينها البقاء لدى التلاميذ والسبورة والطباشير ويعود لبيته هذا؟

مزال معلم أشارت هنا هذا الأسبوع إلى الفجوة بين جيل اسحاق رابين وأريئيل شارون، الذين لم ينظروا بقليل احترام الى الجلوس مطولًا في مقاعد المعارضة وبين هروب بيرون وغال من المملكة البرلمانية التي لا تؤمن لهم مكانًا محددًا للاستجمام في دائرة الضوء، وقول القائل "نخدم الشعب في المعارضة" لا يبدو وكأنه اقتباس عن برنامج ساخر، اليوم القليل والقليل جدًا من السياسيين يتذكرون انهم خدم لدى الشعب ولي الشعب هم الخدام لديهم.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد