53-TRIAL- عندما وصف الرئيس محمود عباس صواريخ المقاومة بأنها "عبثية"، لم تسعفني ثقافتي العسكرية المحدودة معرفة ما كان يقصد. ولا حتى عندما قالت بعده " حماس "انها صواريخ " لاوطنية " . هل بسبب نوعيتها أو مكان إطلاقها وتوقيتها أم بسبب ما ستجلبه علينا من ردة فعل إسرائيلية تحصد البشر وتدمر الحجر ..؟
 يوم أمس الثلاثاء،  أعلن مصدر طبي عن استشهاد طفلة تبلغ من العمر ثلاث سنوات وإصابة ثلاثة آخرين من عائلتها في انفجار قال المصدر انه "غامض".  لكن ما اعتبره المصدر الطبي غامضا كان معلوما، عرفه أهالي محافظة شمال غزة حتى قبل ان يعلن المصدر تشخيصه للحادثة. ذلك أن المواطنين اعتادوا التوجه إلى مكان أي انفجار بدافع  الفضول أو التعرف على الضحايا أو تقديم المساعدة الممكنة , لينتشر الخبر بين الناس كالنار في الهشيم.
هنا، يقف الصحافي  حائرا: هل يكتفي  بما صرح به المصدر الطبي أم يقول ما شاهد وسمع ؟ وهل في ما سيقول لاطلاع الناس على حقهم بمعرفة الحقيقة تجاوزا للحرية الصحفية؟ كيف يستقيم الأمر إذا كان الناس في طول محافظة شمال غزة وعرضها يتحدثون عن أن الغامض ناتج عن صاروخ يصفونه ب" المحلي الصنع " وقد أدت  الكارثة بعائلة فلسطينية كانت تحلم بيوم هادئ ومستقبل مشرق لاطفالها.
لم تكن عائلة الدنف أولى الضحايا وقد لا تكون آخرهم. فكم من مرة تكرر ما حدث ولم نسمع أن أصحاب تلك الصواريخ اجتمعوا  وتدارسوا واستفادوا من أخطائهم؟ لم نسمع أن القيادات السياسية والعسكرية قامت بمراجعة وتقييم الحروب السابقة من كافة جوانبها،  لكننا سمعنا حتى ُصمت آذاننا أننا انتصرنا، رغم حجم الخسائر البشرية والخراب الذي خلفته.
لم نر أمة تنهض قبل أن ُتشخص واقعها وتسمي الهزيمة هزيمة والانتصار انتصارا لنعرف أين نذهب؟ وكيف؟ هل يعقل أن ُيفرض على الناس حرب لا كلمة لهم فيها ولا للحكومة قرار ولا للآخرين رأي،  وفي الوقت نفسه على الجميع أن يقول نعم ؟!. ألا يكفي أن يكون لحمنا مخصصا لتجارب أسلحة الإسرائيليين ؟
 ليس لوما ولا عتابا، ولكن الألم الذي أصاب تلك العائلة يدعونا للمصارحة والإقرار بالخطأ عندما نخطئ لعدم تكراره،  ذلك أن من يتفرد باتخاذ قرار عسكري إنما يقود غزة إلى المجهول،  وتنطبق صفات العبثية واللاوطنية على صواريخه مهما كانت نواياه،  فالطريق إلى جهنم – كما يقولون – هي أيضا مفروشة بالنوايا الحسنة . 
ذات يوم قال لي وزير سابق انه ذهب إلى عمه الذي كان يسكن قريبا من  مستوطنة " نتساريم" القريبة من مدينة غزة لمواساته ببقرته الوحيدة بعدما أصابتها قذيفة محلية ونفقت. راح الوزير يحكي لعمه عن ضريبة النضال والجهاد والصمود علّه يخفف عنه،  حتى إذا ما انتهى من كلامه  فاجأه عمه بالقول: وهل تظن أنني غاضب؟ بالطبع لا. فالقذيفة التي كان مقررا لها أن تصل  المستوطنة،  اذا وصلت،  سيأتي جيش الاحتلال بعدها  فيقتل عمك وتبقى البقرة. عندها،  لمن ستقدم التعازي؟!  
يبدو لي أن المقاومة المشرّعة دوليا وأخلاقيا يجب عليها أولا وقبل كل شيئ أن تكون نابعة من قرار وطني موحد زمانا ومكانا لتحقيق أهداف سياسية،  وإلا ينبغي الكف عن المشاغبة والتجريب بصواريخ قاتلة .  196

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد