لم يكن د .رحيل الغرايبة من المؤيدين لحركة فتح ولسياسات منظمة التحرير الفلسطينية، وياسر الزعاترة يشاركه هذا الموقف وإن كان أكثر خصومة من زميله لمواقف وسياسات التيارات الوطنية والقومية واليسارية، وكلاهما كان مؤيداً لسياسات التيار الإسلامي سواء في التعامل مع القضية الفلسطينية أو غيرها من العناوين السياسية العربية، حيث كانا مع الذين عاشوا وتثقفوا ونالوا قسطاً من الانحياز الحزبي والفكري لسياسات حركة الإخوان المسلمين وخياراتها، وهي مرجعيتهما، ولا يزالان، بشكل أو بآخر، ومن هنا قيمة ما كتباه حول عنوان «الاتفاق والتهدئة بين ( حماس ) وإسرائيل» لغرايبة، و»(حماس) وبلير والمشروع الخطير» للزعاترة.
ولهذا يجب التوقف أمام ما كتباه باعتباره نصاً وموقفاً يُعبر عن تقديم النصح والتحذير وإبراز أن «خطوة التهدئة طويلة الأجل لعشر سنوات من أجل إعادة إعمار غزة ، وتخفيف الحصار عن أهل القطاع وإنجاز صفقة تبادل الأسرى، والميناء والمطار والمعابر «في نظر الكاتب الغرايبة، هي «خطوة شائكة ومعقدة وشبه مستحيلة»، ولهذا تمنى الزعاترة «فشلها بكل تأكيد، لأن هذا المسار التفاوضي سارت عليه حركة فتح، وانتهى بالقضية الفلسطينية لهذا التيه الراهن» ولذلك ينظر الزعاترة لهذا الاتفاق على أنه في أحسن الأحوال «سيحول قطاع غزة إلى دولة جوار (مع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي) بشكل عملي، وشبه دولة تعيش نزاعاً حدودياً مع جارتها، وهو الترجمة العملية لمشروع شارون المسمى الحل الانتقالي بعيد المدى، وهو سيمنع أي انتفاضة جديدة تعيد الصراع إلى سكته الصحيحة، لأنه لن يكون بوسع «حماس» أن ترفع شعار المقاومة في الضفة وهي في نفس الوقت تمنع أي مساس بالهدنة في قطاع غزة» ويبقى الأمل لدى الكاتب ياسر الزعاترة في أن «الأمل المتبقي في أن توقف كتائب القسام، والعقلاء من سياسيي (حماس) هذا المسار، الذي يسير عليه خالد مشعل وألا يختم حياته السياسية بمثل هذا المسار».
الدكتور الغرايبة الذي يقود تياراً إصلاحياً تحديثياً مع رفاق له من داخل حركة الإخوان المسلمين في الأردن، يُحذر من أن مشروع الاتفاق بين حركة حماس والمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي الذي يتم إنضاجه على نار هادئة «إن نجح سوف يكرس الانقسام الأبدي بين الضفة والقطاع، وبين السلطة و(حماس)، وسوف يؤدي إلى إيجاد كيانين فلسطينيين وإيجاد قيادتين مختلفتين» وسوف تنظر أطراف عديدة لهذا الاتفاق الذي يتم بتنسيق ورعاية تركية، نظرة شك وريبة وعدم تجاوب، ومصر بداية «تنظر لمشروع الاتفاق على أنه محاولة استبدال الغطاء المصري التاريخي القديم بالغطاء التركي الجديد»، وتنظر له طهران على أنه «يمثل تقليصاً للنفوذ الإيراني لحساب تركيا ولهذا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مرور مثل هذا الاتفاق» ولهذا يحكم عليه على أن «(حماس) لن تنجح في إنجاز هذا الاتفاق المنفرد وهي معزولة عن سياقها الفلسطيني والعربي والإقليمي».
قيمة ما كتبه د. رحيل الغرايبة وياسر الزعاترة أنه من داخل البيت «الإخواني» ومن داخل «التيار الإسلامي» استناداً لفهم وقراءة لمختلف المعطيات المحيطة بالقضية الفلسطينية، ومن دوافع الحرص والفهم، ولكن يجب ألا يُفهم وكأن الطرف الآخر في المعادلة الفلسطينية يعيش ظرفاً أفضل ولديه خيارات أحسن، أو كأنه يسير بما ينسجم ومصلحة المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني في ردع الاحتلال ومنع التهويد ووقف الأسرلة التدريجية للأرض وتغيير معالمها أو أن سكة الوصول التدريجي إلى استعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني الثلاثة بالمساواة في مناطق 48، والاستقلال لمناطق 67، والعودة للاجئين، تسير بشكل سلس أو تراكمي، فالمعطيات على الأرض وفي ميدان المواجهة بين المشروعين المتصادمين المتناقضين الفلسطيني والإسرائيلي، تسير لمصلحة مشروع الاحتلال والتهويد والأسرلة على حساب فلسطين وشعبها، فإذا كانت حركة حماس تلهث نحو تكريس التهدئة وهي ملتزمة بها منذ تراث الرئيس محمد مرسي تحت عنوان «تفاهمات القاهرة» وتوقيعها في 20/10/2012، فحركة فتح أيضاً ملتزمة بالتنسيق الأمني الذي يحول دون أي تطور للحركة الشعبية ضد الاحتلال، بل تؤدي النتائج الملموسة على الأرض إلى تكريس الاحتلال وتمتين مشروعه الاستعماري التوسعي، وهي سياسة تخلق حالة من الجدل الداخلي بين صفوف حركة فتح ويمتد هذا الجدل ليصل إلى مفاصل الحركة الوطنية الفلسطينية، مثلما هو أثار حركة تململ وجدل داخل حركة حماس لا يقل أهمية عما هو قائم بين صفوف حركة فتح وباقي الفصائل.
حالة الجدل وما كتبه د .رحيل الغرايبة وياسر الزعاترة، يعبر عن الإحساس بالقلق المقرون في نفس الوقت بالإحساس بالمسؤولية وهي حالة تتجاوز المواقف الحزبية المسبقة والانحيازات التقليدية لتصل إلى صُلب التقدير لمجمل الوضع الفلسطيني وظواهره المختلفة باحثة عن سؤال جوهري ما زال يفتقد الإجابة وهو:
هل ما يجري يخدم المشروع الوطني الفلسطيني أم يزيده انقساماً وتمزقاً وتراجعاً؟؟.
h.faraneh@yahoo.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية