يتساءل بعضنا عن قيمة التراث الكفاحي لشعبنا منذ مطلع القرن العشرين وحتى يومنا هذا، وما قد تحفظه الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني من شخصيات وأحزاب ومواقع وأماكن ومنعطفات في هذه المسيرة الطويلة، وهل ما تزال أسماء من نوع محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير تمثل شيئاً في ذهن الطفل الفلسطيني، وهل يتوقف مناضلونا عند موسى كاظم الحسيني ومن بعده الحاج أمين الحسيني وعبد القادر الحسيني، وهل يعني لهم عز الدين القسام شيئاً، سوى أنه حارب الإنجليز واستشهد في يعبد، ماذا عن أبطال الحركة الوطنية الفلسطينية، وما سجله الضمير الوطني تجاه حالات من نوع ياسر عرفات وكمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار وأبو جهاد وأبو إياد، غسان كنفانى وعلم الدين شاهين ووديع حداد وليلى خالد وجيفارا غزة وأبو علي مصطفى، وعمر القاسم وعبد العزيز الرنتيسي والشيخ أحمد ياسين ، وفتحي الشقاقي وبشير البرغوثي وسليمان النجاب، وأبطال الانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة، هل نعرف هؤلاء، وهل نحترمهم، هل نقدر ما فعلوه، وهل نعتزم السير على خطاهم، وهل يمثلون (جميعهم) قيماً في التراث الجمعي لشعبنا؟.
لو أوقفنا مجموعة من الشباب الفلسطيني، بالقرب من الجامعات المتلاصقة في غزة، وسألنا عن أخبار نجومهم المفضلين في كرة القدم وفي الفن والموسيقى، سيجيبون بكثير من ال حماس ، فهل سيفتر حماسهم إن سألناهم عن ثورة يافا 1920 وثورة القدس 1922 وهبة البراق وإضراب 1936 و النكبة 1948 والعداون الثلاثي 1956 ونكسة حزيران 1967 ومعركة الكرامة 1968 وحرب أكتوبر 1973 والحرب اللبنانية 1975 ومعركة الليطاني 1978 وحرب بيروت 1982 وانتفاضة 1987 وانتفاضة النفق 1996 وانتفاضة الأقصى 2000 وحروب الأعوام 2008 و2012 و2014، هل سيكون لديهم أدنى معطيات أو معلومات أو أفكار تتعلق بهذه الوقائع، وكيف سيبنون موقفهم تجاهها، وهل سيعتبرون ما سبق من أحداث هو امتداد لمسيرتهم الكفاحية، أم سيعتبرون كل ما يختلف مع مشربهم بمثابة اخفاق؟؟، وهنا بيت القصيد.
الذي دفعنا إلى هذه المقدمة الطويلة نسبياً هو أن حالنا الوطني، بفصائله المختلفة، هو حال انقسام حتى قبل وقوع الانقسام، والفرضية التي نبني عليها التحليل تقوم على أن كل فصيل وكل حزب أو حركة في وطننا نلقن أبناءها في الأدبيات المختلفة، أن التاريخ الفلسطيني يبدأ بانطلاقها وينتهي عند وصولها لأهدافها التكتيكية، فبرنامج حركة فتح على سبيل المثال يتحدث عن أن حركة حماس هي دخيلة على المشهد الوطني وأنها جاءت كبديل عن الحالة الوطنية التي كرستها فصائل المنظمة وأن برنامج فتح وحده القادر على إعادة الحقوق وتحقيق الاستقلال، بينما يأتي برنامج حركة حماس ليقول أن كل الحركات الوطنية التي سبقت في تأسيسها ظهور حماس في المشهد هي حركات جاءت للتبشير بالتسوية السياسية والاستعداد للانخراط في أي فعل من شأنه المتاجرة بفلسطين وأن حماس هي قدر الله في الأرض وهي الكفيلة بموجب التزامها بشريعة السماء بأن تعيد الحق لأصحابه، ولو أمعنا النظر في برنامج قوى اليسار سنجد أنها تتحدث عن البرجوازية الفلسطينية اليمينية الانتهازية الصغرى، في إشارة لحركة فتح، وأن الحل القادم على أيدي اليساريين يقوم على مبادئ الديالكتيك والنظرية العلمية وأفكار ماركس ولينين وغيرهم، وبالتالي قامت برامجنا المختلفة على تسفيه أحلام شركائنا في الوطن، وتجهيل الحقب التي سبقت تأسيس الأحزاب، واعتبار أن كل ما يسميه البعض إنجازاً يسميه خصمه على الساحة إخفاقاً، ولو نظرنا في الجهود السياسية والميدانية الفلسطينية في ربع القرن المنصرم لوجدنا أن ما يعتبره البعض انجازاً وطنياً هو الخيبة بعينها من وجهة نظر الخصوم، وبالتالي فإننا نكتب تاريخنا وتجربتنا الكفاحية فرادى لا جماعات ونستلهم قيم التحرر من أصول لا تعتمد على فلسطين وشعبها ذخراً ومرجعاً.
كيف لشعب تتصارع قواه على تحطيم مجاديف بعضها، وتتنازع شرعية تمثيله، أن يؤمن للحظة أنه على أعتاب النصر، وكيف لجماعات تتعامل مع (الآخر الوطني) على أنه نكرة ولا يسوى شيء، وكيف لها وهي تتهم بعضها بالخيانة والعمالة والمتاجرة بالوطن وقضيته أن تعطي دروساً في الوحدة الوطنية، التي بدا واضحاً أنها تكتيك في مواجهة إستراتيجية التفاوض مع المحتل، كوينا وعينا بأيدينا وطنياً، وسخفنا وجهلنا كل من سوانا والنتيجة أننا اليوم أبعد ما نكون عن تحقيق الحد الأدنى من طموح الوطن والمواطن.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية