قبل قرابة أسبوعين على اجتماعات المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة النووية، شددت إسرائيل من حملتها كي لا يصدر عن المؤتمر أي قرار يقضي بإخضاع منشآتها النووية للرقابة الدولية، وذلك باتجاهين أساسيين، التوجه نحو المؤسسات الحكومية والتشريعية الأوروبية، قبل خروجها إلى العطلة الصيفية، لإقناعها بعدم التصويت على أي مشروع بهذا الخصوص، واتجاه آخر، بالتوجه نحو مصر التي تقود المجموعة العربية لإخضاع إسرائيل للرقابة على منشآتها النووية.
هذا التوجه الأخير، يتناول مسألتين أساسيتين، من خلال المباحثات التي أجراها وفد إسرائيلي يمثل رئيس الحكومة في العاصمة المصرية قبل ثلاثة أسابيع، الرسالة الأولى، تتضمن تهديداً مبطناً من أن مصر والمنظومة العربية، ستفشل في إقرار أية توصية أو مشروع قرار بهذا الصدد، بالنظر إلى أن المساعي الإسرائيلية التي جرت قبل شهرين، ومع بداية الصيف لدى العواصم الأوروبية تحديداً، قد أشارت إلى أن هناك تفهماً من قبل هذه العواصم، لطبيعة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وان وكالة الطاقة النووية، لا يجب أن تخضع للشؤون السياسية، إذ ان تسييس هذه المنظمة له مخاطره على العلاقات الدولية.
وبالتالي ـ تقول الرسالة الإسرائيلية ـ فإن الجهد المصري والعربي بهذا الصدد، لن يحصد سوى الفشل، كما كان عليه الأمر سابقاً، عندما نجحت إسرائيل وحليفاتها، في إفشال كافة مشاريع القرارات بهذا الصدد.
أما الرسالة الثانية، التي حملها الوفد الإسرائيلي إلى وزير الخارجية المصري سامح شكري، فتشير إلى أن قيام القاهرة بقيادة مثل هذه المساعي، لدى المنظمات الدولية، وخاصة تلك المتعلقة بالطاقة النووية، لا يعبر عن حقيقة وجود معاهدة سلام بين البلدين، كما أن ذلك لن يساعد على قيام إسرائيل بدور مطلوب في مواجهة الإرهاب خاصة في سيناء، ويعكر أجواء العلاقات «الحسنة» بين البلدين، وعلى مصر ـ تقول الرسالة الشفوية ـ أن تدرك أن فشلها سيتكرر كما كان الأمر عليه في أيار الماضي، عندما تقدمت مصر وبعض الدول بمشروع قرار إلى المؤتمر الاستعراضي الخاص بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في نيويورك، عندما طلبت مصر بتحديد موعد لاجتماع المؤتمر لنزع السلاح النووي من الشرق الأوسط، خاصة لدى اسرائيل، عندها فشل التوجه المصري بسبب تصويت عدة دول ضد هذا التوجه ـ لتحديد موعد زمني ـ من بين هذه الدول الولايات المتحدة وبريطانيا، الفشل المصري العربي بهذا الصدد، استمر طوال ثلاث سنوات، وعلى القاهرة أن تتعظ، وتوقف حملتها بشأن الرقابة على السلاح النووي الإسرائيلي، الأمر الذي سيجد كل التجاوب من قبل إسرائيل وتعاطيها مع الملفات الأخرى، بالغة الحساسية والخطورة.
المنظومة العربية بقيادة مصر، ترى أن هناك فرصة هذه المرة، أكثر من أي وقت مضى لحشد ما يكفي من الأصوات لإقرار الرقابة على المؤسسات النووية الإسرائيلية، ويعود ذلك، إلى أن نجاح القوى العظمى بعقد اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، سي فتح المجال الآن، للبحث حول الرقابة على المنشآت النووية في الشرق الأوسط، وإذا ما نجح المجتمع الدولي ممثلاً بالدول الست الكبرى في الرقابة على المنشآت النووية الإيرانية، فإن وكالة الطاقة النووية ستكون معنية الآن، بلعب دور أكثر حضوراً للرقابة على المنشآت النووية الإسرائيلية، حفاظاً على الأمن الدولي انطلاقاً من الأمن في الشرق الأوسط، ولوضع حد للتفرد الإسرائيلي بامتلاك السلاح النووي في هذه المنطقة من العالم، ومع أن إسرائيل اتخذت سياسة «الغموض» إزاء امتلاكها للسلاح النووي فإن وضع منشآتها النووية تحت الرقابة الدولية، يضع حداً لهذه السياسة.
ومن المفترض، أنه في حال فشل مصر في منتصف الشهر الجاري، في العاصمة النمساوية في التصويت على إقرار الرقابة على منشآت إسرائيل النووية في اطار اللجنة الدولية، من المتوقع أن تدعو مصر إلى مؤتمر إقليمي، تحت رعاية دولية، لبحث هذه المسألة، لإخضاع إسرائيل للرقابة الدولية عبر مثل هذا المؤتمر الذي لن تقبل به إسرائيل وعلى الأغلب كل حلفائها.
وكالعادة، فإن إسرائيل تعوّل على حليفتها الاستراتيجية، الولايات المتحدة، وهذه المرة، وكنتيجة للموقف المتعارض بين الدولتين حول الاتفاق النووي مع إيران، فإن إسرائيل لن تطالب فقط بتصويت أميركا ضد أي مشروع قرار بشأن الرقابة على مؤسساتها النووية، بل ستطالب بأن تستخدم واشنطن كافة أشكال الضغوط على الدول الأخرى، للوقوف لصالح إسرائيل في أي تصويت، ومن الواضح أن واشنطن، ولإرضاء إسرائيل إثر التوتر معها بعد الاتفاق النووي مع إيران، وكشكل من أشكال إرضاء إسرائيل، فإن واشنطن، ستهب للقيام بهذا الدور، ولوضع كافة العقبات أمام إصدار قرار، أو حتى مجرد التوجه «لتحديد موعد» لمناقشة القوة النووية الإسرائيلية، وكذلك، في مواجهة أي قرار بمؤتمر إقليمي لمناقشة هذه المسألة.
من هنا، فإن التوقيع على اتفاق نووي مع إيران، ليس بالضرورة، مجالاً للتركيز على المنشآت النووية الإسرائيلية، كما يعتقد البعض، بل مناسبة لاسترضاء إسرائيل بالنظر إلى موقفها المعارض لهذا الاتفاق، وليس بالضرورة، أن يستجيب المجتمع الدولي في ظل موازين القوى الراهنة، لرؤية وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي كتب مقالاً قبل أيام في صحيفة «الغارديان» البريطانية بعنوان: «إيران وقعت على اتفاق نووي تاريخي.. الآن دور إسرائيل».. وعلى الأغلب أن هذا الدور لن يأتي أبداً!!
Hanihabib272@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية