لاشك بأن رغبة الرئيس ابو مازن في الاستقالة من مواقعه التي يشغلها واولها رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية مسألة تستحق التوقف عندها وايلاءها اهمية استثنائية لانها تأتي في ظروف غاية في التعقيد والصعوبة وخاصة في ظل وصول العملية السياسية الى طريق مسدود، واستمرار المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، وكذلك هي حال الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام بين شطري الوطن، وأيضاً الخلافات الداخلية والتشتت، وعدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بالمستقبل.
واذا كانت هذه الرغبة التي عبر عنها الرئيس مترافقة مع ترتيبات للوضع الفلسطيني الداخلي في المنظمة وحركة «فتح» والسلطة، فهل يمكن ان يحدث انتقال هادئ للسلطة وللمواقع التي يشغلها ابو مازن الآن؟
الإجابة عن هذا السؤال لا يمكن ان تكون بسيطة وسهلة بسبب تعقيد الوضع، ولنحاول الخوض قليلاً في القضايا الرئيسة التي تساهم في جعل الأمور على هذه الدرجة الخطيرة من الحساسية والتعقيد، فمنظمة التحرير التي دعي مجلسها الوطني وأعلى سلطة فيها للانعقاد تعاني من شلل واضح، ليس فقط بسبب عدم تجديد هيئاتها، وكبر اعمار الاعضاء ووفاة بعضهم وهم يمثلون عدداً لا بأس به، بل أساسا لان السلطة بلعت المنظمة التي اصبح غالبية مكوناتها اما موظفين او يحصلون على مخصصات من السلطة، لدرجة ان المخصصات والامتيازات التي تحصل عليها الفصائل اصبحت سلاحاً مسلطا عليها يتحكم بدرجة كبيرة في قرارات قياداتها، التي قد تتعرض لعقوبة قطع المخصصات كما حصل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وهذا التحول افقد المنظمة دورها باعتبارها مرجعية السلطة وصاحبة القرار في كل ما يخص الشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده.
ولن يكون بمقدور اجتماع المجلس الوطني القادم معالجة هذا الموضوع ولا اعادة الامور لنصابها، والمسألة لا تتعلق فقط بتغيير اعضاء اللجنة التنفيذية وهو ما يشكل العنوان الأبرز للاجتماع القادم.
ولعل القضية الأهم والأبرز التي لا يعالجها اجتماع المجلس الوطني هي الوحدة الوطنية، فكيف يمكن عقد اجتماع دون تحضير جيد ودون دعوة « حماس » و «الجهاد الاسلامي» للحضور، وكيف يمكن ذلك دون تفعيل الهيئة القيادية الموسعة التي تضم اللجنة التنفيذية والفصائل غير الممثلة فيها وشخصيات مستقلة، ودون توافق حول اهمية عقد جلسة عادية للمجلس الوطني واعادة تركيب عضويته وانتخاب اللجنة التنفيذية وطرح القضايا الوطنية الملحة على جدول الاعمال لاتخاذ قرارات موحدة وبالتوافق أيضاً بين مختلف فئات الشعب وقواه المختلفة.
الاجتماع بهذه الطريقة وبالتخريجة التي اقترحها رئيس المجلس سليم الزعنون للخروج من عقدة مخالفة قانون المنظمة، يمكن ان يساهم في تعميق الانقسام وترسيخه، ليس بسبب اعتراض «حماس» بل كذلك لعدم رضى وقناعة الفصائل الرئيسة في المنظمة ماعدا حركة «فتح». ويبدو أن جلسة المجلس الوطني التي قد تتحول الى استثنائية بسبب عدم اكتمال النصاب ستقود الى تأزيم الموقف ولن تحل المشكلة حتى لو تم تغيير كل اعضاء اللجنة التنفيذية واستبدالهم بشباب واعد وعلى مستوى المسؤولية.
بغض النظر عن الموقف من «حماس» ومساعيها للاتفاق مع إسرائيل بصورة منفردة الا ان اجتماعاً للمجلس الوطني دون التوافق معها، حتى لو رفضت وهنا يمكن تعرية اي موقف مخالف للاجماع او للحالة التوافقية، لن يقود الى توحيد الموقف ومواجهة التحدي الذي يفرض نفسه على شعبنا وقيادتنا.
ولا يمكن لأحد أن يدعي انه جرى التحضير للاجتماع كما يجب ومنحت الفرصة للفصائل للتفكير الجدي والعميق في المرحلة المقبلة.
وعلى مستوى حركة «فتح» لا يبدو أن الأمور مرتبة وهناك اتفاق على كل القضايا فمسألة انعقاد المؤتمر الحركي السابع لا تزال تراوح مكانها في ظل عدم الانتهاء من عقد مؤتمرات الأقاليم والاتفاق على عدد الأعضاء والتمثيل، عدا مشكلات داخلية اخرى تتعلق بعضو المجلس التشريعي محمد دحلان ، وهناك خلافات تتعلق بالوراثة وتوزيع المقاعد، والسؤال هنا هل ينجح الرئيس في حل هذه المشكلات قبل ان يغادر؟ أم ان الأمور ستذهب نحو الأسوأ ويتصاعد الخلاف.
وفي حال مغادرة الرئيس ابو مازن في هذه الظروف هناك خشية حقيقية من حدوث فوضى وفقدان سيطرة خاصة وان حركة «حماس» معنية بالتصعيد في الضفة للحفاظ على شعار المقاومة بعدما تآكل في اعقاب حصر التفكير فقط بفك الحصار عن غزة وضمان تدفق الأموال وانتعاش الأعمال فيها، حيث إن «حماس» هي المستفيد الأول والأكبر من ذلك.
اذا كان الرئيس مصرا على الاستقالة فعلى الأقل ينبغي أن يعمل الجميع على حصول مستوى ملائم من التفاهم والتوافق الوطني حول نائب الرئيس وحول الانتخابات القادمة في السلطة والمنظمة، كما ان حركة «فتح» عمود الخيمة يجب ان تتوافق فيما بينها على كل الترتيبات لضمان انتقال سلس للسلطة والقيادة، فنحن لسنا بحاجة الى المزيد من التعقيدات والمشاكل التي قد تتسبب في المزيد من الخسارة والضياع.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية