لم يُضع الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي الكثير من الوقت، منذ انتخابه رئيساً للبلاد، قبل أكثر من عام بقليل، فها هو بعد أن شرع، على الفور بالبدء بمشروع توسعة قناة السويس، حتى يواجه إرثاً اقتصادياً صعباً، أثقل كاهل البلاد، ودفع شبابها إلى الثورة المزدوجة في 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، وإسقاط حكم نظام الفرد الذي تميز بالفساد، وحكم المرشد الذي تميز بالاستبداد، وحتى يرفع من عائدات القناة التي تعتبر واحدة من أعمدة الاقتصاد المصري، ها هو يحدث حالة من التوازن السياسي في علاقة مصر الخارجية، ويصحح بذلك مساراً انحرف قليلاً في عهد عبد الناصر تجاه السوفييت، وانحرف كثيراً في عهد السادات / مبارك تجاه الأميركان، ليحسن العلاقة مع روسيا، دون أن يفقد العلاقة مع أميركا.

المهم، أنه إذا كانت العلاقة مع الأميركان، قد ساعدت مصر في الإبقاء على موقعها المحوري في دائرة التأثير العربي، وفيما يخص الملف الفلسطيني، ومعظم ملفات المنطقة، فإن العلاقة مع روسيا، الآن، ومع الانسحاب التدريجي الملحوظ للأميركان من ملفات المنطقة، تباعاً، بعد أن واجهت مشاكل عديدة وتعثرات واضحة، بعد التورط العسكري المباشر، منذ عام 2001، في أفغانستان والعراق وليبيا ومن ثم سورية، تتصاعد مع تصاعد النجاح السياسي والدبلوماسي لموسكو، على أكثر من صعيد، خاصة في الشرق الأوسط، والأهم فيما ينقص مصر، مما كانت واشنطن تعجز عن تحقيقه للدولة العربية الأهم، في منطقة تهدد فيها العرب أطماع كل من إسرائيل، وإيران، وتركيا، ونقصد بذلك على وجه الحصر والتحديد، الجانب العسكري، ثم امتلاك الطاقة النووية في الجانب المدني.
ليس فقط لأن عقيدة الجيش المصري شرقية، وليس لأن معظم سلاح الجيش المصري ما زال روسياً خصوصاً وشرقياً عموماً، رغم تحول علاقة مصر الخارجية منذ عام 1971 من التحالف السياسي / العسكري مع الاتحاد السوفييتي الأسبق، إلى التحالف السياسي مع أميركا، ولكن لأن أميركا بحكم علاقتها الإستراتيجية مع إسرائيل، ما كان يمكنها أن تمد مصر بسلاح إستراتيجي، يمكن أن يهدد إسرائيل في يوم من الأيام، وهذا ما يمكن لحظه بوضوح، حين تعقد واشنطن صفقات السلاح مع حليفتها التاريخية في المنطقة، السعودية، حيث تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار!
السعودية التي تتطلع أيضاً لامتلاك الطاقة النووية في الأغراض السلمية، رغم أنه من حق العرب عموماً، أن يطالبوا واشنطن بالذات وكل العالم بعد ذلك، بأحد أمرين: إما الموافقة على شرق أوسط خال من السلاح النووي، وهذا يعني فتح إسرائيل لتفتيش وكالة الطاقة النووية التابعة للأمم المتحدة، وإجبارها على التوقيع على المعاهدة الدولية للحد من انتشار الأسلحة النووية والكيماوية، وما إلى ذلك، أو السماح للعرب بامتلاك القنبلة النووية، كما سبق وحدث مع الجارتين اللدودتين: الهند وباكستان، حيث سمح لباكستان بامتلاك القنبلة النووية، كرد على امتلاك الهند لها.
نقول بأن السعودية وهي حليف تاريخي لواشنطن، ولأنها أدركت جيداً بأن واشنطن لن تسمح لها بامتلاك الطاقة النووية في الأغراض السلمية، ليس كرد على امتلاك إسرائيل للسلاح النووي، ولكن كرد على اقتراب إيران من امتلاك تلك الطاقة، توجهت لباكستان من أجل تحقيق ذلك الغرض.
مصر أكثر تحرراً في العلاقة مع روسيا، لأسباب عديدة، من السعودية، لذلك ذهبت إلى موسكو من أجل تحقيق هذا الغرض، حيث زف الرئيس السيسي في زيارته الأخيرة للحليف الشرقي التاريخي هذا النبأ الذي طالما حلم به المصريون منذ أيام عبد الناصر.
وبهذا يحقق السيسي بهدوء ودون صخب، خطوات في منتهى الأهمية على طريق عودة العظمة لمصر، قلب الشرق الأوسط، ومركز قوة العرب، ورافعة العالم الثالث بأسره، وبالطبع كل هذا ما كان ممكناً، لولا أن مصر سارعت لاحتواء ما نجم عن الركود خلال عقود ثلاثة مضت، من عثرة، كادت تهوي بالبلاد إلى الهاوية، لولا وجود مؤسسات الدولة العميقة، التي تعود بجذورها إلى عهد محمد علي، تقف في مقدمتها مؤسسة الجيش التي وقفت نداً للإخوان، وهزمتهم بعد عام واحد من سيطرتهم بالدعم وحتى التآمر الأميركي على البلاد، كذلك مؤسسة القضاء، وقطاعات شعبية / جماهيرية كانت فاعلة، شملت الفن والفنانين، الكتاب والإعلام والإعلاميين، كذلك الشباب والعمال والفقراء والأقليات السياسية والثقافية والدينية التي تضررت بقوة من حكم الإخوان ووقفت في وجه استبداد المرشد بشجاعة بالغة.
الآن، بعد نحو عام فقط على تولي الرئيس السيسي الحكم في البلاد، ورغم عدم وجود مجلس شعب، فإن حال مصر بات أفضل بكثير على مستوى التحقق الأمني الداخلي، وباستثناء سيناء، بات الاضطراب الداخلي وراء ظهر أرض الكنانة، كذلك تم توفير الكهرباء والغاز والمواصلات بشكل تام لكل أنحاء البلاد، ومن محاسن الصدف، وبسبب من النوايا الحسنة، فإن الله كافأ مصر وشعبها وقيادتها باكتشاف أكبر حقل للغاز الطبيعي في البحر المتوسط قبالة السواحل المصرية، سيكون من شأنه أن يخلق حالة توازن في القوة الاقتصادية المرتبطة بهذه الطاقة متزايدة الأهمية مع ما كان قد اكتشف لإسرائيل قبل نحو خمس سنوات، بما يعد مصر بغد اقتصادي عظيم، حتى إذا ما أحسن توظيفه، فإنه يمكننا القول، إن ما كان يمكن لمصر أن تحققه من مكانة تجاور فيها نهضة كوريا الجنوبية أو اليابان، قبل نصف قرن، بات أمراً في متناول اليد خلال سنوات قليلة قادمة.
Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد