نتحدث كثيراً عن الاستيطان، وترتفع وتيرة الحديث كلما أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن بناء مئات أو آلاف الوحدات الاستيطانية في قلب الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية.
صراخنا يُسمع صداه في أروقة الجامعة العربية ومن هناك إلى مجلس الأمن، وربما إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وستكون هناك قرارات وبيانات، ولكنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به.
كلما صدر قرار عربي أو أممي أو حتى أوروبي أعلنا النصر، وأخذتنا النشوة... لكن الاستيطان يتمدد كالسرطان، وينخر الجسد الفلسطيني بصمت وينتشر فيه، ما دمّر بشكل فعلي أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية.
في اتفاق أوسلو كان هناك تجاهل للاستيطان، ولم يتطرق المفاوض الفلسطيني بجدية إلى هذا الملف... ولا شك في أن أهم المفاوضين اعترف في حينه بأنه لم يتم تقدير خطر الاستيطان، ولم تكن هناك معلومات حقيقية عن إمكانية تدميره لفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة.
حاولت السلطة الوطنية مراراً التصدي للاستيطان، ولكن النتائج كلها تشير إلى الفشل، حتى "فزعتنا" الأخيرة إلى محكمة الجنايات الدولية ووضع ملف الاستيطان كأولوية في توجهنا لهذه المحكمة بردت إلى حد التجمُّد، وأصبح الحديث عن هذه المحكمة من باب الثرثرة أو ربما التفريغ النفسي، بحيث أصبح كثير من المسؤولين عند أي اعتداء إسرائيلي يصرح بأننا سنتوجه إلى محكمة الجنايات، وكأنها فرع لمحكمة الصلح الفلسطينية في إحدى القرى المهمّشة.
الحديث عن الاستيطان والواقع المرّ جاء في إطار جولة إجبارية في "دولة السامرة اليهودية" المنتشرة كالسرطان في شمال الضفة... موعدي مع مقاول في محافظة سلفيت أجبرني على اكتشاف هذا السرطان بكل أبعاده التي تؤكد أننا أصبحنا الأقلية في هذه المحافظة ومحصورين في ما يشبه الجزر المعزولة وأن الاستيطان اليهودي هو سيد الأرض سهولاً وتلالاً وجبالاً.
كان من المفترض أن أمرّ في طريق بيت ريما ـ قراوة بني زيد ـ برقين ـ حارس إلاّ أنني رغم أسئلتي الكثيرة للمارة وجدت نفسي في متاهة من الطرق الاستيطانية الخاصة بالمجمع الاستيطاني "أريئيل"...
ما تشاهده فقط هو الاستيطان... وقرى فلسطينية خجولة لا حول لها ولا قوة... بين الجسور المتعددة والطرق الممتدة وخارطة الاستيطان التي تشبه المتاهة، وجدت نفسي أسير بالسيارة في طريق دون نهاية... القرى والتجمعات الفلسطينية تشبة البؤر الصغيرة... ولكن بعد حوالى ساعة من الضياع وجدت نفسي على مدخل تل أبيب، وكأن شبكة الاستيطان ارتبطت بمدن فلسطين التاريخية...
في ظل هذا التجمع الاستيطاني كنت الغريب والمشتبه به على المدخل، وبعد تفتيش استمر قرابة الساعتين طالني وطال سيارتي سمحت لي قوات الاحتلال بسلوك طريق العودة... كانت اللافتات كلها تشير إلى أسماء مستوطنات... وكان الفلسطينيون الموجودون هناك بشكل مبعثر مجرد عمالة رخيصة في هذه البؤر السرطانية.
يا قيادة ويا مسؤولين، أرجوكم خوضوا تجربة المرور في الطرق التي سلكتها أمس، فربما ستعيدون مواقفكم من كل الحديث العبثي عن السلام الموهوم.
الحقيقة هي أنه لم تعد هناك أي إمكانية لحل الدولتين في ظل الخارطة الاستيطانية، ويا جماعة بلا "مسخرة" لكل ما يحصل من صراعات حزبية وغيرها.. البلاد ضاعت!.

abnajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد