إلى ماذا أفضى مشروعنا الوطني بعد كل هذه السنوات؟ سؤال يستحق أن نتوقف عنده ونسعى للإجابة عنه، هل كانت كل هذه الجهود التي بذلها القادة وسالت من أجل الدماء ودفع الشباب الفلسطيني في كل المراحل الفاتورة كاملة، دماً وسجناً وإعاقة وإصابة وإبعاد، من أجل أن نرى بعضنا يلبس ملابس فاخرة والعطور الباريسية تفوح منه وسيارته الحديثة تصطف بجوار أخواتها في "الموكب" والرجال يحيطون به من كل جانب خوفاً أن يمسه سوء، على اعتبار أننا لو فقدناه فإن شعبنا سيحتاج إلى عقود طويلة كي ينجب مثله!!!
نسمع كل يوم المزيد من التوضيحات بشأن الاتفاق الذي يرعاه "العثمانيون الجدد" و"القطريون" بشأن قطاع غزة ، ليتبين لنا في كل ساعة أن ممراً بحرياً سينشأ تحت سلطة إسرائيل ومراقبتها الدائمة، في إنجاز دفعنا ثمنه ثلاث حروب، آخرها أجهز على ثلث منازل قطاع غزة وشرد ثلث سكانه ووضعهم تحت رحمة فصول العام، حراً وقراً، فهل سيكون هذا الطريق البحري في اتجاه واحد؟، بعدما غيّر شبابنا الذي اكتوي من نار الحصار والانقسام وضيق الأفق "بروفايل" صفحته على الفيس بوم وكتب "اللهم أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها"، في إشارة واضحة ولا تخفى على عاقل، أن القادم سيحمل معه خروج الآلاف وربما مئات الآلاف في رحلة ذهاب لا إياب بعدها، فهل هذا هو مشروعنا الوطني في جوهره؟.
هل مشروع "فصل غزة" الذي خرج من الأدراج في زمن حكم المجرم شارون قد أصبح قيد التنفيذ ضمنياً؟، وهل أصبحت "المؤامرة الصهيونية" خياراً وطنياً؟، وهل هذا الخيار استراتيجي؟، وإن لم يكن استراتيجياً وتبين أنه مجرد تكتيك، فهل سيقربنا من التحرير أكثر؟، من وقعوا على أوسلو قديماً قالوا لنا أننا بهذا الاتفاق (الذي تضمن معابر مفتوحة للأفراد والبضائع، وعمالاً في داخل الخط الأخضر، ومطاراً، ومشروع ميناء ليس عائم، وحدوداً مفتوحة مع كل العالم) سوف نقترب أكثر من التحرير، بعد أن يصبح المقاتل الفلسطيني على بعد أمتار من مدنه وقراه التي هُجّر منها عام 1948، لينتهي المشهد عند حدود تنسيق أمني ووكالة حصرية عن أمن المستوطنين والمستوطنات، وسلطة وظيفية تقدم رواتب مقابل لا عمل، فماذا سيقول لنا من وقعوا اتفاق الممر المائي مقابل وقف إطلاق النار؟، أوسلو تأسست على مبدأ (الأرض مقابل السلام) فهل نحن اليوم على أعتاب مرحلة (الماء مقابل السلام)؟!!.
كيف استطاعت إسرائيل أن توصلنا إلى مرحلة نعتبر فيها "فصل غزة" بمثابة إنجاز وطني؟، وكيف لنا أن نتغنى "بالإنجازات" أمام من هُدمت بيوتهم وهم يظنون أنهم سيبيتون العام القادم في بلداتهم الأصلية التي تركوها زمن النكبة ؟، وكيف سنواجه عيون الشهداء عندما يتساءلون عن دمائهم التي سالت في معركة "التحرير" ليكتشفوا أنها ذهبت في معركة أخرى عنوانها "الخروج إلى سبيل"، فهل كان من الواجب علينا أن نعيد النظر في أزماتنا، وأن ننشئ خلايا أزمات تقف عند مسؤولياتها وتصنع الخيارات التي يمكن بموجبها تعبئة قوى شعبنا الحية من أجل معركة الخلاص الأبدي من الاحتلال، وأن نعيد للوطن بريقه وحريته ووحدته وامتداده الجغرافي الطبيعي، وهل كان لزاماً علينا أن نتوقف عن محطة الانقسام، ونذهب في حوارات سرية عبر وسطاء ليخرجوا لنا باتفاق على غرار من أسرعنا بالتفاهم مع الصهاينة على تفاصيله، هل كان التوافق مع المحتل أسهل من التوافق مع الأخ والشقيق، وهل المعبر وبضع عشرات من الوظائف التعيسة في سلطة ما تزال تقبع تحت الاحتلال كان أهم من الذهاب في لحمة وطنية تفضي إلى حلحلة كل الأزمات؟، من الذي كوى وعينا بهذا الشكل، وقادنا إلى هذه المأساة التي ستطول وتطول حتى يفنى جيلنا وهو يلعن الساعة التي وُلد فيها!!.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية