تقرير: أطفال فلسطين يواجهون مرحلة هي الأكثر دموية في تاريخ القضية

أطفال غزة جرّاء الحرب المستمرة

سلّطت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير، اليوم الأربعاء، على الواقع المرير الذي يعانيه أطفال فلسطين من ظروف اعتقال، وأوضاع معيشية صعبة،  في قطاع غزة ، والضفة الغربية، و القدس .

وقالت الهيئة والنادي في بيان مشترك، صدر لمناسبة اليوم العالمي للطفل، "إن الأطفال الفلسطينيين يواجهون مرحلة هي الأكثر دموية بحقهم في تاريخ قضيتنا، مع استمرار حرب الإبادة وعمليات المحو الممنهجة، اللتين أدتا إلى استشهاد الآلاف منهم، إلى جانب آلاف الجرحى، والآلاف ممن فقدوا أفرادا من عائلاتهم أو عائلاتهم بشكل كامل". 

وأضافتا، أن مستوى التوحش الذي يمارسه الاحتلال بحق أطفالنا، يشكل أحد أبرز أهداف حرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من 411 يوما، لتكون هذه المرحلة من التوحش امتدادا لسياسة استهداف الأطفال التي يمارسها الاحتلال منذ عقود طويلة، إلا أن المتغير اليوم، هو مستوى الجرائم الراهنة وكثافتها.

وأشارا إلى أن قضية الأطفال المعتقلين شهدت تحولات هائلة منذ بدء حرب الإبادة، فقد تصاعدت حملات الاعتقال بحقهم، سواء في الضفة التي سُجل فيها ما لا يقل عن (770) حالة اعتقال بين صفوف الأطفال، إضافة إلى أطفال من غزة لم تتمكن المؤسسات من معرفة أعدادهم، في ضوء استمرار جريمة الإخفاء القسري، ويواصل الاحتلال اليوم اعتقال ما لا يقل عن (270) طفلا يقبعون بشكل أساسي في سجني (عوفر، ومجدو)، إلى جانب المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال، ومنها معسكرات استحدثها بعد الحرب، مع تصاعد عمليات الاعتقال التي طالت آلاف المواطنين.

واستعرضا جملة من المعطيات والحقائق عن واقع عمليات الاعتقال للأطفال، وظروف احتجازهم:

منذ بدء حرب الإبادة، تعرض ما لا يقل عن 770 طفلاً من الضفة تقل أعمارهم عن 18 عاما، للاعتقال على يد قوات الاحتلال، ولا يشمل ذلك من أبقى الاحتلال على اعتقاله، ومن أفرج عنه لاحقاً.

ولا يزال ما لا يقل عن 270 طفلاً معتقلين في سجون الاحتلال وتتراوح أغلبية أعمارهم بين (14-17) عاماً، مع الإشارة إلى أنه لا معطى واضح عن أعداد الأطفال الذين تعرضوا للاعتقال من غزة، في ضوء استمرار جريمة الإخفاء القسري بحقهم داخل المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال.

ونوها إلى أن الأعداد المذكورة لحالات الاعتقال بين صفوف الأطفال ليست المؤشر الوحيد لقراءة التحولات التي رافقت سياسة استهدافهم عبر عمليات الاعتقال، إذ كانت هناك عدة مراحل تصاعدت فيها عمليات اعتقال الأطفال بشكل كبير.

وأبرز هذه الجرائم: تعرضهم للضرب المبرح، والتهديدات بمختلف مستوياتها، إذ تشير الإحصاءات والشهادات الموثقة للمعتقلين الأطفال، إلى أن أغلبيتهم تعرضوا لشكل أو أكثر من أشكال التعذيب الجسدي والنفسي، عبر جملة من الأدوات والأساليب الممنهجة المنافية للقوانين، والأعراف الدولية، والاتفاقيات الخاصة بحقوق الطفل. هذا إلى جانب عمليات الإعدام الميداني التي رافقت حملات الاعتقال، وكان من بينها إطلاق الرصاص بشكل مباشر ومتعمد على الأطفال، فضلا عن توثيق عدد من الحالات التي استخدمها الاحتلال رهائن، للضغط على أحد أفراد العائلة لتسليم نفسه، وكانت أبرز هذه الحالات احتجاز طفل من بلدة بيت لقيا في رام الله ، عمره ثلاث سنوات، لساعة ونصف ساعة، ثم أُطلق سراحه، إذ سلّم والده نفسه لقوات الاحتلال لاحقًا.

ومن بين السياسات التي تعرض لها الأطفال: عمليات التحقيق الميداني التي تعرضت لها المدن والبلدات، وعدد من المخيمات، بوتيرة كبيرة جدا، حيث طالت آلاف المواطنين منذ بدء الحرب، وكان من بينهم أطفال. وقد كانت هناك محاولات متكررة من مخابرات الاحتلال لاستغلال الأطفال وإسقاطهم للتخابر معها، عبر أساليب تعتمد على استغلال حاجتهم، تحديدا في المناطق التي تشهد مواجهة محتدمة ومتصاعدة مع الاحتلال.

وأوضحا أن الأطفال تعرضوا لسياسات ثابتة وممنهجة، منذ لحظة الاعتقال، مرورا بمرحلة التوقيف، ووصولا إلى اعتقالهم لاحقا داخل السجون، حيث اتخذت أشكالا عدّة، منها: اعتقالهم في ساعات متأخرة من الليل، إذ يقتحم عشرات الجنود المدججين منازل الفلسطينيين بشكل مريب، ويعيثون فيها خرابًا قبل الاعتقال، وكان هناك العديد منهم مصابين ومرضى، وخلال عملية اعتقالهم استخدم جنود الاحتلال أساليب مذلّة ومهينة، والأغلبية تم احتجازهم في مراكز توقيف في ظروف مأساوية، تحت تهديدات وشتائم، واعتداءات بالضرب المبرح، وحرمانهم من الطعام واستخدام دورة المياه لساعات طويلة، وذلك في محاولة للضغط عليهم لإجبارهم على الإدلاء باعترافات، كما يجبر الأطفال على التوقيع على أوراق مكتوبة باللغة العبرية.

يكمل الاحتلال سلسلة انتهاكاته وجرائمه بحق الأطفال داخل السجون، من خلال تجويعهم، وتنفيذ اعتداءات متكررة بحقهم باقتحام وحدات السجن ووحدات تابعة لجيش الاحتلال الأقسام، وقد وثقت الهيئة ونادي الأسير والمؤسسات المختصة العديد من عمليات الاقتحام التي جرت لأقسام المعتقلين الأطفال بعد الحرب، وخلالها دخلت القوات أقسامهم وهي مدججة بالسلاح، واعتدت عليهم بالضرب، وقد أصيب العديد منهم، هذا فضلا عن حرمان عشرات المرضى والجرحى من العلاج، منهم من يعاني أمراضا مزمنة وخطيرة، وإصابات بمستويات مختلفة.

وأكدا أن جريمة التجويع التي تمارس بحق المعتقلين، ومنهم الأطفال، احتلت السطر الأول في شهاداتهم بعد الحرب، فالجوع يخيم على أقسام الأطفال بشكل –غير مسبوق- حتى أن العديد منهم اضطر إلى الصوم لأيام جراء ذلك، وما تسميه إدارة السجون بالوجبات، هي فعليا مجرد لقيمات، ففي الوقت الذي عمل المعتقلون فيه -على مدار عقود طويلة- على ترسيخ قواعد معينة داخل الأقسام، من خلال وجود مشرفين عليهم من المعتقلين البالغين، إلا أن ذلك فعليا لم يعد قائما، واستفردت إدارة السجون بالأطفال دون وجود أي رقابة على ما يجري معهم، وفعليا فإن الرعاية التي حاول المعتقلون فرضها بالتضحية، انقضّت عليها إدارة السجون كما كل ظروف الحياة الاعتقالية التي كانت قائمة قبل الحرب.

وخلال الشهور الماضية، طال المعتقلين الأطفال أمراض جلدية، أبرزها: مرض الجرب السكايبوس، الذي تحول إلى كارثة صحية سيطرت على أغلبية أقسام المعتقلين وفي عدة سجون مركزية، إذ استخدمه الاحتلال فعليا أداة لتعذيب المعتقلين ومنهم الأطفال، بحرمانهم من العلاج، وكذلك تعمد إدارة السجون عدم اتخاذ الإجراءات التي تحد من استمرار انتشاره، وقد تابعنا قضية أحد الأطفال المقدسيين الذي خرج بوضع صحي كارثي جراء إصابته بالمرض، وقد أُفرج عنه بعد جهود قانونية، وبشروط مشددة منها: الحبس المنزلي، والإبعاد عن منزل عائلته.

وحسب بيانهما المشترك، يستكمل الاحتلال جريمته بحق الأطفال من خلال محاكمتهم، وإخضاعهم لمحاكمات تفتقر إلى الضمانات الأساسية (للمحاكمات) العادلة، كما في كل محاكمات المعتقلين، ففي الضفة يخضع الأطفال لمحاكمات في المحاكم العسكرية الإسرائيلية، التي شكّلت ولا تزال الذراع الأساسية لترسيخ الجرائم بحق الأطفال، والمعتقلين عموماً، ولربما وأكثر من أي وقت مضى، فإن المحاكم العسكرية تعرّت بشكل كامل في ضوء حرب الإبادة، وكشفت عن مستوى توحش غير مسبوق من خلال القانون، والقرارات الصادرة عنها.

وهذا الواقع فعليا، لا يختلف في المحاكم الإسرائيلية التي تجري بحق الأطفال المقدسيين، إذ يخضعون لأحكام (قانون الأحداث الإسرائيلي) بشكل تمييزي، ويُحرم من أدنى الحقوق، استنادا إلى نهج المحاكم القائم على تحويل كل الاستثناءات إلى قواعد للتعامل معهم، علماً أن نسبة الاعتقال شكلت -على مدار سنوات- النسبة الأعلى مقارنة بأي من المناطق الجغرافية الأخرى في الضفة، كما يستمر الاحتلال في ترسيخ سياسة الحبس المنزلي التي تحولت إلى كابوس للعشرات من العائلات المقدسية، إذ عمل على ابتكار أدوات مرعبة ضمن نظام السيطرة والرقابة الأشد والأكثر توحشا في القدس، وهنا نشير إلى ما تسمى بالسوار الإلكتروني الذي يرافق العديد من الأطفال المقدسيين خلال حبسهم المنزلي، حيث يخضعون لرقابة لا تقل خطورتها عن الظروف القاسية التي يواجهها الأطفال في السجون، من خلال تحويل منازل عائلاتهم إلى سجن، وتحويل عائلاتهم إلى سجانين عبر هذه السياسة.

وقد شكلت قضية اعتقال الأطفال إدارياً وتصاعدها الذي ارتبط فعليا بتصاعد عمليات الاعتقال الإداري منذ بدء الحرب، وبشكل -غير مسبوق- تاريخيا، إذ وصل عدد المعتقلين الإداريين إلى  4343، وهذا المعطى فعليا لم يسجل حتى في أوج حالة المواجهة في الانتفاضتين الأبرز في تاريخ شعبنا، واليوم، فإن أحد أبرز التحولات الخطيرة والمرعبة، هو استمرار الاحتلال في اعتقال نحو 100 طفل إدارياً، واحتجازهم تحت ذريعة وجود (ملف سري)، بالمقابل فإن الاحتلال يواصل اعتقال أطفال من غزة وتصنيفهم (بالمقاتلين غير الشرعيين)،

كما المئات من معتقلي غزة المعلن عنهم ضمن معطيات إدارة السجون البالغ عددهم (1627)، وهذا المعطى الوحيد الذي أعلنه الاحتلال بشأن معتقلي غزة مؤخرا، ونؤكد كجهات مختصة أن جريمة الاعتقال الإداري تشكل اليوم إلى جانب الاعتقال على خلفية ما يسمى بالتحريض، الأساس لكل حملات الاعتقال في الضفة.

وفي إطار حجم الجرائم المهولة التي يواصل الاحتلال بكل ما يملك ممارستها، عمل على ترسيخ العديد من القوانين ومشاريع القوانين لسلب مصير الأطفال، وعلى مدار السنوات الماضية تصاعدت القوانين العنصرية التي مست بمصير المئات من الأطفال المعتقلين، من خلال عمليات تعديل جرت للقوانين الخاصة بالأحداث، وتحديدا بعد مرحلة الهبة الشعبية، وهناك العديد من التفاصيل المتعلقة بهذا الجانب،  وآخر ما خرجت به اللجنة التشريعية في الكنيست الإسرائيلية، إقرار قانون يقضي بفرض أحكام طويلة على الأطفال دون 14 عاماً في إطار قانون الطوارئ لمدة خمسة أعوام، وهذا ليس القانون الأول الذي يشرع لفرض أحكام لسنوات بحق الأطفال، علماً أن العديد منهم أُصدرت بحقهم أحكام بالسجن المؤبد، بعد أن تجاوز سن الطفولة داخل الأسر، والعديد من الأسرى البالغين اليوم في سجون الاحتلال اعتُقلوا أطفالاً وأُصدرت بحقهم أحكام بالسجن المؤبد لاحقاً، وما زالوا منذ عقود رهن الاعتقال.

وتعتبر دولة الاحتلال هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحاكم بشكل منهجي ومنظم بين 600-700 طفل فلسطيني أمام محاكمها العسكرية.

وفي ضوء كل المعطيات التي استعرضناها، في مرحلة هي الأكثر خطورة على مصير الأطفال المعتقلين، فإن على المنظومة الحقوقية الدولية مراجعة دورها تجاه كل ما يجري، وعلينا مواجهة الحقائق التي فرضتها حرب الإبادة،  في ظل وضوح حالة الاستثناء التي تتمتع بها دولة الاحتلال، والحصانة التي تُمكّنها من ارتكاب المزيد من الجرائم، وتدمير أجيال كاملة وسلبها مستقبلها، وتشويهها جسدياً ونفسياً بشكل ممنهج.

معطيات عامة وإحصائية عن عمليات اعتقال الأطفال:

•منذ عام 2015 وهو التاريخ الأقرب لتصاعد عمليات اعتقال الأطفال، سُجل لدينا أكثر من عشرة آلاف حالة اعتقال.

•ومنذ بدء الحرب اعتقل الاحتلال ما لا يقل عن 770 طفلا من الضفة، ولا تتوفر معطيات عن أعداد الأطفال المعتقلين من غزة.

•من بين الأطفال المعتقلين طفلة واحدة معتقلة من القدس.

•100 طفل هم رهن الاعتقال الإداري، من بينهم طفل يبلغ من العمر 14 عاماً، وهذه سابقة، استنادا إلى المعطيات المتوفرة لدى المؤسسات.

•يحرم الاحتلال جميع عائلات الأطفال المعتقلين من زيارتهم منذ بدء الحرب، كما آلاف المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي ومعسكراته.

•يواجه الأطفال اليوم إلى جانب جريمة التعذيب والتجويع والجرائم الطبية كابوس انتشار مرض الجرب السكايبوس، تحديدا في قسم الأطفال في سجن (مجدو).

•العديد من الأطفال بعد تحررهم، يعانون أوضاعا نفسية صعبة وهم بحاجة إلى تأهيل ورعاية ودعم، كما تواجه عائلاتهم تحديات كبيرة أمام استمرار توحش الاحتلال بحقهم وملاحقتهم، فالعديد منهم استمر الاحتلال في ملاحقتهم واستدعائهم مرات عديدة، وإعادة اعتقالهم في الكثير من الأحيان.

ونذكر هنا أنه ضمن صفقات التبادل التي تمت في شهر تشرين الثاني عام 2023، وخلالها أُفرج عن 169 طفلا، لاحقا أعاد الاحتلال اعتقال تسعة منهم على الأقل، ونذكر أن من بين الأطفال الذين أُفرج عنهم وتجاوزوا سن الطفولة لاحقا، استُشهدوا برصاص الاحتلال.

المصدر : وكالة وفا

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد