يمكن بسهولة فهم ما يجري في التصعيد الإيراني الإسرائيلي فقط في نطاق توجهات الإدارة الأميركية لاحتواء الموقف.

نعم بالنسبة لواشنطن فإن الخلاف الإيراني الإسرائيلي يجب ألا يخرج عن حدود معينة بحيث لا يتحول لحرب بين الدولتين قد يجر معه صراعات جانبية أخرى ت فتح طريقاً لحرب إقليمية أوسع وبالتالي ربما حرب عالمية جديدة.

ورغم انحياز واشنطن المطلق لتل أبيب واستعدادها لدخول الحرب إذا اقتضى الأمر وشعرت بالخطر يحيق بإسرائيل، فإنها ستسعى لأن تكون هذه الجولة الأخيرة في الصراع بين البلدين بحيث لا يقوم كل طرف بالمزيد من الهجمات وإن كان يمكن توقع مثلاً السماح لطهران برد أكثر ضعفاً من الرد الإسرائيلي قد يتمثل في بعض مسيرات.

لكن هذا لن يحدث لأن الصراع يجب أن يتوقف ويجب وقف التدهور في المنطقة حتى تواصل إسرائيل حروبها في فلسطين ولبنان وربما اليمن عما قريب على وزن «سيرة وانفتحت».

أنا لا أقول إن إيران سترد ولكن في حال كان ثمة نية لذلك فإن هذا لن يخرج عن حدود الاحتواء الذي تريده واشنطن، بحيث يلبي كل طرف رغبته وبالتالي يستطيع أن يقول إنه فعل كما يريد ويمكن أيضاً أن يبالغ بالقول إنه ردع الطرف الآخر ومنعه من أي رد مستقبلي أو اعتداء وانتهاك لسيادته.

ومثل النصوص المبهمة يمكن لكل مشاهد أن يفسر العرض وفق ما يراه.

هكذا يمكن لجهود واشنطن مع تل أبيب بشكل مباشر ومع إيران عبر وسطاء أن تنتج عن احتواء معقول للتصعيد الحالي، لأن آخر شيء تريده واشنطن أن تجد نفسها مجبرة على دخول الحرب بين البلدين دفاعاً عن إسرائيل بالطبع وبالتالي تجد نفسها ومصالحها عرضة للاستهداف الإيراني الذي سيكون مدعوماً وقتها روسياً.

سيتغير المشهد حينها حيث سيقترب خط النار في الحرب الروسية الأوكرانية وفي حروب إسرائيل في المناطق.

ستكون المسافة قصيرة جداً بينهما، وسيزيد التعاون على خطي الجبهتين المختلفين وقد يتداخلان.

لا شيء مستبعداً. الحرب العالمية الأولى بدأت بحادث إطلاق نار فيما بدأت الحرب العالمية الثانية بغزو بلد واحدة ثم توسعتا. حين تلتهم النار قشة فإن الدخان يفوح من كل كومة القش قبل أن يصلها اللهب.

هذا الاحتواء سوف يكون سمة السياسة الأميركية في المنطقة في حال ظل الديمقرطيون في البيت الأبيض لأن ثمة عاملاً دائماً يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار يتمثل في إمكانية فوز ترامب وعودة سياسته غير المتوقعة في كل شيء.

وهذا أمر وارد وقتها سيتغير كل شيء. انتهبوا قد لا يكون هذا التغير سيئاً بشكل كبير لأن مقدار سوء ترامب لا يعتمد على الأيديولوجيا التي يتبناها بل على التصرفات الطائشة التي يقوم بها، والتصرفات الطائشة قد تكون في الاتجاهين.

عموماً فإن صعود ترامب سيغير كثيراً مما يجري، وأيضاً من مواقف الإدارة من الحرب الروسية الأوكرانية.

وفي الحالتين فإن واشنطن تسعى لأن لا تكون طرفاً في حرب كونية، لأنها تعرف أن هذه الحرب ستعكس تغيراً في القوى الحاكمة على الكوكب. كل حرب دولية حدث فيها تغير في موازين القوة.

بالعودة للمخرجين الثلاثة والنص المفقود فإن إيران شعرت بالإهانة لأن إسرائيل انتهكت حرمة أراضيها واغتالت إسماعيل هنية في طهران فيما كان مدعواً لتنصيب الرئيس الإيراني الجديد، ومن ثم واصلت ضرب قيادة حزب الله حليفها العربي الأول، وإسرائيل شعرت أيضاً بالحرج أن طهران قصفت بعض المواقع العسكرية الإسرائيلية في قلب البلاد.

أما لسان حال واشنطن فيقول: يجب إنهاء التصعيد الحالي و»يا دار ما دخلك شر».

هكذا ينشغل ثلاثة مخرجين في كتابة نص يصلح لأن ينهي العرض الذي قد ينفجر لو خرج عن السيطرة، وفيما كل مخرج مشغول بالجزء الخاص به فإن العرض يقلق كل القوى في العالم لأن تطوره قد يعني تصعيد الصراع الدولي وتسعير الصراعات الأخرى.

بالنسبة لنتنياهو فإنه يعرف محاذير التصعيد غير المضبوط في هذا الوقت، فهو لا يريد أن يضع الرئيس الأميركي القادم تحت ضغط حرب جارية، لأن هذا لن يكون في مصلحة العلاقات بين البلدين، كما أنه لا يريد أن يفوت الفرصة ويقوم بردة فعل أو «اعتبار» لقوة الردع الإسرائيلية خلال أيام الرئيس المغادر الذي لا يأبه كثيراً لمواقفه الآن، لأنه في حال طلع صباح الخامس من تشرين الثاني فسيكون من الصعب عليه أن يوجه ضربة لإيران لأن هذا يعني أن الرئيس الجديد سيكون في حرج وستبدأ فترته الرئاسية بحرب واسعة. طبعاً هو غير متأكد أن ترامب سيكون الفائز ربما تغير كل شيء.

أما بالنسبة لإيران فإنها مرتاحة نسبياً، فهي قد قصفت تل أبيب وشاهد العالم خاصة مواطنيها وحلفاءها الصواريخ تسقط في ضواحي تل أبيب كما في القواعد العسكرية الإسرائيلية، وبالتالي بالنسبة لها فإنها ردت على انتهاك إسرائيل لسيادتها وتماديها في الاعتداء على حلفائها.

لاحظوا كيف تم التقليل من قوة الرد الإسرائيلي في البيانات الإيرانية، حتى يكاد بيان الحرس الثوري الإيراني يقول إن إيران لم تحس بالضربة؛ أي بالنسبة لها لم تقع من الأساس.

هذا لأن طهران تفكر بعقل المخرج الذي يريد أن ينتهي العرض، أيضاً لأن هدف إيران ليس الحرب لذاتها.

لا أحد يقاتل لأنه يريد القتال. إيران تريد أن تعيد التأكيد على مكانتها في المنطقة كلاعب أساسي وكقوة يجب أن تحترم ويؤخذ موقفها بالحسبان، لذلك فإن طموحها النووي يجب أن يظل عنواناً لأي تسوية لاحقة لأنه دون تلبية هذا الطموح وجعله حقيقة فإن طهران ستواصل التدخل السلبي بالنسبة لواشنطن في ملعب تحتكره.

لذلك فإن واشنطن يجب أن تواصل احتواء التصعيد واعتماد سياسة الاحتواء في المستقبل القريب حتى يظل كل شيء تحت السيطرة.

كتب المسرحي الإيطالي الحائز على نوبل لويجي بيرانديلو العام 1921 رائعته «ست شخصيات تبحث عن مؤلف» وظلت تصلح بعد قرن من وقتها وزمنها العبثي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد