بوصولها المصادف وتمكنها من اغتيال الشهيد يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي الثالث لحركة حماس تَشَكل لدى الطبقة السياسية في اسرائيل انطباع بأن الحرب انتهت من وجهة النظر الإسرائيلية، وهي التي ترى انهيار «حماس» واستسلامها بغياب رجلها الأقوى وزعيمها الأول ومخطط ومنفذ فكرة السابع من أكتوبر، هذا كان يمكن رؤيته بوضوح في خطاب الزهو ل بنيامين نتنياهو مباشرة بعد الاغتيال.
في ذلك الخطاب، قدم عرضاً بخروج قادة الحركة من غزة مقابل حياتهم وإنهاء الأمر، لكن جميعنا بات يعرف أن المسألة لن تنتهي عند هذا الحد. فما قاله بيني غانتس الشريك السابق في الحكومة في ذلك المساء أكثر خطورة مما قاله نتنياهو، إن «اسرائيل تستعد للعمل سنوات في غزة». وخطورة الأمر أن غانتس ليس جزءا من حكومة نتنياهو التي درجت بعض التقديرات على القول، إنها ورئيسها معنيون بإطالة أمد الحرب ما يعطي انطباعا بأن الحرب ستنتهي بمجرد غياب نتنياهو. فغانتس هو أقرب للمؤسسة العسكرية والأمن القومي والدولة العميقة ما يعني أننا أمام سنوات من الاحتلال للقطاع حتى وإن غاب نتنياهو إلا في حال استسلمت حركة حماس واستجابت لشروط نهاية الحرب.
التصور الإسرائيلي للنهاية هو غزة بلا حكم «حماس» وبلا سلاح، فمنذ سنوات وإسرائيل تشير إلى تجريد غزة من السلاح وهو تصور لا يمكن أن تدرجه الحركة الإسلامية الوطنية كواحد من خياراتها وهي مستعدة للقتال حتى آخر مقاتل وآخر قطعة سلاح، لأن في شروط اسرائيل وتصورها يعني القبول بإخراجها من الخارطة الفلسطينية حيث تفقد مبرر وجودها «كحركة مقاومة»، والأخطر بالنسبة لها هو إسدال الستار على الفكرة التي تأسست من أجلها وحشدت التأييد الجارف بسببها. فقد كانت تجسد المعادلة الطبيعية في العلاقة بين الاحتلال وشعب تحت الاحتلال وهو الصدام.
أخطأت حركة حماس حين ذهبت للحد الأقصى من المعادلة التي كلفتها أصولها الإستراتيجية من مخازن الصواريخ والسلاح وعدد غير قليل من المقاتلين ورئيسي مكتب سياسي، ومأساة أكثر من مليون فلسطيني نازحين في الخيام مع تدمير اسرائيل لقطاع غزة الذي طردت «حماس» السلطة منه في صراع داخلي، وتحملت مسؤوليتها أمام المواطن وتعهدت بحمايته لتسلمه كومة من الركام وبعودة الاحتلال المباشر لتقف على هذا المفترق الخطير بعد أكثر من عام على الحرب.
ظن اسرائيل ومعها العالم بأن حركة حماس تنهار بعد اغتيال رئيس مكتبها السياسي القوي هو تقدير مخالف للحقيقة، فهي ومعها الدول الغربية تجري قياساتها على مجموعات مثل «القاعدة» و»داعش» لتنتهي بخلاصاتها أن تلك الحركات انتهت لحظة اغتيال الرأس، دون أن تدرك أن تلك القياسات لا تستوي مع حركات التحرر والشعوب الواقعة تحت الاحتلال، ودون أن تعيد قراءة تجربة الفرادة الفلسطينية بجملة الاغتيالات في القوى الفلسطينية التي طالت معظم قياداتها لتبدأ في كل مرة من جديد رغم عدم إنكار أن الاستهداف الأخير للرجل القوي في الحركة يجيء في ظروف مختلفة وفي أسوا أوضاعها بعكس اغتيالات سابقة طالت قائديها أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي حين كانت الحركة في ذروة قوتها والعمليات الهجومية في الداخل، لم تكن حينها قد سجلت على نفسها أيا من الهزائم فقد كانت تعد انتصارات تم تتويجها في انتخابات 2006.
النجاحات التي حققها بنيامين نتنياهو في الأسابيع الأخيرة عززت موقفه أمام كل المعارضين لسياساته العسكرية وإدارة الحرب، بل أعطت له متسعا للمزاودة عليهم وهو يقول، «لو استجبنا للولايات المتحدة بعدم الدخول لرفح لما قتلنا السنوار»، ما جعل الرئيس الأميركي يهاتف نتنياهو بعد أن كان الأخير قبل أسبوع فقط يتسول مكالمته وقد تمكن من جعل المعارضة الإسرائيلية في حالة دفاع عن النفس ليعلن غانتس الشريك السابق للحكومة أنه كان مع اجتياح رفح، أما المؤسسة العسكرية والأمنية فقد تلاشى صوتها الذي كان لأسابيع قليلة في مواجهة نتنياهو.
إذاً، باتت الحرب معلقة بين طرفين هما نتنياهو و«حماس». الأول من جهة يزداد تصلباً مع تحقيقه نجاحات ت فتح شهيته على استمرار الحرب والإبادة وتتويج نفسه وإزالة عار السابع من أكتوبر يشجعه الميدان وخصوصاً في غزة وبعد أن تمكن من اجتياح معظم مناطقها وحسم رؤيته في مواجهة معارضيه في الداخل وكذلك البيت الأبيض، ومن جهة أخرى حركة تحرر وطني ببعد إسلامي عقائدي يزيدها تصلباً في مواجهة شروط الاستسلام التي تتصورها المؤسسة الإسرائيلية وليس نتنياهو وحده.
هنا تكمن أهمية فهم الواقع وموازينه وأهمية البحث عن حل يوقف الإبادة، فإسرائيل تعتبر أن خطراً وجودياً ظهر من غزة وهو ضربة السابع من أكتوبر، وأنها كما قال قادتها ستعمل على تغيير واقع غزة لخمسين عاماً قادمة. وهذا يعني حربا مفتوحة لذا بات من الضروري أن يجري التفكير بحل حقيقي يوقف هذه المذبحة المستمرة بكف يد اسرائيل ولا يدعو «حماس» للاستسلام، حل يوقف هذه الحرب التي يطحن فيها شعب بلا رحمة حيث الجميع متفرج بلا أمل أو رجاء من أحد، لأن في استمرار الحرب ما يعني استمرار موت غزة بلا أفق أو أمل بموازين قوى يمكن أن توقفه. فالميدان ليس في صالح الفلسطينيين أو «حماس» والحرب هي ابنة الميدان.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية