لا يزال ثمّة وقت لكي يواصل الإسرائيليون احتفالاتهم بـ»الإنجازات التكتيكية» التي حقّقها الجيش، والأذرع الاستخبارية، ضد «حزب الله» اللبناني، والادعاءات التي يسوقها المحلّلون، وبعض خبراء السياسة والحرب العدوانية من أنّ الإنجاز يرتقي إلى مستوى القضاء على أكثر من 50% من قدرات الحزب.
وربّما يقيم بنيامين نتنياهو احتفالاً خاصاً، فهو قد نجح في تعزيز حكومته من خلال انضمام حزب جدعون ساعر إلى «الائتلاف»، ووضع «المعارضة» تحت إبطه، وضمن استمرار الدعم والحماية من الولايات المتحدة، وذيولها من الدول الغربية.
نتنياهو يقود باقتدار حرب «يوم القيامة»، ويعتقد أنّه سيربحها طالما أنّه يقود هذا الحلف الدولي القوي بإمكانياته، ويأمل بأن يكون حظّه أفضل من حظوظ «قادة عظام» سبقوه، لكنهم لم يُتوّجوا كمنتصرين.
يفشل في غزّة بالقضاء على المقاومة، وفي السيطرة الكاملة والآمنة على القطاع، ويدّعي أنّه حقق المهمّة والهدف، فينتقل إلى لبنان ليغطّي على فشله بتحقيق «إنجازات»، من خلال اغتيال القادة، وضرب منظومة الاتصالات وارتقاء مئات الشهداء والجرحى، وتهجير السكان من الجنوب، والضاحية.
لا شكّ أنّ طيران العدوان الإسرائيلي، قد حقق «إنجازات مهمّة»، ولكنها ليست نهائية، أو ساحقة، فالسلاح الجوّي لا يحقق انتصارات إستراتيجية، ومن يمكنه تحقيق ذلك، الجنود والدبّابات وناقلات الجند، ولذلك اتخذ نتنياهو قراره، بشنّ حرب برية، يقول إنها محدودة، لدفع الحزب إلى جنوب الليطاني، وتأمين عودة المهجّرين إلى بيوتهم في الشمال.
تأخذ النشوة بنتنياهو إلى توسيع دائرة التصعيد لاستعادة الردع والمبادرة فتذهب طائراته إلى اليمن، ويوسّع دائرة القصف لتشمل الحدود والمعابر اللبنانية السورية، وتكثيف العدوان على سورية، وكل ذلك من دون أن تتراجع حدّة القصف على القطاع، ومن دون أن تتراجع حملاته العسكرية على مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية.
تصحو إيران لقليل من الوقت، فما يقوم به جيش الاحتلال يضع قيادتها في مأزق، إن هي تجاوزت، ما تعرض له «حزب الله»، فتضطر إلى الردّ مع استمرار التأكيد على عدم رغبتها في توسيع دائرة الحرب.
بعد أشهر من اغتيال إسماعيل هنية ، وعشرات الاغتيالات لقادة الحزب، وأحد جنرالاتها في لبنان يأتي الردّ الإيراني محسوباً، ومحدوداً، ومعلوماً مسبقاً بمبادرة إيرانية تصل إلى الولايات المتحدة، وبعض الدول الغربية ومنهم إلى الدولة العبرية.
الثمن الذي تجبيه إيران مقابل الاعتداء على سيادتها، واستهداف شخصيات وقادة من مقام حسن نصر الله، وإسماعيل هنية، هو ثمن غير متناسب، بل يمكن اعتباره محدوداً، ورمزياً، لكنه يؤكّد مرّة أخرى بالفعل وليس بالقول إنّها ليست في وارد الانخراط الواسع والجدّي في الحرب. مع ذلك، لن يكون أمام القيادة الإيرانية فرصة، للهروب من استحقاقات مواجهة واسعة، لا ترغبها، ولكن نتنياهو يسعى إليها بكلّ قوة.
أظنّ، وليس كلّ الظنّ إثما، أنّ نتنياهو يجد الفرصة سانحة، لتحقيق ما لم يكن قادراً على تحقيقه خلال سنوات سابقة. دولة الاحتلال تهدّد بردّ قوي، باستهداف إمّا المنشآت النفطية أو المنشآت النووية الإيرانية، والأرجح أنّ نتنياهو يرغب في التخلّص من برنامجها النووي، وإن فعل ذلك ستكون إيران مضطرّة للانخراط أكثر في الحرب.
ومثلما رحّبت الإدارة الأميركية بنجاح دولة الاحتلال في اغتيال نصر الله من خلال الطائرات أميركية الصنع من نوع (اف 35)، والأسلحة التي تستخدمها من وزن 2000 رطل، هذه الإدارة سترحّب إن نجحت إسرائيل في قصف المنشآت النووية الإيرانية.
في كلّ الأحوال، وسواء أكان نفاقاً، أم أن إدارة جو بايدن، لا ترغب في توسيع دائرة الحرب في الإقليم، إلّا أنّها تفعل كلّ ما يلزم لدعم مغامرات نتنياهو المجنونة، وكما في مرّات كثيرة، تظهر الإدارة الأميركية عدم رضاها عن بعض المغامرات الإسرائيلية، فإنّ الإدارة الأميركية عملياً منخرطة وشريكة في كل ما قام ويقوم به نتنياهو.
البيت الأبيض، أعلن أنّه نصح دولة الاحتلال، بعدم الدخول في حرب برّية وأنّ الدبلوماسية هي الطريقة المناسبة، لتحقيق أهداف عودة المستوطنين إلى بيوتهم في الشمال. غير أنّ البيت الأبيض مأخوذاً بـ»إنجازات» نتنياهو، يعود فيعبّر عن أنّ العملية البرّية في لبنان تتماشى مع «حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وبأنّها أي الإدارة تدعم ذلك «الحق» و»ستواصل تقديم الدعم». وتزيد الإدارة الأميركية «إن البنية التحتية التي ستدمّرها إسرائيل في عمليتها البرّية، قد تستخدم لتهديد المواطنين الإسرائيليين».
تحصل دولة الاحتلال بموجب ذلك، على تفويض كامل من قبل الولايات المتحدة، للمباشرة في حملتها العدوانية البرّية على جنوب لبنان باعتبار أنّ القصف الإسرائيلي الجوّي والمدفعي الذي طال على نحوٍ مكثّف، كلّ أنحاء لبنان بما في ذلك بيروت العاصمة، سيعزز من إمكانية «نجاح العملية البرّية»، في قصم ظهر المقاومة اللبنانية، وإجبارها على رفع الرّاية البيضاء.
ولكن قد لا يكون حساب البيدر، متطابقاً مع حساب الحقل، إذ لا تزال الدولة العبرية تحشد المزيد من الفرق العسكرية والدبّابات والمعدّات القتالية على الحدود المتاخمة لجنوب لبنان في انتظار ساعة الصفر، وإلى أن يتمّ إعطاء إشارة البدء، يحاول جيش الإجرام والعدوان جسّ نبض مقاتلي الحزب والبحث عن ثغرات لتسهيل عملية الدخول البرّي.
للجبهة الداخلية، يقدّم جيش الاحتلال فيديوهات عن أنّه دخل إلى بعض أنفاق يستخدمها مقاتلو الحزب، ويعرض بعض المعدّات لتأكيد مصداقيته، لكن سرعان ما أن تبخّرت تلك الادّعاءات عند أوّل اختبار عملي.
الاختبار الأوّل، حين تقدّمت نخبة من جيش الاحتلال إلى منطقة العديسة جنوب لبنان، فتقع في كمين لمقاتلي الحزب، ينجم عنه سقوط أكثر من 20 جندياً بين قتيل وجريح، وتجد فرق الإنقاذ صعوبة في التعامل مع الحدث.
إذا كانت دولة الاحتلال قد استخدمت أقصى ما لديها من قوّة وتدمير وإجرام في قطاع غزّة ولمدّة عام كامل، ولم تنجح إلّا في ارتكاب المزيد من المجازر بالقتل والتجويع والتعطيش وتسميم البيئة، وتدمير الخدمات الصحية، فهل لها أن تنجح في تحقيق أهدافها في لبنان؟
لقد فتحت دولة الاحتلال جهنّم على جبهات متعدّدة، وعلى مساحةٍ جغرافية واسعة ولكنها، أيضاً، فتحت على نفسها جهنّم، لا يعرف أحد، إلى أين وكيف ستنتهي.
التجربة خلال العام المنصرم من الحرب العدوانية والتدميرية، تؤكّد على نحوٍ لم يعد يقبل الجدل أنّ لا أحد سينجو من الانخراط في هذه الحرب المجنونة، فمن يتخلّف اليوم، أو تخلّف، أمس، عن استخدام ما لديه من قوة، وفق حسابات ثانوية، فإنّه سيجد نفسه مضطراً للانخراط طالما أنّ نتنياهو لا يتوقّف.
لقد حاولت الإدارة الأميركية مساعدة دولة الاحتلال في الاستفراد بكل ساحة على حدة، والانتقال إلى ما بعدها، بعد تحقيق الأهداف، ولكن نتنياهو يصرّ، وينجح في أن يجرّ الولايات المتحدة خلفه، نحو توسيع دائرة الحرب إلى أبعد مدى ممكن، سعياً وراء هدف أقرب إلى المستحيل وهو أن تصبح دولة الاحتلال، دولة مهيمنة في الشرق الأوسط.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية