لم تعد زيارة الرئيس والقيادة الفلسطينية إلى غزة تتصدر وسائل الإعلام وعناوين الصحف بعد الاندفاعة والمناخات التي خلقتها، هكذا يبدو الأمر في لحظة عاد فيها نتنياهو للاستيلاء على الفضاء العام متبجحاً بالسيطرة واحتلال غزة كأنها أرض متروكة تبحث عمن يسيطر عليها، وأن سكانها حمولة التاريخ الزائدة التي يجب التخلص منهم قتلاً أو حرقاً أو تهجيراً.
على وقع السابع من أكتوبر اهتزت السلطة في الأداء، وهي يجب أن تكون متماسكة وممسكة بزمام المبادرة وألا تترك للإسرائيلي أن يستفرد وحده بالحالة السياسية وبغزة، مستغلاً أحداث ذلك اليوم للقضاء على غزة أو تهجير سكانها والإجهاز على القضية الوطنية برمتها.
وعزز حذر السلطة تهديدات سموتريتش الذي رأى في الفرصة ما هو مناسب لإنهاء السلطة والإعلان عن ضم الضفة الغربية، وزاد الحذر السلطة عندما بدأ الحديث الأميركي عن سلطة متجددة عقدت لها الاجتماعات في عواصم عربية فآثرت الانزواء في لحظة مصيرية.
نواجه حرب إبادة للشعب الفلسطيني يراد منها سحقه وإخراجه من الجغرافيا مرة أُخرى بعد النكبة الأولى، أن عاد لها من بوابة التاريخ الواسعة، فالهويات لا تختفي والسلاح يمكن أن يحطِّم لكنه لا يمكن أن يهزِم ويُخرج الشعوبَ من التاريخ ويقضي على هُويتها.
لا جامعة عربية أعلنت انعقادها الدائم ولا منظمة مؤتمر إسلامي تداعت للصلاة على روح غزة، ولم تتم دعوة المؤسسات العربية والإسلامية.
وعندما أعلن الرئيس الفلسطيني في العاصمة التركية بانفعال أنه سيزور غزة حتى لو كلف الأمر حياته، كان الأمر مفاجئاً للجميع بمن فيهم إسرائيل التي لم تتأخر في ردها بمنعه من دخول غزة، وهذا متوقع ممن وضع كل إمكانياته من أجل منع عودة السلطة للقطاع وحراسة الانقسام. والأهم لأن لإسرائيل مشروعاً أبعد كثيراً في غزة، وأن عودة السلطة لغزة هي إفساد كبير لذلك المشروع، فهي لم تشن الحرب من أجل إعادة بسط سيطرة نظام سياسي فلسطيني موحد للضفة وغزة.
ما أوردته وسائل الإعلام بعد الرد الإسرائيلي هو أن الدوائر الرسمية الفلسطينية أخذت تجري اتصالاتها مع دول العالم والأمم المتحدة لتأكيد الزيارة وحمايتها ودعوة مَن يريد من الزعماء لمرافقة الرئيس الفلسطيني، وبعدها نشر مرسوم رئاسي بتشكيل لجنة لترتيب تفاصيل الزيارة لكن في الأيام الأخيرة بدا وكأن الأمر يخفُت رغم أن تلك الخطوة ستشكل أهم تظاهرة سياسية تحدث في الحرب، وأغلب الظن أن زعماء كثراً سينضمون للرئيس الفلسطيني.
هذه التظاهرة لا تحتمل مزيداً من الوقت حتى لا يضعف زخمها، وهذه فرصة لاشتباك آخر مع إسرائيل في ساحة لا تتفوق فيها. فالرئيس هو رئيس الشعب الفلسطيني والسلطة مسؤولة عن السكان في غزة ويجيء لممارسة صلاحياته القانونية في منطقة جغرافية نصت الوثائق التي تم إيداعها في الأمم المتحدة على مسؤوليته تجاهها ولتقل إسرائيل روايتها المثقوبة، وطالما أننا في حرب بكل الوسائل بما فيها بالرواية لماذا نوفر فرصة التفوق؟!
لا أحد تمكن من وقف الحرب ولا أحد يتصور أن السلطة قادرة على ذلك، لا الدول العربية ولا الإسلامية ولا العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة «مشكوك في رغبتها بوقف الحرب» لكن إسرائيل تمادت أبعد مما يجب، وأبادت أبعد مما يتخيله العقل البشري، وإذا كانت تتفوق في ميدان السلاح بفعل الجسور الجوية الأميركية والغربية، لكنها لا تتفوق في ميدان السياسة وخصوصاً مع هذه الهزيمة الأخلاقية التي تشهدها كل يوم، والتي تنبئ بهزيمتها الإستراتيجية كما قال لويد أوستين وزير الدفاع الأميركي نهاية العام الماضي.
أن تُفلت إسرائيل من العقاب فتلك نهاية التاريخ الحقيقية، وأن تعتقد أن الشعب الفلسطيني سيغفر فتلك مزحة التاريخ المنحطّة، ستدفع ثمن ما فعلته لعقود. فالذخيرة الأخلاقية للفلسطينيين مازالت على حالها ولم تُستنفد بعد، بل أضافت لها إسرائيل أرصدةً جديدة، وتلك يجب أن تتكئ عليها القيادة الفلسطينية لتحرُّكٍ يجيء متأخراً ولكنه أفضل من أن لا يجيء أبداً، السلطة يجب أن تأخذ دورها، والسياسة لا تعرف الفراغ، وإذا لم تكُن ستكون إسرائيل، ونحن في لحظة سياسية كان يجب أن تتحوّل لفرصةٍ وفّرها السابع من أكتوبر وقال كلمته بأن الإسرائيلي والمنطقة لن ينعما بالأمن إذا لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم... كان حدثاً وفّر ما يكفي من عمل السياسة... ولكن...!
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية