جو بايدن مدمّر وغاضب لمقتل هيرش غولدبيرغ بولين، الأميركي الإسرائيلي الذي عثر جيش الاحتلال على جثته مع خمسة أسرى آخرين مطلع هذا الأسبوع، وهدّد بأن يدفع قادة " حماس " ثمن هذه الجرائم.
لستُ أدري من سبق الآخر، بايدن أم بنيامين نتنياهو ، في الإعلان عن صدمته وإطلاق تهديداته، التي سبق لوزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن أطلقها تعقيباً على تصريح لخالد مشعل رئيس "حماس" في الخارج.
نسي بايدن، جريمة اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة الأميركية من أصل فلسطيني، والتي تستّر عليها، بكلام فارغ، بما يؤكّد للمرّة الألف، ازدواجية المعايير، والانحياز المطلق لما اعتبره أحد المسؤولين الأميركيين السابقين، أنها الولاية 51 ويقصد الدولة العبرية.
كلاهما بايدن، ونتنياهو، يحمّل "حماس" المسؤولية عن مقتل الأسرى الإسرائيليين ومن بينهم بولين الأميركي الإسرائيلي، مع أنّ دولة الاحتلال هي التي قامت بعملية القتل لهؤلاء، ومن سبقهم، ومن لا يزالون جثثاً بيد المقاومة الفلسطينية.
فقط من يبرّرون استمرار الحرب، هم من يحمّل المقاومة المسؤولية عن مقتل الأسرى الإسرائيليين، بالرغم من أنّ أبسط الاستنتاجات يشير إلى أن المقاومة هي صاحبة المصلحة المطلقة في الاحتفاظ بهم أحياء وبصحة جيدة.
يعود نتنياهو، ويؤكد ما دأب على إطلاقه من التصريحات وهو أن الضغط الإجرامي العسكري هو الطريق الممكن والفعّال للإفراج عن الأسرى بالإضافة إلى العمل السياسي، ويقصد المفاوضات التي لم يبقَ مسؤول في دولة الاحتلال بمن في ذلك رؤساء الأجهزة الأمنية العاملون، إلّا ويحمّل نتنياهو المسؤولية عن فشلها.
المفاوضات عالقة، وفي سبيلها إلى الفشل، بسبب شروط نتنياهو التعجيزية، وبالرغم من ذلك يواصل بايدن التعبير عن تفاؤله، بقرب التوصل إلى صفقة تبادل.
في الحقيقة، ليس نتنياهو وحده، وحكومته المسؤولين عن إفشال صفقة التبادل، فبايدن وإدارته تتحمّل المسؤولية بالقدر ذاته التي يتحمّلها نتنياهو، إما من موقع مشاركته الرؤية، وإما بسبب العجز عن إرغام نتنياهو على سحب اشتراطاته.
لا الولايات المتحدة الأميركية، ولا الاتحاد الأوروبي، ولا أي طرف دولي فاعل، قام بما ينبغي لوقف الحرب العدوانية، وممارسة ضغط فعّال على حكومة الاحتلال لوقف جرائم الإبادة الجماعية، التي يشتركون في المسؤولية عنها.
وفي الداخل الإسرائيلي، لا يزال الضغط ضعيفاً ومشتّتاً حيث تقتصر الاحتجاجات اليومية على أهالي الأسرى، وآلاف المناصرين، وكثير من التصريحات التي يطلقها زعماء "المعارضة"، ومسؤولون أمنيون وجنرالات سابقون، ويطالبون فيها باستقالة الحكومة.
كانت "المعارضة" قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قد سيّرت تظاهرات بعشرات الآلاف، لإسقاط رؤية نتنياهو للإصلاحات القضائية، ولكنها اليوم تكرّر ما تفعله بعض القيادات الفلسطينية التي تكتفي بمشاركات رمزية.
لو أنّ "المعارضة" جادّة، لقامت بتحشيد كلّ إمكانياتها ومناصريها، للخروج إلى الشوارع، ولأعلنت العصيان المدني الذي يطالب به ويدعو إليه رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك.
يبدو أنّ "المعارضة" استمرأت، الاكتفاء بإطلاق التصريحات المعارضة للحكومة، والمطالبة بعقد صفقة التبادل، لدغدغة عواطف قطاع من الجمهور، ولكنها في الجانب الآخر، تتفق مع نتنياهو وحكومته الفاشية، في رفض الحلّ السياسي، و"رؤية الدولتين"، بما يجعلها عملياً داعمة لاستمرار الحرب التدميرية، وحسم الصراع.
إن ربح نتنياهو، فهي كانت داعمة لأهدافه السياسية، وإن خسر فهي لا تتحمّل المسؤولية عن الفشل، لكنها معذورة لأنّها لم تتمكن من وقف مسلسل فشل الحكومة واستبدالها.
لا يريد بايدن الالتفات لما يجري في ساحة الضفة الغربية و القدس ، حيث يجري تسليح ميليشيات المستوطنين، الذين يصعّدون اعتداءاتهم على الفلسطينيين بحماية ومشاركة من الجيش و"حرس الحدود" والشرطة.
لا يريد بايدن أن يلتفت إلى تصريحات رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الوزير مؤيّد شعبان الذي قال، إن "قوات الاحتلال والمستوطنين نفّذوا 1228 اعتداءً خلال شهر آب الماضي فقط".
ولا يريد بايدن أن يلتفت أو يُبدي أدنى اهتمام بما يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي في كافة أنحاء الضفة، مدناً وقرى ومخيمات، وعلى نحوٍ خاص ما يجري في الشمال وفي القلب منها جنين.
ما يجري في الضفة، يتجاوز خطورة ما اعتادت دولة الإجرام والاحتلال على فعله منذ عدوان "السور الواقي" في العام 2002، بما يؤكّد أنّ دولة الاحتلال تشنّ حرب إبادة شاملة في غزّة، ومتدرّجة في الضفة والقدس.
قبل أسابيع قليلة كان وزير الحرب يوآف غالانت، قد أوعز برفع الحطر عن استخدام الطيران الحربي، في عمليات الاقتحام التي لا تتوقّف للمخيمات والمدن الفلسطينية.
الحكومة الإسرائيلية، ومسؤولوها العسكريون يحاولون خداع الرأي العام، بالقول، إن حملاتهم العسكرية تستهدف ضرب البنية التحتية للمقاومة.
ما يجري حقيقة، يندرج في سياق تدمير البنية التحتية والإسكانية والاجتماعية للمخيمات الفلسطينية.
وفي جنين يكرّر جيش الإجرام والاحتلال الإسرائيلي ما يفعله في قطاع غزّة، تدمير البيوت، والشوارع، والبنى التحتية وقتل المدنيين، وإجبارهم على النزوح عن بيوتهم، وقطع المياه والكهرباء والاتصالات، ومحاصرة المستشفيات، واستهداف سيارات الإسعاف ومنعها من الوصول لإنقاذ الجرحى.
وبالإضافة إلى ذلك حرق أسواق الخضار والفواكه والبقالة ومنع وصول المواد الغذائية، لتجويع المواطنين وتعطيشهم.
لم يكن لنتنياهو، ودولة كيانه، أن يواصل حرب الإبادة في غزّة وينقلها إلى الضفة، بالرغم من الحكم الذي نطق به قضاة محكمة العدل الدولية لولا الدعم والحماية التي توفّرها له الولايات المتحدة.
لا يأبه نتنياهو بالتحذيرات التي تصدر عن أجهزته الأمنية التي تحذر من احتمال تدهور الأوضاع في الضفة، بما ينطوي على خطورة بالغة، تستنزف قدرات الجيش، وتدفع الأوضاع في المنطقة برمّتها إلى حافّة الانهيار.
في الواقع فإنّ المؤشّرات كافّة تؤكّد أنّ الإدارة الأميركية، لا تعمل من أجل وقف الحرب الدموية والإبادية، أو تعطيل مخطّطات وأهداف الحكومة الفاشية الإسرائيلية، وكلّ ما أرادته هدنة مؤقّتة للإفراج عن الأسرى، ثم إطلاق يد نتنياهو نحو مواصلة حربه الإجرامية، فبايدن لا يملك القدرة على ضبط الأوضاع لفترة أطول ذلك أنّ شريكه نتنياهو الذي ينتظر ترامب، لا يوفّر فرصة من أجل إدامة وتوسيع الحرب العدوانية، بما يهدد الاستقرار والأمن في كلّ المنطقة.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية