وب إسرائيل في الشرق الأوسط، سواء في غزة أو مع لبنان أو إيران تصرح الولايات المتحدة طوال الوقت أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها.

وهذا "الحق" المزعوم يتيح لإسرائيل التصرف كيفما تشاء. وفي إطار هذا التصريح الأميركي يمكن لإسرائيل مهاجمة أي بلد دون حتى أن تتعرض لاعتداء أو هجوم من قبل البلد المعتدى عليه، فيكفي أن تصنف أي دولة أو مجموعة باعتبارها معادية لكي تكون عرضة لعدوان إسرائيلي.

هذا حصل مع الدول العربية العام 1967، حيث شنت إسرائيل حرباً على كل من مصر والأردن وسورية تحت ذريعة أن الدول العربية تحضر لشن هجوم على إسرائيل. ليتضح بعد كشف الوثائق السرية الإسرائيلية بعد مرور 50 عاماً على العدوان الإسرائيلي بأن الدول العربية لم تكن تحضر لمهاجمة إسرائيل وأن الأخيرة اختلقت هذه الكذبة لتحتل الأراضي العربية لتفرض تسوية تتيح لدولة إسرائيل السيطرة على كامل فلسطين التاريخية.

اليوم تستخدم إسرائيل الادعاء بحق الدفاع عن النفس للاعتداء على كل من يعادي إسرائيل. ولا تبالي بما يمكن أن يسببه ذلك من أذى ودمار للناس الذين لا علاقة لهم بأي ادعاء إسرائيلي.

ويهم إسرائيل الحفاظ على صورة الدولة العظمى القوية التي لا يستطيع أن يهزمها أحد.

أي الاحتفاظ بما تسميه قوة الردع التي تآكلت وضربت بشدة في هجوم السابع من أكتوبر في غلاف غزة، وأيضاً بالفشل العسكري بالقضاء على " حماس " والفصائل المسلحة في غزة بالرغم من مرور عشرة شهور على بدء الحرب.

والآن تحاول إسرائيل ترميم قدرتها على ردع أعدائها والاحتفاظ باحترام حلفائها من خلال عمليات اغتيال في مناطق مختلفة بما فيها عواصم دول أخرى كبيروت وطهران.

صورة إسرائيل وهي تنتظر ضربة إيرانية تجعلها في حالة شديدة من الارتباك والضعف فلم تعد تخيف أحداً، وحلفاؤها يحاولون أن يخففوا حدة رد الفعل الإيراني سواء بالترهيب أو بالترغيب. ولكن هذا لا يغطي حجم الخوف الإسرائيلي من حرب استنزاف طويلة لا تستطيع الصمود فيها طويلاً.

وبالرغم من أن إسرائيل لديها قدرات عسكرية كبيرة ويمكنها الاعتماد على حلفائها وعلى رأسهم الولايات المتحدة في القيام بعدوان واسع على إيران قد تستطيع خلاله تدمير مواقع استراتيجية إيرانية تشمل المفاعلات النووية ومرافق اقتصادية مهمة مثل حقول النفط والغاز، لكنّ هناك خوفاً إسرائيلياً من فتح جبهات متعددة وحرب استنزاف قد تطول بحيث تهتز الجبهة الداخلية الإسرائيلية ولا تخسر إسرائيل مكانتها فقط بل تتحول إلى دولة خطيرة على اليهود الإسرائيليين الذين سيفضلون المغادرة على البقاء تحت النيران. فالحرب الطويلة تعني أن المجتمع الإسرائيلي سيفقد قدرته على الوحدة والصمود خاصة في ظل الانقسامات التي تعيشها إسرائيل الآن والتي تتعمق على كل المستويات.

في إسرائيل يتحدثون عن القيام بضربة استباقية للتخلص من وضع الشلل وحالة الانتظار المكلفة التي تمر دون الهجوم الإيراني المتوقع. ولكن حتى لو عنونت إسرائيل اعتداءها بحقها في الدفاع سيكون من الصعب على الولايات المتحدة تغطية هذا العدوان أو تبريره.

بل إن واشنطن تحاول التوصل إلى صفقة مع إيران بحيث تكون الضربة الإيرانية وأي رد إسرائيلي عليها مسيطراً عليهما ولا يؤديان إلى حرب إقليمية واسعة قد تجر الولايات المتحدة للتدخل بصورة تعرض مصالحها للخطر وتؤدي إلى خسارة الحزب الديمقراطي للانتخابات القادمة في شهر تشرين الثاني القادم.

وفي المقابل ستعمل الإدارة الأميركية على تحسين علاقة إيران بأميركا والعالم الغربي. أي أن الحديث يدور عن صفقة واسعة نسبياً، وقد تشمل لبنان وغزة لاحقاً.

ما تقوم به إسرائيل في غزة من عدوان غير مسبوق وتدمير لكل مقومات الحياة وإبادة جماعية ضد الفلسطينيين يهدد الأمن والاستقرار الدوليين. وهو السبب في الحرب مع "حزب الله" في لبنان وأيضاً في توسيع نطاق المعارك لتشمل إيران.

ولا يبدو أن حكومة بنيامين نتنياهو في وارد التوصل إلى صفقة تبادل قد تنهي الحرب والتوتر في كل المنطقة. فهذا الأمر يتعلق بمصير نتنياهو وائتلافه الحاكم.

وفي الواقع لم يعد نتنياهو يقيم وزناً لموقف الرئيس الأميركي جو بايدن الذي يغادر الحلبة السياسية في حين أنه يراهن على وصول دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة خلفاً لبايدن وعندها تصبح أموره أفضل ويحصل على غطاء أوسع للاستمرار في الحرب – حسب اعتقاده.

وفي حال التوصل لصفقة أميركية - إيرانية دون وقف الحرب في غزة فهذه لن يصمد طويلاً لأن الحرب ستبقى مشتعلة مع "حزب الله" ومع المحور الإيراني في المنطقة، وبالتالي احتمال العودة للحرب من جديد على نطاق إقليمي أوسع يظل قائماً.

ولن يتم نزع فتيل الحرب دون لجم إسرائيل ودفعها لوقف حربها الدموية التدميرية في غزة.

وهناك حاجة لتدخل دولي واسع النطاق في كل ما يجري في المنطقة باعتباره يهدد الأمن والسلام الدوليين.

وهذا التدخل يمكن أن يكون فاعلاً عندما يتم التعامل مع إسرائيل بجدية على أنها دولة محتلة ومجرمة وتنتهك كل القوانين والأعراف الدولية وتمس بصورة خطيرة بالنظام الكوني. ويتم وضع حد لعدوانها ورفض قبول أي ادعاء إسرائيلي بأن حروبها تأتي في سياق الدفاع عن النفس. فالدولة المحتلة هي معتدية ولا تدافع عن نفسها، بل هي يجب أن تحارب لتحقيق العدالة وإعادة الحقوق لأصحابها، وليس التغطية على العدوان ومساعدة المعتدي تحت حجج وذرائع لا علاقة لها بالقانون الدولي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد