173-TRIAL- رغم أن هناك احتمالاً بأن يكون كل ما يشاع من قبل الحكومة الإسرائيلية عن عملية خطف المستوطنين الثلاثة، مجرد مسرحية، كما قال بذلك أكثر من مسؤول ومراقب، ورغم أن الحديث يدور عن مستوطنين إسرائيليين تم اختطافهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا ان التعامل مع فرضية تقول بأن عملية الخطف قد تمت بالفعل، يثير عدداً من الأسئلة، التي تمس جوهر وحقيقة الموقف السياسي الإسرائيلي، الذي إن لم يكن قد اخترع القصة برمتها، فإنه من المؤكد، انه قد "سهّل" الأمر لحدوثها، ثم من المؤكد أنه كانت له "مصلحة" في حدوث هذا الشيء، نظراً لردة الفعل التي قامت بها خلال الأسبوع الماضي، قوات الاحتلال الإسرائيلي في معظم مناطق الضفة الغربية، وليس في مدينة الخليل وحسب.
لقد كانت تقديرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المختلفة، بأن مستوى "العنف"، في الضفة الغربية و القدس سيزداد، بعد فشل المفاوضات التي جرت بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لمدة تسعة أشهر، ثم تداركت الأمر بالقول، بأنه من المستبعد انطلاق انتفاضة فلسطينية جديدة، ولذا فرغم حنق إسرائيل على الجانب الفلسطيني، الذي رد على تنصل إسرائيل من إطلاق دفعة أسرى ما قبل أوسلو الرابعة بالتوقيع على خمس عشرة اتفاقية ومعاهدة دولية، ومن ثم على إعلان الشاطئ مع " حماس "، إلا أن الحكومة الإسرائيلية لم تجرؤ على حجز أموال السلطة، خشية من انفجار الشارع الفلسطيني بدافع إضافي يتعلق بالجوع، في حالة العجز عن دفع رواتب الموظفين.
ولأن إسرائيل "دولة" تسعى دائما ليكون زمام المبادرة بيدها، فإنها وهي تراقب تطور الأوضاع، داخل صفوف الفلسطينيين، ومن حولهم، تعلم جيدا بأن الأمر، لن يظل هكذا، وبعد عشر سنوات من وجود قيادة سياسية فلسطينية معتدلة ومثابرة، استطاعت بهدوء، ومن خلال تسجيل النقاط، أن تحتوي، الآثار الضارة الناجمة عن مواجهة جرت لعدة أعوام، منذ عام 2000، مكنت إسرائيل من تنفيذ عملية السور الواقي، ومن حصار غزة ، ومن تجميد اتفاقات أوسلو، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ الانسحابات من أراضي الضفة الغربية، ومن التوصل لحل نهائي، كانت أوسلو قد حددت له مدة خمس سنوات، فإن اسرائيل تدرك بأن الكفاح الفلسطيني، لن يكون _ كما تشتهي _ أي محكوما بردود الأفعال، و"متطرفا" بما يحرم ذلك الكفاح من التأييد الدولي.
وحين نضيف عاملا آخر، رغم أن ملفات سورية، العراق، وليبيا، ما زالت مفتوحة ودامية، إلا أن نجاح مصر بعد ثلاث سنوات من الفوضى والانشغال الداخلي، في إعادة الاستقرار، يفرض على إسرائيل أن تراجع حساباتها، خاصة وأن مصر، وباعتبارها الشقيق العربي الأكبر، والجار لفلسطين، وكذلك باعتبارها أول من وقع اتفاقية سلام مع إسرائيل، دأبت، منذ أوسلو عام 94، على ان تكون وسيطا وراعيا لكل ما تلاه من مفاوضات فلسطينية / إسرائيلية، ومصر بذلك تعرف تفاصيل الملفين : السياسي والأمني بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ملخص القول، هو أن إسرائيل، وهي بحكومتها الحالية غير جاهزة للحل الوسط التاريخي، قد أدركت استحالة ان تنجح بفرض الاستسلام على الجانب الفلسطيني، وقد أخفقت في ذلك في أحلك الظروف، اي إبان الانقسام، وفي لحظة "خطف" مصر.
لذا فمن الطبيعي أن تتوقع إسرائيل احتمال حدوث أمرين: أحدهما على المستوى السياسي، وهو تحرك قوى إقليمية ودولية للتوسط لإطلاق مفاوضات جديدة، لن تكون مثالية، كما كان حال التي سبقت، اي بالرعاية الأميركية فقط (هنا لا بد من التذكير بمحاولة بابا الفاتيكان قبل أسابيع قليلة) والثاني - ميداني، خاصة مع وجود عامل إجماع وطني، وحافز فلسطيني وهو "مي وملح" الأسرى.
إنه إذن لأمرٌ ذو دلالة قاطعة، أن يطالب بنيامين نتنياهو الرئيس محمود عباس ، بإلغاء اتفاق المصالحة مع "حماس"، كرد على "خطف" المستوطنين الإسرائيليين! وبتقديرنا فإن إسرائيل ليست غاضبة كثيرا من تبعات المصالحة على قطاع غزة. ولا حتى هي معنية _ إلا من الناحية الأمنية، ومن ناحية أن "تتحلل" من المسؤولية تجاه القطاع، بتوفير احتياجاته الإنسانية - بفرض الحصار عليه، بل هي تتمنى أن يذهب إليه أبو مازن ليقيم فيه بشكل دائم، ويأخذ معه السلطة الفلسطينية كلها، وربما كانت مستعدة لتكون اول دولة تعترف بدولة غزة، لكنها تضع الف خط أحمر لتبعات المصالحة على الضفة الغربية، ذلك ان رص الصفوف في ميدان المواجهة معها، في مدن وقرى الضفة والقدس، يمهد الطريق لإطلاق المواجهة اللازمة والضرورية لإنجاز هدف إنهاء الاحتلال، والحرية والاستقلال. وهي تدرك بأن المواجهة القادمة ستكون ناضجة، وحين تنطلق في ظل المصالحة والوحدة الداخلية، فإنها ستؤذي إسرائيل، وانها على الأغلب ستكون قد تعلمت الدرس جيدا، خاصة وان "حماس" أيضا هي الآن، اكثر خبرة سياسية، وأكثر تعقلا، عما كانت عليه قبل عقدين، لذا فان إسرائيل في ردة فعلها تقوم باعتقال المئات من القادة السياسيين لـ "حماس" و"الجهاد" رغم انه ليس لهم علاقة بعملية الخطف، لكنها تسعى "لتفريغ" الضفة من القادة الشعبيين، المؤثرين في الشارع، والمناضلين، وهي تتصرف في حقيقة الأمر _ الآن _ كما لو أن الانتفاضة الثالثة قد انطلقت فعلا، وان هذه الانتفاضة، تستخدم كل أشكال المواجهة الممكنة، بما في ذلك "العنف" وحتى الكفاح المسلح، ولكن داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وان الفلسطينيين، هذه المرة، سيتجنبون تنفيذ العمليات الاستشهادية داخل الخط الخضر، فقط، فيما سيواجهون جنودها ومستوطنيها، على ارضهم بكل ما لديهم من عزم ووحدة وقوة.
Rajab22@hotmail.com 235

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد