سأظل أتابع مخططات إسرائيل لإنهاء ملفين خطيرين: الأول ملف القضية الفلسطينية كقضية تحرر عالمية، فهي تسعى لتغيير الصراع من صراع على الحقوق الفلسطينية الديموقراطية والوطنية إلى صراع بين طرفين على مطلوبات الحياة المادية، كالأكل والسكن، وإزالة كل متعلقات البعد النضالي والوطني والقومي والديني من قضيتنا الفلسطينية، وهي الركائز المقدسة للنضال الفلسطيني منذ 76 عاماً، أما الملف الثاني فهو منظمة الأونروا الدولية، وهي المنظمة الدولية الشاهدة والحافظة والراعية للحق الفلسطيني في العودة والتعويض!
ستظل الأونروا هي العدو اللدود للمحتلين الإسرائيليين، لأنها تحظى بدعم معظم دول العالم، بدأت إسرائيل منذ بداية الألفية الثالثة بالتخطيط لإنهاء دور هذه المنظمة.
كانت تسعى لسحب ملف اللاجئين الفلسطينيين من هذه المؤسسة الدولية ليصبح ملف لجوءٍ يشبه كل اللاجئين في العالم، لذلك طالبت إسرائيل بتفكيك الأونروا وإلحاق ملف لاجئي فلسطين بالمفوضية الأممية العليا للاجئين، مع العلم أن المفوضية هي هيئة دولية خدماتية تقدم الدعم لكل لاجئي العالم، بهدف إدماجهم في دول أخرى، وينتهي دورها بعد ذلك، وهذا هو الفرق الجوهري بينها وبين الأونروا المؤسَّسة العام 1949 لتنفيذ (رعاية اللاجئين الفلسطينيين ممن فقدوا منازلهم وعملهم حتى تحقيق العودة إلى ديارهم)!
إذاً تتعرض الأونروا منذ بداية الألفية إلى حملات مكثفة تنفذها جهات منظمة من أجل تفكيكها أو إتباعها للمفوضية العليا، لذلك أسست إسرائيل مركزاً مهماً وهو، يو أن ووتش لرصد ما ادعتْهُ إسرائيل (ملفات الفساد المالي والأخلاقي للأونروا) ومن أبرز الخطط كذلك محاولة تقويض رواية الأونروا المتمثلة في أن جيش إسرائيل رحَّل 750,000 فلسطيني العام 1948، جمعت إسرائيل ملفات عن يهود العالم العربي ممن غادروا البلاد العربية، أو هاجروا بمحض إرادتهم ليصبح هذا الملف ملفاً للمقايضة مع المهجَّرين الفلسطينيين، جمعت إسرائيل ملفات اليهود المقيمين في العالم العربي، وادعت أنهم طردوا من دول العرب، والغريب أنها جمعت ملفات 800,000 يهودي لاجئ لكي تُقايض هذا الملف بملف اللاجئين الفلسطينيين، وأقرت الكنيست قانوناً ينص على طرح ملف هؤلاء المهاجرين اليهود في كل مفاوضات قادمة لمقايضته بملف اللاجئين الفلسطينيين!
كذلك طالبت إسرائيل الأونروا بأن تعدل عدد اللاجئين المشمولين برعايتها من حوالى ستة ملايين لاجئ فلسطيني إلى عدة آلاف فقط، وهم الفلسطينيون الباقون على قيد الحياة من مواليد فلسطين، وليس الأبناء والأحفاد!
كذلك أسست معاهد وجمعيات للتصدي للأونروا، منها الجمعية التي يقودها ديفيد بيدن لترصد التحريض في مناهج التعليم في المدارس الفلسطينية التي تشرف عليها الأونروا لهدف إبراز أخطاء الأونروا والادعاء بأنها تسمح بتعليم أطفال فلسطين الكره لليهودية كدين، رصدت جمعية دافيد بيدن تخزين السلاح في مدارس الأونروا، هذه الجمعية مواظبة على نشر فيديوهات تتعلق بالموضوع!
يضاف إلى كل ما سبق أن السلك الدبلوماسي الإسرائيلي ملزم بمتابعة ملف الأونروا في كل سفارات إسرائيل، هذه السفارات توزع المنشورات التحريضية على كل زعماء العالم، لهدف منع الدول من الدعم المالي وتفكيك الأونروا بشكل نهائي!
ومن آخر اللقطات المتعلقة بهذا الملف ما نشرته صحيفة الجيروزاليم بوست وصحيفة الحركة الصهيونية يوم 26-5-2024 بشأن تقديم مشروع قانون سيُعرض على الكنيست للتصويت عليه بالقراءتين الثانية والثالثة، غايته تفكيك الأونروا، قدَّمت هذا المشروع عضو الكنيست، يوليا ملينوفسكي، وهي من حزب «إسرائيل بيتنا»، وهي مهاجرة من أوكرانيا، هذا المشروع الخطير عنوانه (اعتبار الأونروا منظمة إرهابية كحركة حماس تماماً) لذلك يجب طردها وحظر نشاطها في إسرائيل مباشرة وغير مباشرة!
مع العلم أن سلطات الاحتلال طاردت ولا تزال تطارد الأونروا في القدس الشرقية، منذ سنوات، حظرت عليها التراخيص اللازمة لبناء المدارس والمستوصفات، وسمحت للمتطرفين بمضايقة كل العاملين في الأونروا!
تضمن مشروع القانون بيانات تفصيلية عن موازنة الأونروا البالغة 1,6 مليار دولار، مما ورد في التقرير: «تشرف الأونروا على إعالة 5,9 مليون فلسطيني موزعين على سورية ولبنان والأردن بمن فيهم اللاجئون في غزة وعددهم مليونان ونصف المليون، وفي الضفة العربية يبلغ عددهم 871,000 لاجئ!
- 10% من طاقم الأونروا لهم ارتباط بحماس!
- 190 موظفاً لهم ارتباط وثيق بحماس!
- 12 موظفاً شاركوا في أحداث السابع من أكتوبر 2023 منهم معلمان احتجزا الرهائن في بيوتهما بأمر من قادة حماس! بالإضافة إلى أن المعلمين يمجدان المجزرة الإرهابية يوم السابع من أكتوبر، تستخدم حماس مقرات الأونروا لتخزين الأسلحة»!
سأظل أتابع هذا الملف الخطير بخاصة ما ينشر من خطط إسرائيلية يجري إعدادها ومن ثم تطبيقها.
كتبتُ في مقال سابق نقلاً عن صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوم 15-4-2024 خطة إسرائيل لتفكيك مؤسسات الأونروا، حيث بدأت خطة التفكيك بأخطر ملف وهو ملف التعليم. ابتدع مخططو السياسة الإسرائيلية مشرفاً جديداً على نظام التعليم الفلسطيني ليحل محل برنامج الأونروا التعليمي وهو جمعية أميركية إسرائيلية يُختصر اسمها (USIEA).
من المعلوم أن الأونروا تشرف على تعليم 291,000 طالب ولها 181 مؤسسة تعليمية في غزة! أسست هذه الجمعية، هيثر جونسون بالتعاون مع جامعة مستوطنة أريئيل الإسرائيلية!
أخيراً، ليتنا اكتفينا نحن الفلسطينيين بأن نظل ننتظر أن تصمد الأونروا وحدها في وجه هذه المؤامرات، بل إننا أسهمنا من حيث لا نحتسب في تنفيذ المخطط، بتنظيم تظاهرات الاحتجاج ضد الأونروا واحتلال مقراتها، كذلك فإن فلسطينيين منتمين إلى الحزب الحاكم في غزة أقدموا خلال حرب الإبادة الجارية في غزة على نهب مستودعات الأغذية ليبيعوها لمصلحة منسوبيهم في السوق السوداء، وهذه الفعلة عززت ادعاء إسرائيل بأن الأونروا غير جديرة بالثقة وهذا مؤشر على فسادها!
أخيراً، يجب أن تظل الأونروا منظمة ذات حصانة فلسطينية بعيدة عن ألعاب السياسة الحزبية!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية