لا سكون في السياسة، المتغيرات هي سمة السياسة وصلبها. والمتغيرات في السياسة، هي الحياة ونبضها، وسريان الدم في الجسد.
لعلّ ما يراه المراقب في أفق الحياة السياسية الفلسطينية اجمالاً، وفي مسارات المصالحة، والحوار الداخلي، هو حالة سكون، ولكن في ذلك سراباً، وآفاقاً مفتوحة، على احتمالات شتى.
لا سكون في عالم السياسة، ولعلّ ما تخفيه حالة السكون ـ مجازاً ـ هو تفاعلات قوية وحقيقية، لكنها تحت الرماد. الرقم الفلسطيني، الذي سبق أن وصف بأنه الرقم الصعب، فإنه لا يزال صعباً، لكنه لم يعد نادراً... أصبح رقماً صعباً، وسط أرقام تتفاوت في الصعوبة، وأصبح أكثر تأثراً بما يدور على الصعيدين الإقليمي والدولي، على حد سواء.
الرقم الفلسطيني الصعب، ليس تابعاً، لكنه ليس مستقلاً، استقلالاً تاماً وكاملاً، شأنه في ذلك شأن دول كثيرة، بعضها يصنف في اطار الدول العظمى.
علينا كفلسطينيين، أن نرى أنفسنا بشكل موضوعي وصحيح... أي تضخيم للأمور، من شأنه أن يضللنا، وأن يقودنا إلى المهالك، تماماً كتقزيم الأمور ومسخها!!
رؤية الأمور على حقيقة أمرها، تساعدنا على التشخيص الدقيق، ومن ثم وضع الحلول الناجعة.. هناك إشكالية حقيقية، تكمن في البنية السياسية، والاطار القيادي على حد سواء، وتتلخص في شكل هذا الاطار، وبنيته على حد سواء. سبق أن اعتدنا العمل في إطار م.ت.ف، كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وكبيت معنوي للفلسطينيين جميعاً. لا غنى عن هذا الاطار، لكن ذلك لا يعني، عدم التفكير في تطويره وإعادة بنائه، بحيث يغدو شاباً وقوياً، وقادراً على الاستيعاب والعمل بما يكفل الوصول لتحقيق الأهداف الوطنية. تجديد م.ت.ف، كان يجري عبر عقد دورات المجلس الوطني، الذي غاب عنا، دون أفق لعودته، وكان يجري عبر صراع الإرادات داخل أطر م.ت.ف. إضافة إلى ذلك، فالمنظمة التي كانت حاضنة للجميع، للفصائل جميعاً دون استثناء جاءت الانتفاضة الأولى، بكل زخمها، وبكل ما حملته من بروز قوى وطنية وإسلامية، تمكنت من تبوؤ مقاعد أمامية فلسطينياً، ائتلفنا معها، أو اختلفنا... هذه القوى الجديدة، وأبرزها حركت حماس والجهاد الإسلامي، قبلت مبدأ الحوار مع م.ت.ف، ومع فصائل العمل الوطني، وفي المقدم منها حركة فتح.. لكن حوارها هذا، لم يفض لدخولها، م.ت.ف، كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
من الطبيعي والمنطقي، أن تطالب فصائل م.ت.ف، حماس والجهاد، دخول اطار المنظمة، ومن الطبيعي والمنطقي، أن تحاول حماس والجهاد، دخول بوتقة م.ت.ف. وليس مستغرباً ولا مستهجناً أو خارجاً عن اطار المألوف أن تتعثر المحاولات الرامية إلى ذلك، لسبب أو لآخر، وهذا ما يقتضي بذل الجهود، بعد الجهود، دون الوصول إلى درجة اليأس، أو اللاعودة.
الاطار الفلسطيني الموحد، المتجدد والموسع، هو مسألة وجودية بالنسبة للكيانية السياسية الفلسطينية، ولا يجوز التبشر بفشل الجهود الرامية لتحقيقها، وكأن الدنيا انتهت، ووصلت الأمور حد الانشقاق الأبدي.
ما جرى من أحداث سابقة، وأبرزها الاشتباكات الدموية في غزة ، وإيصال الأمور إلى حالة الانشقاق الجيوـ سياسي، هي أحداث مؤلمة، وضارة وخطيرة في آن.
على الجميع التفكير جدياً، بما جرى، وما ترتب عليه من تداعيات، ندفع ثمنها، كشعب وقضية.
ما هو قائم غير قابل للاستمرار، ولا بد من بروز تطورات دراماتيكية، والأمل لا يزال معقوداً، أن تكون تلك التطورات، إيجابية، تحمل في طياتها، الخير لـ م.ت.ف، وبنيتها، كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية