يُصرّ بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال و"مجلس حربه"، على متابعة حربه البشعة، وكأنّه بلغ ذروة اللاعودة، بالنسبة له ولحلفائه، والمشروع الصهيوني برمّته.
يضيق الخناق حول إسرائيل، وليس فقط حول نتنياهو، وإن كان يحظى بالتركيز من قبل المجتمع الدولي، الذي يتخلّى عنه، حتى أصبحت إسرائيل بلا ظهير، إلّا ما تبقّى من دعمٍ أميركي.
تحاول الولايات المتحدة الأميركية، أن تنقذ مصالحها واستراتيجياتها في المنطقة وتحاول في الأساس إنقاذ إسرائيل، من الأزمة الخانقة التي وقعت فيها بسبب حكومة متطرّفة، تتجلّى في سياساتها وأدائها كلّ أخطاء وخطايا المشروع الصهيوني منذ قيام دولة الاحتلال.
بين محاولات الإدارة الأميركية، التي أخذت ترسل إشارات واضحة وصريحة لحكومة الاحتلال، تنطوي على غضبٍ من تمرّد نتنياهو على مواقفها وطلباتها، وبين إصرار نتنياهو على مواصلة الحرب وتوسيعها، تمضي الحرب بكلّ بشاعتها وأهدافها، إلى أن يقع الصدام الكبير بين الحليفين التاريخيين.
يراهن نتنياهو على الاستمرار في معاندة جو بايدن في مراهنةٍ على عودة دونالد ترامب للسلطة.
غير أنّه اصطدم مبكراً مع ترامب الذي طالب إسرائيل بالوقف الفوري للحرب، معتقداً أنّ إسرائيل قادرة على المتابعة من دون الدعم الأميركي، ويحسب نفسه يدير دولة مستقلّة، فيعلن مرّة أخرى أنّ إسرائيل ليست من "دول الموز".
لا ينظر نتنياهو خلفه، ومن حوله حيث تتعمّق الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي برمّته، وعلى مختلف المستويات، بالإضافة إلى ما تخلّفه الحرب، من خسائر باهظة يعترف بها بعض زملائه ممّن يديرون معه الحرب الإجرامية.
ويحاول أن يتملّص من الموافقة على صفقة تبادل بدا فيها الطرف الفلسطيني أكثر قبولاً، والإسرائيلي أكثر تعنُّتاً، وكل ذلك بسبب القيود التي يفرضها نتنياهو على وفده المفاوض.
يفاوض الإسرائيلي تحت النار، فهو إن كان لا يزال يلوح ويُصرّ على الانتقال بالحرب إلى رفح، فإنه لا يزال يقوم بما دأب على القيام به في غزّة وشمالها، وفي خان يونس و"الوسطى" ورفح.
ربّما يضطرّ نتنياهو للموافقة على صفقةٍ بهدف ترميم العلاقة، مع الإدارة الأميركية، فضلاً عن ترميم العلاقات داخل "مجلس حربه"، ومع أهالي الرهائن الذين يزداد ضغطهم ويتّسع عليه وحكومته، وباتوا يطالبون بصفقة سريعة، وبإجراء انتخابات مبكرة.
هذا يعني وفق نتنياهو، أنّ الانتقال بعمليته العسكرية إلى رفح، يظلّ مسألة وقت، والأرجح أنّه سيعود إليها بعد انقضاء مدّة الاتفاق المحتمل بشأن صفقة التبادل.
نتنياهو يحاول أن يقنع الإدارة الأميركية، بأنّ استكمال العملية البرّية في رفح من شأنه أن يقضي على ما تبقّى من حركة حماس والفصائل المقاومة، ودون ذلك فإنّه يخسر الحرب.
في الأثناء يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب المزيد من المجازر في المناطق التي يدّعي أنّه تمكّن من القضاء على المقاومة فيها.
يعود مشهد المجازر إلى غزّة وشمالها، كما لو أنّ الأشهر السابقة لم تكفِ لإنجاز هدف الإبادة الجماعية في تلك المناطق.
ويعود نتنياهو إلى معزوفة مستشفى الشفاء، ووجود قيادات ومقاومين، فيقتل أكثر من مئة إنسان، ويعتقل ويحقّق مع نحو ثلاثمائة آخرين، في محاولةٍ لتبرير حربه التدميرية على القطاع الصحّي بعد أن فشلت كلّ محاولاته السابقة.
ويواصل حربه التجويعية على سكّان قطاع غزّة، بالتركيز على مدينة غزّة وشمالها، ويستهدف اللجان المحلية، التي تحاول القيام بمهمّة تنظيم عملية استلام وحماية وتوزيع مواد الإغاثة القليلة التي تصل إلى الشمال.
حاولت إسرائيل العثور على لجانٍ على شاكلة "روابط القرى" لتقوم بمسؤولية تلقّي الدعم وتوزيعه، لكنّها فشلت فشلاً ذريعاً، ولذلك فإنّه يسعى إلى الفوضى لتبرير مواصلة القصف وإبطاء عملية وصول المساعدات.
نتنياهو أخذ يشكو علناً من أنّ الإدارة الأميركية تحاول تجاوزه، والدَّفع باتجاه انتخابات مبكرة، في محاولةٍ منها للعثور على حكومة تجيب عن سؤال "اليوم التالي" للحرب.
في الواقع فإنّ إدارة بايدن، ترغب في إنهاء هذه الحرب، وتحميل المسؤولية لنتنياهو وحكومته، لكنّها تعرف كما يترتّب على الفلسطينيين أن يدركوا أنّه لا يوجد في إسرائيل من يملك أو هو مستعد للإجابة عن سؤال "اليوم التالي" للحرب العدوانية.
ربّما تكون الإجابة عن هذا السؤال صعبة جدّاً حتى على بيني غانتس و"المعارضة"، وهو الأمر الذي يجعل غانتس غير مستعدٍ وغير قادرٍ على الخروج من الحكومة و"مجلس الحرب"، رغم النداءات المتكرّرة من "المعارضة".
في الحقيقة لا يوجد أحد في الطبقة السياسية الإسرائيلية، يقبل بـ"حلّ الدولتين"، ولذلك فإنّ الصدام بين إسرائيل والمجتمع الدولي قادم لا محالة، قبل وبعد توقُّف الحرب.
كلّ ما تقوم به الإدارة الأميركية يقع في دائرة المناورات والوعود الكاذبة التي تعوّد عليها الفلسطينيون والعرب، فالأهمّ بالنسبة لها هي تجاوز تعقيدات الصراع الجاري، وإنقاذ نفسها ومصالحها، وإنقاذ إسرائيل من أزمتها، علّ ذلك يسعف في إطالة عمر الدولة العبرية.
لا أدري لماذا لا يرفض الفلسطينيون والعرب، الذين يرفضون التهجير الممرّ البحري، الذي اخترعته الإدارة الأميركية، بتوافق وتنسيقٍ كاملين مع حكومة نتنياهو.
إن كانت المسألة تتعلّق بتسهيل وصول مواد الإغاثة إلى السكّان المدنيين، فإنّ الطريق البرّي هو الأسرع والأجدى والأقلّ تكلفة، الأمر الذي يستدعي الحذر الشديد من أهداف هذا الممرّ الذي قد يشكّل بديلاً عن التهجير عَبر مصر إلى صحراء سيناء، لتهجير الناس إلى حيث المجهول.
إذا نظرنا إلى مجريات ومآلات الصراع، وأهداف دولة الاحتلال من ورائها لا بدّ من الاعتراف بأنّ حكومة "اليمين" الفاشي، لن تتوقّف عند غزّة، وأنّها في حال نجاحها ستنتقل بقوّة إلى الضفة الغربية، ثمّ إلى لبنان فالفلسطينيين في "الداخل" 1948.
إن كان هذا صحيحاً ومُدرَكاً فإنّه لا بدّ من تغيير السياسات والمواقف التي تتّصل بكلّ هذه الأطراف وفي المقدّمة منها السلطة الوطنية الفلسطينية، التي عليها أن ترفع الشرعية والغطاء عن مواقف الأنظمة العربية المتخاذلة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية