الوزير أبو سيف : حرب إسرائيل على تراث غزة فاقت بشاعة المغول في بغداد
اتهم وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف اليوم الخميس 22 فبراير 2024 ، إسرائيل بـ"شن حرب" على الرواية والسردية الفلسطينية من خلال "تدمير وسرقة" المتاحف واللغة الأثرية في قطاع غزة .
وشبه أبو سيف، "ما يجري في غزة من تدمير وسرقة للموروث الثقافي على يد الاحتلال الإسرائيلي بما جرى خلال النكبة الفلسطينية عام 1948"، معتبرا أنه "فاق في بشاعته ما قام به المغول في بغداد" بعد اقتحامها عام 1258م، في "محاولة لسلخ الفلسطيني عن تاريخه وأرضه".
وأبو سيف، ابن قطاع غزة، كان شاهدا على بعض فظائع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث تصادف اندلاعها مع تواجده بالقطاع، ليمر بمأساة فقدان ما يزيد عن 130 فردا من عائلته، قبل أن يعود إلى رام الله حيث يقيم منذ عدة أسابيع.
من مكتبه بمدينة البيرة وسط الضفة الغربية، قال أبو سيف، : "ما يجري اليوم من غزة من سرقة للمتاحف واللغة الأثرية، وتدمير للموروث الثقافي، شبيه بما قامت به العصابات الصهيونية قبل النكبة عام 1984 في مدينة يافا، التي كانت تعد المركز الثقافي الفلسطيني، ومدن أخرى".
وأضاف: "ما يجري في غزة هو تدمير غير مسبوق (للتراث)، ولا يمكن مقارنته حتى بأفعال كل الغزاة والأقوام الأكثر بشاعة، مثل ما قام به المغول عند اقتحام بغداد، وحتى ما قامت به فرنسا وبريطانيا في إفريقيا" بعد استعمارها.
وتابع: "إسرائيل تشن حربا حقيقة على الرواية والسردية الفلسطينية، فالغزاة يسرقون آثارانا، واذا لم يستطيعوا يقومون بتدميرها".
وحول حجم الأضرار التي طالت التراث الفلسطيني في غزة. قال أبو سيف: "لا نعرف حتى الآن عدد المسروقات بالتحديد، لكن إسرائيل دمرت 12 متحفا وسرقت محتوياتها"، منذ شن حربها على غزة في 7 أكتوبر/تشرين أول 2023.
وأوضح أن جل عمليات التدمير والسرقات استهدفت متاحف مدينة غزة وشمال القطاع، ويبرز من بينها متحف "الثوب" الفلسطيني، وهو ملك شخصي للسيدة ليلى شاهين في رفح، لافتا إلى تدمير 320 قطعة في هذا المتحف، "عمر أجددها أكبر من عُمر إسرائيل".
وأضاف أن الاحتلال استهدف كذلك متحف "المتحف" الذي يحتوي على آلاف القطع، ومتحف "القرارة" الذي يحتوي على رأس عشتار، بجانب متحف "العقاد" ومتحف "القلعة.
وذكر الوزير الفلسطيني أن قوات الاحتلال "دمرت، كذلك، نحو 230 مبنى تاريخي في غزة، بما يشمل مساجد مثل المسجد العمري ومسجد هاشم، إضافة إلى كنائس وأسواق وحمامات تاريخية".
كما تم رصد تدمير إسرائيل لـ32 مركزا ثقافيا ومسرحا، وآلاف اللوحات الفنية، وقتل 46 كاتبا وفنانا بينهم أسماء بارزة، وفق أبو سيف.
وأشار الوزير إلى أن بعض القطع الأثرية المسروقة والمدمرة "تعود إلى فترات زمنية قديمة جدا، بينها (الفترة) الكنعانية الأولى"، التي يرجع بعض المؤرخين بدايتها إلى أوائل الألف الثالث قبل الميلاد.
وبين أن اعتداء إسرائيل على الموروث الثقافي يتم أولا عبر السرقات للغة الأثرية والموجودات، وثانيا عبر التدمير الهمجي للمتاحف والمكتبات".
وذكر أن مكتبة بلدية غزة، التي دمرتها قوات الاحتلال خلال الحرب الراهنة، تُعد أكبر مكتبة فلسطينية، وتحتوي على كتب وصحف لفترة ما قبل النكبة (عام 1948)، والتي تمثل كنوزًا ثقافية".
ومستنكرا ما فعله الاحتلال بالتراث الفلسطيني من تدمير وسرقة، قال أبو سيف: "جميع الغزاة وكل المتوحشين عندهم تقدير للجمال، فـ(القائد العسكري الفرنسي) نابليون بونابرت دمر غزة (عندما غزاها في عام 1799" لكنه أقام في قصر الباشا، بينما جاء الجيش الإسرائيلي ودمر هذه القصر بالدبابات" خلال حربه الحالية على القطاع.
ومضى متسائلا: "لا يُمكن فهم كيف لدبابة أن تسير فوق بناء الميناء الفينيقي القديم شمالي مخيم الشاطئ، ودبابة تسير فوق أقدم مقبرة كنيسية في العالم شرقي جباليا، هذه ذاكرة العالم، لكن العالم لا يحرك ساكنا".
وعن هدف إسرائيل من تلك الحملة على التراث الفلسطيني في غزة، قال أبو سيف: " إسرائيل تمارس بمتعه وتخطيط عمره 100 عام تدمير الثقافة والهوية والسردية ومحاولة سلخ الفلسطيني عن أرضه ووعيه التاريخي، ونفيه خارج الجغرافية".
وقال: "يريدون أن يقولوا إنه لا علاقة للفلسطينيين بهذا المكان"، واصفا ما يجري بأنه "حرب ممنهجة".
وأوضح: " حرب الرواية هي أحد أبرز الحروب، وإسرائيل تمارس حربا على الإنسان والتاريخ وذاكرة المكان (...) هذه حرب ثقافية ممنهجة وجزء من حروب إسرائيل من أجل إزالة الشعب الفلسطيني من أرضه والحلول مكانه".
وتابع: "تريد إسرائيل محو التاريخ والذاكرة لتثبيت مقولة وادعاء أنها الوارثة للبلاد"، "فـ"أصل الصراع ثقافي وسردي ورواية".
وتطرق أبو سيف إلى الإجراءات التي قامت بها الحكومة الفلسطينية لمواجهة سرقة التراث في غزة.
وقال إنه تم تشكيل لجنة لمتابعة سرقات الآثار في غزة، برئاسة وزير الخارجية رياض المالكي وعضوية وزارات الثقافة والسياحة والعدل.
ولفت أيضًا إلى أنه خاطب منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو)، وأوضح لهم أن المواقع الأثرية في غزة ليست ملكًا للفلسطينيين فقط، بل هي جزء من ذاكرة العالم، والتراث الذي تركه الفينيقيون والكنعانيون والرومان والإغريق على أرض غزة.
وذكر في هذا الخصوص أنه حذر اليونسكو من أن "ما شكلته فلسطين من صياغة الوعي اللاهوت العالمي والأديان يتم سرقته وتدميره الآن".
أيضًا، تعهد الوزير الفلسطيني بأن تخوض حكومته حربا قانونية في المحاكم الدولية لاستعادة القطع التراثية، التي سرقها الاحتلال من غزة، دون تقديم تفاصيل بهذا الصدد.
وأوضح: "هذه الحرب هي حرب وصراع لن يُحل في يوم ويومين، ومن المؤكد أن إسرائيل ستنكر، وبعض أطراف المجتمع الدولي من المؤكد ستتقاعس".
واستدرك: "لكننا مصممون على استعادة ما سُرق"، لافتا إلى امتلاكهم "سجل مضبوطات لكل متحف في غزة قبل 7 أكتوبر".
وكإجراء آخر، أشار إلى أن الحكومة ستعمل بعد انتهاء الحرب على غزة على إعادة ترميم كل المباني التراثية التي دُمرت في غزة.
واعتبر أن المهمة عسيرة لإعادة ترميم هذه المباني والقطع التاريخية واللغة الأثرية الموجودة، لافتا إلى أنه سيتم الاستعانة بخبراء دوليين لإنجاز تلك المهمة.
وأوضح أبو سيف: "مهمتنا اليوم هي رصد وتوثيق السرقات والتدمير، ثم مخاطبة الجهات الدولية، ثم وضع الخطط والترميم"
واستنكر موقف المجتمع الدولي مما يحدث من تدمير منهجي لتراث غزة على يد إسرائيل.
وقال: "لا أحد يعلم مصير تلك القطع، واليونسكو لا تعلم، معيب أن العالم يقبل محو وتدمير جزء من ذاكرته الخصبة".
وفي هذا الصدد، دعا أبو سيف المجتمع الدولي إلى إرسال بعثة دولية لحماية تراث غزة.