لا شك في أن عملية تحرير اثنين من المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة كانت نجاحاً كبيراً لقوات الأمن الإسرائيلية المختلفة التي شاركت بالعملية وخاصة الوحدات الخاصة في الجيش والشرطة و»الشاباك»، مع أن هذا النجاح كلف الفلسطينيين عدداً كبيراً من الشهداء ودمار مربع سكني في حي الشابورة في رفح، ولكنه نجاح أكبر ل بنيامين نتنياهو الذي يحاول إطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة لشهور وربما لسنة.
فهو على يقين بأن توقف الحرب يعني بداية النهاية بالنسبة له. وفي اليوم التالي للحرب ستبدأ حملات شعبية واسعة من أجل إقالته، فهو يتحمل مسؤولية الهزيمة الكبرى التي منيت بها إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، وأي لجنة تحقيق سيتم تشكيلها ستأتي بنتائج تحمل المستويين الأمني والسياسي مسؤولية هذا الإخفاق التاريخي.
نتنياهو لا يريد الإسراع في عقد صفقة لتحرير الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين الموجودين في قطاع غزة لأن أي صفقة ستتضمن حكماً وقفاً لإطلاق النار لفترة طويلة، وهو يتخوف من عدم مقدرة إسرائيل على استئناف الحرب إذا ما اتفق مع « حماس » على فترة هدنة أقلها شهران.
صحيح أن القيادة الإسرائيلية تجمع على مواصلة الحرب حتى تحقيق أهدافها المعلنة وهي القضاء على حركة «حماس» وتحرير المحتجزين وخلق واقع جديد في قطاع غزة لا يهدد إسرائيل ولا يسمح بتكرار هجوم السابع من أكتوبر. ولكن هناك خلافات حول مغزى القضاء على «حماس»، فالبعض يفسره بإسقاط حكم الحركة في غزة، والبعض الآخر يعتقد أنه يجب القضاء على كل قيادات الحركة ونشطائها وكوادرها وهذا موضوع يحتاج لسنوات.
والخلاف أيضاً يتركز في الأولويات وخاصة حول موضوع المحتجزين الذي يصر بعض القادة وتحت ضغط الشارع وأهالي الأسرى على السعي للإفراج عنهم حتى لو كان ذلك على حساب استمرار الحرب.
ونتنياهو بطبيعة الحال يقف مع الجناح المتشدد الذي يريد مواصلة الحرب بحجة أن الضغط العسكري هو الذي يؤمن الإفراج عن المحتجزين سواء بالقوة أو بفرض شروط على حركة «حماس».
عملية التحرير الناجحة عن المحتجزين فجر يوم الإثنين عززت موقف نتنياهو وادعاءاته بخصوص الحرص على الإفراج عن المحتجزين وأن الجيش يفعل كل ما بوسعه من أجل ذلك، ولكن لوقت قصير وهو بحاجة لهذا الوقت كي ينفذ خطته التي تريد إطالة الحرب إلى ما بعد الربيع. ولكنه يواجه معارضة داخل كابينيت الحرب وخاصة من الوزيرين بيني غانتس وغادي أيزنكوت.
والمعارضة الأهم هي من الولايات المتحدة والرئيس جو بايدن. وهناك تعارض بين أجندتي بايدن ونتنياهو، فالأول مشغول بحملته الانتخابية التي باتت للمرة الأولى مرتبطة بطريقة ما بالحرب في غزة وموقف الإدارة الأميركية منها ومن دعم إسرائيل بلا حدود في ظل ارتكاب مجازر وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني. وأضحى من مصلحة بايدن التوصل إلى إنهاء سريع للحرب بالإفراج عن المحتجزين وترتيب الوضع في غزة بعد ذلك و فتح الآفاق أمام عملية سياسية على أساس حل الدولتين وتطبيع علاقات السعودية مع إسرائيل. وأي اختراق يمكنه أن يساعد بايدن في كسب أصوات الفلسطينيين والعرب المسلمين ومجموعات أخرى داعمة للفلسطينيين.
الإحباط الأميركي من نتنياهو وصل إلى مستوى أن يصفه الرئيس بايدن بأنه أحمق على حد ما ذكر في تقرير لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الاثنين الماضي نقلاً عن مصادر أميركية. فالرئيس الأميركي يعتقد أن الحرب قد استنفدت ويجب أن تتوقف بشكلها الحالي، بينما نتنياهو يصر على المواصلة عله يحقق انتصاراً ما يساعده في مواجهة خصومه في مرحلة ما بعد الحرب.
ويحاول أن يصل إلى اجتياح رفح. فهو يقول إنه دون القضاء على ما تبقى من كتائب «حماس» في رفح والمعسكرات الوسطى لن يكون هناك انتصار على الحركة ولن يتم إسقاط سلطتها بشكل نهائي.
وعملية الدخول البري لرفح تواجه معارضة من مصر والدول العربية ومن الولايات المتحدة. حتى أن نتنياهو وعد الإدارة الأميركية بعدم الإقدام على اجتياح رفح قبل نقل السكان من هناك.
وهذا موضوع مقلق للجميع لأنه لا يوجد مكان في جنوب قطاع غزة يمكنه أن يتسع لحوالى مليون ونصف المليون من النازحين. وإسرائيل لا تزال ترفض عودة المواطنين إلى شمال القطاع.
يشعر نتنياهو بضغط الوقت ويريد الحصول على شيء ما قبل أن يجبر على وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب. ولهذا يحاول تعطيل صفقة التبادل بحجة أن مطالب «حماس» مبالغ فيها وغير مقبولة. وهو كان يعارض مجرد إرسال وفد للقاهرة للمشاركة في المفاوضات مع رئيس جهاز السي. آي. إيه الذي يزور مصر مع رئيس الوزراء القطري حيث سيلتقيان رئيس المخابرات المصرية. ولكنه اضطر تحت ضغط الولايات المتحدة والشارع للموافقة على إرسال وفد في اللحظة الأخيرة.
مع ذلك لا يبدو أن نوايا إسرائيل هي الذهاب سريعاً باتجاه صفقة وهي تريد من الأطراف العربية الضغط على حركة «حماس» لتقديم تنازلات تساعد نتنياهو في المضي قدماً في خطته بعدم إنهاء الحرب بشكل كامل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية