بعد كل جريمة صهيونية تحصل بالضفة الغربية أو قطاع غزة تستهدف الإنسان الفلسطيني أو أرضه ومقدساته يثار جدل بشأن من سيثأر ويرد على تلك الجرائم: أهي الضفة الغربية أم قطاع غزة، أم كلتاهما معًا، أم نكتفي بالتهديدات وعبارات الشجب والاستنكار؟

تضيع القضية ويضيع الحق، وكلٌّ غارق بالبحث عن حسم تلك الجدلية: هل نرد من الضفة أم من غزة؟، وتخرج الأصوات من هنا وهناك، وتتحول الأصوات إلى مناكفات، وينجو الاحتلال مرة تلو الأخرى، ويتوقف الرد الفلسطيني عند عبارات الشجب والاستنكار، والتهديد بالذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية، مع إطلاق عشرات القذائف الافتراضية يطلقها أبطال (الكيبوردات) عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

يبقى السؤال: من يرد على جرائم الاحتلال: أغزة ترد أم الضفة؟، وما هي الرؤية المثلى؟
فرضت حالة الانقسام واقعًا سياسيًّا واجتماعيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا جديدًا لم يكن في يوم من الأيام، إذ غابت الثقة بين مكونات الحركة الوطنية، وكون الانقسام جماعات مصالح تعمل فقط من أجل حماية مصالحها.

نعم، لقد نجح الاحتلال عن طريق تعزيز الانقسام في صناعة حالة انفصال نفسية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فبات يشعر أبناء قطاع غزة بأنهم غير قادرين على تحمل كل فواتير حماقات الاحتلال بالضفة الغربية و القدس ، وعزز الاحتلال وأعوانه صورة للضفة الغربية بأنها لم تتحرك مع أزماته التي يكتوي بنارها صباح مساء، مثل أزمة الكهرباء وبطالة الخريجين، ورواتب الموظفين، وتقصيرها الواضح إبان عدوان العصف المأكول وغيره، بذريعة القبضة الأمنية للسلطة الفلسطينية والاحتلال.

هذه الحالة تشكل عنوان الانتصار للاحتلال؛ فالمنطقي أن الاشتباك هو أصل العلاقة مع الاحتلال، وأن براكين الغضب يجب أن تنطلق في كل أماكن وجود الشعب الفلسطيني، ولكن _وا أسفاه!_ الواقع غير ذلك؛ فالقبضة الأمنية تمنع الضفة من التحرك، وأيضًا قطاع غزة لا يحتمل أن يدخل حربًا رابعة، فطبيعة غزة الجغرافية بعد الانسحاب الإسرائيلي منها عام 2005م لم يعد بها مناطق تماس إلا على الحدود، وعليه أي رد من قطاع غزة سيكون عبر الصواريخ والأنفاق، وهذا سيجر قطاع غزة إلى حرب جديدة، ولم تندمل بعد نتائج الحروب السابقة.

وفي ظل انعدام الثقة بين فتح و حماس نتيجة الانقسام أصبحت جدلية المقاومة تفرض واقعًا جديدًا مطلوبًا بحثه داخل أروقة مطابخ صناعة القرار، وأقترح الرؤية التالية التي تجيب عن أسئلة المقال، وتنسجم مع المزاج العام؛ حتى ينتهي الانقسام، أو نصل إلى حلول وطنية توافقية بموجبها تحل السلطة ونتفرغ لإنهاء الاحتلال.

الفصائل هي المكلفة بالرد على جرائم الاحتلال، ولا فرق بين حماس وفتح وغيرهما من الفصائل بالضفة الغربية أو قطاع غزة، فكل تنظيم حسب هياكله التنظيمية يعبر عن الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، فعندما تتوغل قوات الاحتلال بالضفة الغربية يجب أن يهب شباب الضفة لحمايتها من التوغل، وعندما يقتحم مستوطن نابلس على الفصائل بكل ألوانها السياسية العاملة في الضفة الغربية أن تدافع عنها، والمعادلة نفسها تنطبق على قطاع غزة، مع وضع خطوط حمر في حال تجاوزها الاحتلال تشتعل كل مناطق الاشتباك، مثل حدث يمس قدسية المسجد الأقصى، أو مجزرة أو عدوان كبير يستهدف التراب الفلسطيني، وهذا يتطلب من السلطة الفلسطينية أن تقف أمام مسئولياتها، بعد أن جردت الفصائل من أسلحتها، وعليه إنها أمام خيارين:

1- أن تصدر تعليمات واضحة لقواتها بحماية الأرض الفلسطينية من عمليات التوغل واستهداف المقدسات.

2- أن تعيد السلاح إلى الفصائل للقيام بواجبها في حماية الشعب الفلسطيني.

الخلاصة: نحن نعيش مرحلة من أعقد وأصعب المراحل في تاريخ الثورة الفلسطينية، فقد عجز الجميع عن إنهاء الانقسام، ولكن يجب ألا يعجز الشعب عن تشكيل (لوبيات) ضغط لإنهائه، وحتى إنهائه يجب أن نفوت الفرصة على الاحتلال للتفرغ والتفرد فينا، ففلسطين واحدة وشعبها واحد، ولن تستطيع الأيادي الخبيثة صناعة حالة انفصال بين الشعب الواحد، على أن يتحمل الشعب مسئولياته الوطنية، ولا ترهقه تفاصيل الحياة اليومية؛ فإنهاء الاحتلال واجب ديني ووطني وأخلاقي.
HOSSAM555@HOTMAIL.COM

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد