بعد البراءة «علي دوابشة»، ملاكُ منْ سيكون الوجبة التالية للجلاد! لا فرق؛ إلا بمن سيغتال أو يحمي الضحية المنتظرة! لا فرق؛ لأن لا حماية لأي طفل فلسطيني، ما دام «نتنياهو» يوزع أعواد الثقاب على المستوطنين، وحلفائه من البيتين «اليهودي» و»الحريدي»، فيتكفلوا القتل، وتعليمات التصفية، ما دام لا حول لنا ولا قوة، ولا تغيير يُذكر على خطابنا المكرر والممل.
لا جديد في قرارات اجتماعاتنا بالغرف المغلقة. ردود فعل آنية غالباً، مع مزايدة لفظية هنا أو مناقصة هناك، ثم نعود رهن قدرة الاحتلال على جعلنا نلهث خلف وقائع يرسمها يومياً على الأرض، محولاً ردود الفعل سياسةً ثابتة بابتعادها عن الإمساك بالخط الرئيسي نحو إنهاء الاحتلال. لقد شرشت في عمق وعينا قناعة أن المبادرة ليست بيدنا بل بيدهم، وهو ما استتبع بسياسة قوامها الاعتماد على العمل السياسي الخارجي حصراً، دون الاهتمام بالعمق الداخلي وتحولاته ومآلاته، ما يعني أننا فقدنا الثقة بذاتنا، ونفضنا أيدينا من شعبنا.
لا ينسجم ترتيب أولوياتنا مع تحديات الواقع المُعاش، فجلّ اهتمامنا ينصب على القضايا الثانوية، عدا بعض ردود الفعل الاضطرارية، كما أن معظم طاقتنا يُبدد مماحكات داخلية، وتصفية حسابات «أخوية»، و»رفاقية»، و»عائلية» داخلية، ما ولَّد «فوبيا» حقيقية أو مفتعلة»، تورثنا مزيداً من عدم الثقة بالذات، وتوسيع الفجوات مع المجتمع وفيه، ما يقود إلى تيئيسه.. التعديل الوزاري الموعود منذ أشهر ليس أولوية، إلا بقدر انعكاسه على تصليب الموقف الوطني وتفعيل مجابهة الاحتلال وحماية الشعب؛ بقدر خدمته صمودَ المواطنين وتلبية حاجات المستحقين، وخاصة منهم قاطني المناطق المعرَّضة للنهب والتزوير وهجمات المستوطنين، الجيش الشعبي للاحتلال؛ المغطى والمحمي من الجيش الرسمي.
في يوم مضى ليس بعيداً، لعب شعبنا بتناغم مذهل، داخل الوطن وخارجه، دور البطولة الجماعية. صنعنا ثورةً جميلة وقوية، بقيادة لكل الشعب الذي وثق بها والتزم سياساتها وتوجيهاتها، وتحرك مُلبياً نداءها. غامر هذا الشعب بحياته واستقراره وضحى اعتقالاً أو استشهاداً أو إبعاداً، وقاوم على المدى من الرصاصة للكلمة.
وعليه؛ من يتحمل مسؤولية تفريغ الشعب من طاقته لصالح أدوار حصرية؟ من المسؤول عن ابتعاد المجتمع عن الفعل والتأثير في المشهد العام، وتحول فئات لا يستهان بها إلى ظواهر وطاقات سلبية، تتفلت من القوانين وتهدد السلم الاهلي والاجتماعي. أما وأننا جميعا تحت تأثير صدمة الفلتان الأمني في نابلس و بيت لحم ، فكيف نناضل والخوف يسيطر علينا، سواء من العقاب بسبب الموقف السياسي أو الانتماءات الحزبية، أو الانحيازات الفكرية، أو بسبب الفلتان الأمني، والفساد المستشري؟
لكل نتيجة سبب ومسبب، وتتشابك جميع الخطوط في النهاية عند الشعور بالفراغ؛ فراغ في الشارع؛ في القيادة الملهمة القريبة من الشعب دون سواتر أوحواجز؛ فراغ المجتمع المدني المستقل البعيد عن المصالح السياسية الضيقة. من هنا تبدأ الحلول، بإصلاح الحال وجسر الفجوات، وتغليب الرئيسي على الثانوي.
حالنا رثّة؛ لسنا بخير! ثمة اغتراب يعيشه الشباب ويتمثل بالرغبة في الهروب والهجرة، كما أكد استطلاع مركز البحوث والسياسات في حزيران 2015؛ لناحية أن أكثر من (40 %) من المستطلعين في قطاع غزة والضفة الغربية، يرغبون بالهجرة لأسباب لا تتعلق بالاحتلال وحروبه وتضييقه سبل العيش، فهذه مأساتنا وعار العالم، بل لسبب هجرتنا واغترابنا عن بعضنا وهويتنا وأصالتنا؛ اغترابنا عن حلمنا المشترك، وثورتنا التي زعم أحدهم أنها مغدورة.
ستكون الثورة مغدورة فعلا إن بقي سؤال مراجعة السياسات وتقييم الأداء مرفوعاً على الرف، بانتظار إجابة تحيل المسؤولية على المجهول، وحين نكتفي بالنص، دون النظر إلى ما أصابه من شروخ، نراقب السلبية التي تسيطر على تفكير الفرد وتجعله غريباً.
ستمر جريمة حرق «علي دوابشة» كما مرت جريمة حرق «أبو خضير»، ما لم نضع استراتيجية وطنية ممارسة يُستنفر الجميع لتطبيقها، قولا وفعلا، بعيدا عن ردود الفعل، تراعي وتثق بالشعب أولا وأخيرا.
ما بقي من الطفل علي دوابشة حفنة من رماد أسود. لن يجد قاموس اللغة المعروف مصطلحا يعبر عن حجم ونوعية جريمة صارت عادية في بلدنا المحتل، لكن تعتبر بالمقاييس الحضارية، جريمة حرب؛ ضد الإنسانية. لكن علينا عدم الانجرار إلى صناعة تدرجات نوعية بين الإسرائيليين، يهود داعشيين وغيرهم، ونصدق كذبة يروج لها نتنياهو، ليس لها أي قيمة بلاغية، يتلقفها المجتمع الدولي المنافق، علاوة على هدفها التضليلي؛ بنقل الضوء من مكان الجريمة وموضوعها إلى مكان آخر ليس ذا صلة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية