أعلن قبل أيام عن اكتشاف أربعة سيوف في كهف قرب البحر الميت قال الباحثون إنها رومانية وعمرها قرابة 1900 عام أي في المئة الثانية لميلاد السيد المسيح حين كانت فلسطين تقع تحت الاحتلال الروماني، وقال الباحثون إن السيوف كانت موجودة في أغماد خشبية موضوعة في شق داخل الكهف فيما يتراوح طول شفراتها من 60-65 سنتمتراً.

حتى الآن يبدو الخبر طبيعياً ومنطقياً، إذ إن اكتشاف سيوف قديمة أو أي لقى أثرية قديمة هو أمر طبيعي في أي منطقة في العالم، فما بالك في فلسطين حيث ولد التاريخ، لكن هذا ليس الخبر. وبالطبع كل الخبر لو كان شيئاً آخر لن يعني شيئاً في نشرات الأخبار، إذ إن فكرة اكتشاف سيوف قديمة بات خبراً عادياً، فقبل سنوات عام 2020 تم اكتشاف مجموعة سيوف في حالة جيدة في قاع بحيرة في بولندا، وفي نفس العام اكتشف سيف قرب قبر أحد مقاتلي الفايكنج يعود عمره لألف عام، وآخر في التشيك عمره 3300 عام، وربما كان الاكتشاف الأكثر إثارة هو اكتشاف سيف من العصر البرونزي بحالة جيدة في بافاريا بألمانيا.

ما أريد أن اقوله أن أخبار اكتشاف السيوف كما بقية الموجودات الأثرية أمر عادي، لكن المثير في هذا الخبر هو كيف يتم تطويع أي مكتشف أثري من أجل إسناد الرواية الصهيونية المزيفة عن فلسطين. انظر ماذا تقول تكملة الخبر: هذه السيوف كان قد غنمها متمردون يهود من الجيش الروماني وخبؤوها في الكهف. طبعاً لا يوجد شيء في الواقع يشير إلى مثل هذا التمرد الذي إن وجد لا يوجد ما يشير إلى أن هذه السيوف التي يعترف ويقر المزور أنها رومانية، لأنه لا يستطيع أن يخطف آثار الغرب، هو فقط يريد سرقة آثارنا وروايتنا، لا يشير إلى ما يقول أن يهودياً أو أي شخص آخر قد سرقها.

هذه قصة يتم ابتداعها من أجل تدعيم حكاية الوجود المزيف والتمرد غير المثبت إلا في قصص تم ابتداعها من أجل سرقة فلسطين. مرة أخرى تقول الكذبة أن هذه السيوف الرومانية قد استولى عليها مقاتلون يهود تمردوا على الرومان وقاموا بإخفائها في الكهف، أو هي غنيمة حرب كما يطيب لصناع الأخبار أن يقولوا.

هل يمكن تخيُّل كذب أبعد من ذلك. السيوف رومانية ومخبأة إذا لا بد من تطويع هذه الحقيقة لصالح الرواية المزيفة ووضعها ضمن نسق الحبكات المتعددة لهذا الوجود الذي منها التمرد المزعوم. وأنا لا أريد أن أدخل في الكثير من الجدل حول هذه القصص الكاذبة، إذ إن الامبراطورية الرومانية شهدت الكثير من التمردات في مناطقها كافة من شمال أفريقيا إلى شرق المتوسط إلى جنوب أوروبا وشرقها وهذا أمر طبيعي، وليست محاولة زج التمرد اليهودي في متن تلك الحكايات إلا جزءاً من صناعة التاريخ الكاذبة التي احترفتها الصهيونية حتى تجعل نفسها جزءا طبيعياً من التاريخ الأوروبي. عموماً هذا موضوع مختلف ولكن ثمة أسئلة واجبة. ما الذي يجعل هذه السيوف غنائم حرب يهودية وما الذي يجعل قصة المتمردين الذين غنموها وخبؤوها تمتلك ذرة من المنطق؟ لا شيء بالطبع، إذ إن السؤال المنطقي مثلاً لماذا لا يكون مَن فعل ذلك شخص آخر من سكان البلاد الحقيقيين، أو أن السيوف المخبأة لجنود ماتوا بعد ذلك في المكان وتم كنس عظامهم.

مثلاً في كل أخبار السيوف المشار إليها في مدخل الخبر سواء في بولندا أو ألمانيا أو التشيك أو النرويج هناك إشارة دائمة لعظام الجنود، بل يتم التركيز على ذلك، إذ إن مكان السيف الطبيعي هو قبضة يد الجندي وليس مكاناً آخر. ولأن الكذبة لا تكتمل ولأن الشواهد تقول عكس ما يريد الكاذب أن يقول يتم ابتداع قصة خيالية من الألف إلى الياء، لا شيء فيها صحيح غير وجود السيوف وغير الحقيقة التي لا يمكن تزويرها من أنها رومانية، لذلك يتم ابتداع فكرة سرقة السيوف أو الاستيلاء عليها وتخبئتها ولا يشار إلى أي شاهد آخر مثلاً عظام من قام بذلك على اعتبار أنه فعل ذلك حقاً. لا شيء يشير للحقيقة إلى محاولة جعل الكذبة حقيقة، وهذا جزء من استراتيجية صهيونية خطيرة تقول بنفي كل ما يمكن من شأنه أن يخالف الكذبة المراد أن يصدقها الجميع. من هنا فإن أي شيء آخر يتم تخبئته أو عدم ذكره. تذكروا حين اكتشفوا ما قالوا إنها مدينة طالوت، حيث قام داود برمي الحجر على الملك الكنعاني. في الخبر الذي تم تداوله وقتها تم التركيز على حقيقة واحدة أن المدينة عظيمة وكبيرة وأن الشيء الأهم أنه رغم ذلك قام داود الفتس بقتل ملكها. حتى في صحف عالمية مثل الجارديان لم يتم التطرق إلى الحقيقة الوحيدة المثبتة في الاكتشاف الأثري والقائلة بأن المدينة كنعانية، وأن من يقوم بمثل هذا البناء لا بد أن يكون صاحب حضارة عظيمة. تم تجاهل هذا بشكل بشع وتم التركيز على جبروت داود ومعجزته، وهو أيضاً الشيء الذي لا يوجد ما يشير إلى الاكتشاف الأثري في منطقة قرية «عاقر» المهجرة.

قصة سرقة فلسطين لم تنته و النكبة لم تنته أيضاً، وسرقة التاريخ أمر مستمر وعملية مركبة يتم توظيف كل شيء فيها. المهم أن يتم صياغة الكذبة بما يلائم الهدف السياسي الاستعماري من ورائها. عمليات مكثفة من البحث والمسح تتم في صحراء البحر الميت وصحراء الخليل ويتم خلالها تزوير التاريخ وتشويه اللقى الأثرية بما يتوافق مع مشروع السرقة الكبرى: سرقة فلسطين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد