تواصل حركة فتح حضورها القوي بقوة وعزيمة من خلال قيادتها للحركة الوطنية وصوغها للخطاب الوطني وتطويرها لاستجابات عميقة لما يواجه شعبنا الفلسطيني من تحديات، وهو حضور مستمد من ريادة الحركة ودورها التاريخي ومن مقدرتها على أن تقدم مصلحة الوطن والقضية على مصلحتها كفصيل. وربما قرابة ستين عاماً من الزمن الفتحاوي تكشف الكثير من هذا «الإيثار» الفتحاوي الذي يغضب في الكثير من الأحيان أبناء «فتح»، إلا أنهم يثقون أن «فتح» هي الرديف الحقيقي والأعمق لكلمة فلسطين. مرت سنوات لم تهن «فتح» رغم ما أصابها من وجع وما تعرضت له من ضربات وطعنات إن جاز القول، لأنها ببساطة قادرة على أن تجد الإجابة التي تعرف أنها ليست في جيب أي عاصمة عربية أو إسلامية أو إقليمية بل تستلها من وعيها الفلسطيني الخالص، إنه الوعي الذي جعلها التنظيم الفلسطيني الوحيد الذي يضم كلمة «وطن» في اسمها، ولا ترفق توصيفا أيديولوجيا ولا فكريا ولا هوياتيا، لأن الهوية الوحيدة التي اعترفت بها «فتح» هي «فلسطين»، فلسطين الوطن والحلم والغاية والهدف والطريق.
لم تشغل بالها بكل ما يمكن أن تقود إليه السجالات الفكرية والفلسفية بل انشغلت أكثر في تأمل الواقع الفلسطيني وكيف يمكن لها أن تقدم أفضل الإجابات عما يواجهه وأن تصوغ أقصر الإجابات عنها دون لف ولا دوران ودون الارتهان لمواقف خارجية.
الآن وفيما «فتح» تستعد لعقد مؤتمرها العام الثامن يجب التفكير في كل ذلك من أجل أن نحافظ على «فتح» عامود الخيمة وبوصلة الطريق. «فتح» التي لا يستقيم الحال الوطني دونها ولا تتضح الرؤية دون أن تكون هي حاملة للمنظار الذي يتم منه استكشاف الطريق. هذا ليس كلاماً في المديح بل هو حقيقة قالتها الظروف ودللت عليها الشواهد منذ أن صرخ الفدائي الأول في عيلبون باسم الله وباسم الوطن معلناً انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة. والتفكير في حقيقة أن «فتح» حاجة وطنية ووجودها مصلحة وطنية وان بقاءها قوية مطلب وطني، كل ذلك يكشف الحاجة للحفاظ على هذه القوة الفتحاوية وقوة تأثيرها. «فتح «حاجة وطنية لأنه لم تكن صدفة أن انطلاقة «فتح» عنى انطلاقة العمل الفلسطيني المسلح دون أن ينفي هذا الدور المهم الذي قام به الفدائيون في الخمسينيات ومطالع الستينيات، إلا إن هذا العمل لم يكن موجهاً نحو ثورة متكاملة بل كان مبادرات فردية أو جماعية غير منظمة.
«فتح» حاجة وطنية لأن حالة الوطن بلا «فتح» لم يكن أكثر من جموع من اللاجئين وتكتلات بشرية مشتتة، «فتح»، خاصة بعد قيادتها لمنظمة التحرير، هي من جعلت من هؤلاء شعباً وعبرت عنه وعن تطلعاته ووضعته على الطاولة بقوة. حتى خصوم «فتح» أو هؤلاء الذين يستظلون بمظلة اللحظة الفتحاوية ويتعامون عنها يدركون عميقاً أن وقفة ياسر عرفات و محمود عباس في الأمم المتحدة هي وقفة الفلسطيني الذي لم يندثر بعد النكبة وتحول من طفل مشرد مجبر على ترك بيته إلى زعيم يخاطب العالم. قد يختلفون مع ما يقولون لكنهم عميقاً في داخلهم حين ينظرون إلى الرجلين خلف أهم منبر في العالم يدركون أنه لولا عزيمة «فتح» وصلابة مواقفها ودعم شعبها لما أمكن لنا أن نقول إننا فلسطينيون.
لذلك فإن عقد مؤتمر «فتح» العام هو استمرار لتواصل اللحظة الفتحاوية. انظروا إلى جملة حقائق مرتبطة بهذا. أولا، «فتح» تكون أكثر تنظيم فلسطيني عقد مؤتمراته العامة. هل هذا يعني أنها أكثر تنظيم فلسطيني ديمقراطي؟ للمفارقة نعم، رغم أنها لا تضع كلمة شعبية ولا ديمقراطية في اسمها كما لا تضم هياكلها أي شيء يحمل إشارات وهمية إلى الديمقراطية أو الشورى أو أي شيء، لأن كل ما له علاقة بـ»فتح» له علاقة بالوطن فقط وبثورته. ومع ذلك فإن «فتح» أكثر تنظيم فلسطيني يعقد مؤتمراته العامة كما مؤتمرات أقاليمه ومناطقه وهيئاته التنظيمية المختلفة. ومع ذلك، لا تجد في «فتح» من يصرخ باسم الديمقراطية لأنها شيء أساس لا حاجة للتشدق به. وبجردة حساب فإن هياكل «فتح» على المستويات كافة من خليتها الأولى حتى لجان شعبها تضم الأجيال كافة من جيل الثمانين الذي شهد التأسيس إلى جيل الانتفاضة الثانية وما بعدها. هذا لأن «فتح» حاضرة بحضور الفتحاويين.
النقطة الثانية التي يجب أن تلفت انتباهنا لو أن كل التنظيمات الفلسطينية مجتمعة أعلنت موعد مؤتمراتها الحزبية في يوم واحد وأعلنت «فتح» عن مؤتمرها العام في يوم آخر لحظي خبر الإعلان الفتحاوي بتغطية صحافية تفوق كل تلك المؤتمرات، ولحظيت تفاصيل مؤتمرها بمتابعات مجتمعية أكثر من أي تنظيم آخر. أتعرفون لماذا؟ لأن شأن «فتح» شأن وطني عام أما شأن بقية التنظيمات فهي من شأنهم ولا تهم كثيراً دون الانتقاص من هذه التنظيمات. فقد تتفاجأ بعد سنوات أن جاراً لك عضو في تنظيم سياسي كبير وأنت لا تعرف فيما أنت تحفظ كل أسماء أعضاء اللجنة المركزية لـ»فتح» كما أن جل الشعب الفلسطيني يحفظ أسماء كل مؤسسي «فتح». لأن «فتح «هي من صاغت الهوية الوطنية المعاصرة بخطابها ومسيرتها وكفاحها المستمر حتى حين ذهبت للمفاوضات وغيرها عارضها وخونها فإنها حولت هذه المفاوضات إلى ساحة اشتباك، وهي من قادت للانتفاضة الثانية مثلاً. وهذا الأمر ينسحب على كل شأن فتحاوي. تخيلوا لو جرت انتخابات للمنطقة التنظيمية لـ»فتح» في «بيتا» مثلاً فإن كل الشعب الفلسطيني يتابع تلك الانتخابات. لأن «فتح» هي التي تقود المعركة في «بيتا» وتنظيمها هو من يصنع الحدث هناك. في المقابل، فقد يمر مؤتمر وطني شامل لحزب كبير لا نعرف منه إلا من تم اختياره مسؤولاً للتنظيم أو مسؤولاً ل غزة .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية