منذ الاعلان عن الدعوة التي وجهها الرئيس محمود عباس لاجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، كان الشك والتشاؤم والغموض سيد الموقف، والتكهنات والتحليلات حول الهدف من الاجتماع، ومع ذلك توجهت انظار الفلسطينيين للقاهرة. واختلاف مواقف الفصائل بين الاحباط والفشل، والأمل المفقود بتحقيق اختراق ما، والتخوف من منح شرعية وطنية جديدة للقيادة السياسية الفلسطينية.
انتهى الاجتماع ولم يحقق التوقعات التي كان يأمل البعض فيها، بل عزز مزيد من الفشل والإحباط والانقسام، وترسيخ رؤية الرئيس محمود عباس.
وبدا الفشل والاحباط في الاجتماعات خاصة الاجتماع بين الرئيس عباس، ووفد حماس بقيادة اسماعيل هنية، وكذلك في الاجتماعات الثنائية التي عقدتها الفصائل منفردة مع وفد حركة فتح، برغم التوافقات على عدد من النقاط المشتركة بينها.
ما بعد اجتماع العلمين، وأي تحرك قادم للمصالحة الفلسطينية سيفشل، وهو نفس مصير الاجتماعات واللقاءات السابقة.
وأقصد بالفشل، هنا العجز عن تحقيق تحول حقيقي في موقف الرئيس محمود عباس، وحركة فتح التي لا تستطع التأثير به، وفي رؤيته وموقفه الثابت من أي مصالحة بدون موافقة الفصائل الفلسطينية على شروطه.
أسباب الفشل واحدة لم تتغير، حيث أسس عباس نظام وبنية سياسية عميقة صماء، يقودها وتقودها المؤسسة الأمنية، وأصحاب المصالح، ومتمسكة بمواقفها، وكل ما يهمها مصالحها وبقائها في السيطرة على السلطة بأي ثمن، ولم تدرك التغيرات في الساحة الفلسطينية خاصة الجيل الجديد وغير المؤمن بالنظام القائم.
وتم تكريس السلطة بالعلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي بشكل مخالف لمواقف الفصائل الفلسطينية، وغالبية كبيرة من مكونات الشعب الفلسطيني، والاستفادة من التجربة السابقة، والفشل في تحقيق أي هدف من أهداف الفلسطينيين بالتحرر وتقرير المصير، والتنكر للقرارات التي اتخذها المجلسين الوطني والمركزي بقطع العلاقة مع الاحتلال، ووقف التنسيق الأمني.
وعدم الادراك بخطورة الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، والمشكل من ائتلاف يميني ديني قومي متطرف وفاشي عنصري، يرفض أي افق سياسي، وهو امتداد للحكومات المتعاقبة والمتفقة على لاءات ثلاث (لا دولة فلسطينية، ولا حدود، ولا تنازل عن القدس ). بمعنى التنكر للحقوق الفلسطينية ويسارع في ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين، وتنفيذ خططه في حسم الصراع، وإقامة دولة الشريعة وإسرائيل الكبرى.
بالإضافة إلى تجريف الحياة السياسية الفلسطينية، وهندسة منظمة التحرير ومؤسساتها وقفاً لروية الرئيس عباس ومواقفه السياسية، والكتلة التي تشكلت من بعض قادة حركة فتح، بشكل يحول دون ظهور شخصيات قوية متعددة، وبديلة لما هو قائم، أو حتى ما بعد عباس.
كما تم تعزيز دور عدد من الفصائل الصغيرة الضعيفة، التي لا تمتلك حضوراً جماهيراً وشعبياً، وتتبنى مواقف الرئيس عباس السياسية للحفاظ على مصالح قادتها، بذريعة الحفاظ على منظمة التحرير.
بحسب ما قاله لي بعض من مسؤولي الفصائل الفلسطينية الذين شاركوا في اجتماع العلمين، واللقاءات الثنائية التي سبقته وجرت بين الفصائل، واعتبرت ايجابية بما فيها اللقاء مع وفد حركة فتح، وتم التوصل لاتفاقات ونقاط مشتركة، منها المقاومة الشعبية وأن قرارات الشرعية الدولية ليس بمفهوم الرئيس عباس، الذي رفض نتائج اللقاءات التي جرت، ويصر على التمسك بشروطه، ورفض جميع اشكال المقاومة الفلسطينية.
ويتضح من تلك اللقاءات أن الرئيس عباس مؤمن بان العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية والمجتمع الإسرائيلي ستقربه من الحل، وتمسكه بالشرعية الدولية (شروط الرباعية الدولية الميتة). وانه استطاع التأثير على الرأي العام الاسرائيلي، وتغيير في الرأي العام الأمريكي، وهذا بالنسبة له كنز وذخر استراتيجي. كما هو الموقف من المحكمة الجنائية الدولية الني يعتبرها النووي الفلسطيني، مع أن المدعي العام للمحكمة لم يحرك أي ملف من الملفات الفلسطينية المقدمة للمحكمة. ولا يؤمن بالمقاومة بكافة اشكالها، حتى المقاومة السلمية بمفهومه يديرها وفقا لرؤيته، ويصر على نفس الاستراتيجية وهي المقاومة السلمية،
قناعة الرئيس عباس على الرغم من عدم حدوث أي تغيير جدي في الموقف الأمريكي، وتضع الإدارة الأمريكية كل قوتها لعقد صفقة تطبيع بين السعودية وإسرائيل، والحديث الإسرائيلي عن قرب التوصل اليها. وفي ظل نظام دولي منقسم ومنشغل في حروب السيطرة واقتسام الغنائم، وغير مهتم بالقضية الفلسطينية، وداعم للاحتلال الإسرائيلي الذي يعمق نظام الفصل العنصري، برغم الانتقادات والتصريحات الكلامية حول نقد الاستيطان والالتزام بحل الدولتين.
أما الدول العربية التي تبحث الانظمة فيها عن مصالحها وحماية انظمتها الاستبدادية، ويتسابق عدد منها على عقد اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، حتى الحديث عن التقارب بين الدول العربية ودول الإقليم، من السابق لأوانه الحديث عن تغيرات في الواقع العربي والإقليمي تخدم القضية الفلسطينية.
وفي ضوء ذلك وموقف عباس الصلب والرافض لشبه الاجماع الفلسطيني، ومن يطالبون بإحداث تغيير في الواقع الفلسطيني، وتمسك عباس برؤيته، حتى بحراك شعبي واسع، لا يدركون حجم التعقيد والتناقص في الساحة الفلسطينية، وبرغم شبه الاجماع حول خطورة المرحلة القائمة والالتفاف حول المقاومة، ورفض سياسة القيادة الفلسطينية وتفردها بمصير الشعب الفلسطيني.
حتى اللذين يراهنوا على تغيير من داخل النظام، من المستبعد القول ان النظام الفلسطيني الحاكم والمتفرد في قيادة الشعب الفلسطيني قادر علي التغيير، وعدم الثقة بين الأطراف الفلسطينية المختلفة خاصة بين حركتي فتج وحماس.
فهذا صعب بدون ضغط فتحاوي داخلي وتغيير في القيادة يرافقه ضغط شعبي، وتغيب المصالح، وعدم الخوف من الأخر، وهذا يبدو أنه بحاجة إلى وقت واشتباك حقيقي ونضال طويل، بدون ذلك لا يمكن أحداث تغيير في الساحة الفلسطينية.
في ظل هذه التحديات والمعوقات والرؤى المختلفة. لا يمكن الجزم بنتائج اي حراك شعبي تجاه المصالحة حتى ما بعد عباس، وقبل التوافق وتنظيمه وتحديد أهدافه. قد تحدث مفاجئات لكن يجب فهم طبيعة الصراع على السلطة، وموازين القوى بين طرفي الصراع ومصالحهما، وتغييب الفصائل نفسها باستثناء البعض منها، ورضيت أن تكون على هامش الطرفين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية