الحمد لله ربّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على رسوله الأمين محمد – صلّى الله عليه وسلّم -، وعلى آله وأصحابه الطَّيبين الطَّاهرين، ومن اقتفى أثرهم وسارَ على دربهم إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

ورد في كُتب التاريخ أَنَّ رجلاً كان له اثنا عشر ولدًا، فلما حضرتْهُ الوفاةُ، استدعى أولادَه جميعًا، فاجتمعوا عنده، فطلب حِزْمَةً من العِصِيِّ، فأُحْضِرتْ، فطلب من كلِّ واحدٍ منهم أن يكسرها مجتمعةً فعَجَزَ، فأعطى كلاًّ منهم عصاً فكسرها بسهولة، فقال لهم: يا بَنِيَّ، كونوا جميعاً ولا تَتَفرَّقُوا فيسهلَ كسرُكم، ورحم الله القائل:

تَأْبَى الرِّمَاحُ إذَا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّراً

وإذَا افْتَرَقْنَ تكَسَّرتْ آحادا

يستبشر أبناء شعبنا الفلسطيني داخل الوطن وخارجه خيراً باللقاء الفلسطيني الذي سيُعقد في العاصمة المصرية القاهرة يوم الأحد القادم الموافق 30/7/2023م، حيث تجتمع الفصائل الفلسطينية من أجل استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الانقسام البغيض، راجين من الله العليّ القدير أن يَمُنَّ علينا بجمع شملنا، وإصلاح ذات بيننا، وتوحيد كلمتنا، إنه سميع قريب.

إنّ الشعب الفلسطيني المرابط يدعم هذا اللقاء و يتمنى له النجاح والتوفيق؛ لأنّ قوتنا في وحدتنا، وإنّ ضعفنا في فرقتنا وتخاذلنا، و شعبنا الفلسطيني في أمسِّ الحاجة إلى الوحدة والمحبة ، خصوصاً في هذه الظروف المصيرية والمُنعطفات الخطيرة التي يَمُرُّ بها شعبنا وقضيتنا ومقدساتنا، وشعبنا الفلسطيني يتمنى التطبيق العاجل لِمَا سيتمّ الاتفاق عليه في هذا اللقاء، وأن يلمس ذلك في واقع حياته.

وبهذه المناسبة فإننا نتوجه إلى أشقائنا في جمهورية مصر العربية بجزيل الشكر والتقدير على استضافتهم لهذا اللقاء، وحرصهم على تحقيق المُصالحة الفلسطينية، وهذا ليس غريبًا على أشقائنا في جمهورية مصر العربية، فجزاهم الله خير الجزاء.

إِنّ شعبنا الفلسطيني اليوم وفي ظلِّ الظروف الصّعبة التي يمرّ بها أحوج ما يكون إلى الوحدة، ف القدس لم تُحَرَّر عبر التاريخ إلا بالوحدة، ولن تتحرّر إلا بالوحدة، فإذا كُنّا مُوَحَّدين فإنّ جميع المُؤامرات ضِدّ شعبنا الفلسطيني سيكون مصيرها الفشل بإذن الله تعالى، فعلى صخرة الوحدة تفشل التّهديدات وتتحطّم المُؤامرات الخبيثة التي تُُحاك ضِدّ شعبنا المُرابط وأرضنا المُباركة.

إنّ القرآن الكريم يأمرنا بضرورة الاتحاد واجتماع الكلمة؛ لذلك فمن الواجب علينا نحن الفلسطينيين أنْ نتحد ونجتمع كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)، فَسِرّ قوتنا في وحدتنا، وإنّ ضعفنا في فُرقتنا وتخاذلنا، فالوحدة فريضة شرعية وضرورة وطنية.

ومن المعلوم أنّ ديننا الإسلامي يُبَغّض إلينا أن نختلف؛ لأنّ الاختلاف أوّل الوهن وباب الفشل والضّياع، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى:{وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}، بل إنّه لَيُحَذّرنا من أن نسيرَ على نهج المُتَفَرِّقين، أو أَنْ نقتدي بهم؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى أعدَّ لهم أسوأ العقاب؛ جزاءَ تفرّقهم كما جاء في قوله تعالى:{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

جاء في كُتب السيرة : {أنّ سيدنا الحسن – رضي الله عنه – قد تخاصم مع أخيه محمد بن الحنفية- رضي الله عنه-، وكان محمد أخاه من أبيه، وبعد أيام كتب محمد بن الحنفية لسيدنا الحسن رسالة جاء فيها: "السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أمّا بعد، أرجو إذا أتاك كتابي هذا أن تُبَادر إليّ بالسلام، لأَنّي أجدُ من الواجب عليّ أن آتي إليك، ولكن بِمَا لَكَ عليَّّ من الفضل وأَنَّ أُمَّك أفضل من أُمِّي ، فأُمّك فاطمة بنت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- وأُمِّي امرأة من بني حنيفة، وقد سمعتُ أبانا عليًّا – رضي الله عنه – يقول عن جَدِّكَ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- : (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ, فَيُعْرِضُ هَذَا، ويُعْرِضُ هَذَا، وخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ)؛ لذلك أرجو أنْ يكون الفضل لَكَ بقدومك إِليّ "، فما أَنْ وصل كتاب محمد بن الحنفية إلى سيّدنا الحسن حتى قام لساعته ولبس رداءه ونعليه، وذهب إلى أخيه محمد بن الحنفية، فالتقى به في منتصف الطّريق، فتعانقا وتصالحا وبكى الاثنان، وذهب ما بينهما من خُصومة وجفوة}.

هذا هو التّطبيق الحقيقي لمعنى الأُخُوّة والحبّ في الله الذي زرعه رسولنا الكريم- صلّى الله عليه وسلّم- في قلوب المسلمين، وربّاهم على ذلك، فطرحوا الأحقاد التي تُفسد كلّ شيء، وتركوا الضغائن التي لا تُهلك إلا أصحابها،فما أحوجنا إلى التطبيق العملي لِمِثْلِ هذه المواقف الأخويّة الصّادقة وتحقيق الوحدة!.

إِنّ شعبنا الفلسطيني يتطلّع إلى تحقيق الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، و فتح صفحة جديدة من الأُخوة والمحبّة، فوحدة أبناء شعبنا فريضة شرعية وضرورة وطنية، فليس هناك بعد تقوى الله– عَزَّ وَجَلَّ- أنفع لنا من جمع الشمل ورصّ الصفوف، وليس هناك أشدّ ضرراً علينا من الفُرقة والاختلاف، حيث إِنّ الاحتلال الإسرائيلي لا يُفَرِّق بين أبناء شعبنا المُرابط، فالجميع مُسْتَهدف من قبل المُحتلين.

لذا فإنّ الواجب علينا أن نُوَحِّد كلمتنا، ونرصَّ صفوفنا؛ لنستعيد وحدتنا التي فيها سِرُّ قوتنا وعزّتنا وكرامتنا، ونتصدّى جميعاً للهجمة الإجرامية على مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك قبلة المسلمين الأولى ومسرى نبينا محمد – صلّى الله عليه وسلّم -، ونعمل معاً وسوياً على إقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة وعاصمتها القدس الشريف إن شاء الله، وخروج جميع الأسرى والمعتقلين من سجون الاحتلال، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم إن شاء الله .

اللّهم اجمع شملنا، وَوَحِّد كلمتنا، وَألّفْ بين قلوبنا، يا ربّ العالمين

وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد