خلال العقود الثلاثة الماضية من عمر السلطة الفلسطينية، اعتبر الفلسطينيين الاعتقال السياسي معيب ومخزي لشعب يعيش تحت الاحتلال العسكري، ويمر بمرحلة تاريخية خطيرة في ظل حكومة إسرائيلية يمنية دينية فاشية عنصرية، وينشغل في قضايا يومية معيشية، وتبعده عن مواجهة حكومة الاحتلال ووجود خطر حقيقي بنكبة ثانية.
تعيش الساحة الفلسطينية حال من الانقسام والتحريض، وكأن الانقسام الفلسطيني بدأ من جديد، في ظل عدوان إسرائيلي مستمر في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة عموماً وبشكل خاص في شمال الضفة الغربية (جنين و نابلس ) وتصاعد المقاومة المسلحة، واستهداف المستوطنين وجنود الاحتلال الإسرائيلي.
ولم تتوقف إسرائيل عن عملياتها العسكرية ضد الفلسطينيين، وشنت بداية الشهر الجاري عملية عسكرية مدمرة، كان الهدف منها حسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين إعادة الردع والقضاء على المقاومة المتصاعدة جنين ومخيمها باعتبارها عاصمة (الإرهاب الفلسطيني).
وبدلاً من تصويب المسار والعمل على إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وانهاء الانقسام، وتخفيف حدة الاستقطاب والتحريض المتبادل و فتح حوار وطني عام خاصة بعد دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية للاجتماع في القاهرة نهاية الشهر الجاري.
وبدلاً من وقف الاعتقالات السياسية في الضفة الغربية من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية ضد المعارضين لها من قيادات وأعضاء من حركات المقاومة ( حماس والجهاد والجبهة الشعبية) واعتقال اعضاء مجلس الطلاب في جامعة بير زيت وجامعة النجاح الوطنية.
وبدلاً من الاستجابة لرأي وموقف غالبية كبيرة من الشعب الفلسطيني المؤيد للمقاومة 70%، وفقا لاستطلاعات الرأي من مراكز مهنية وتحظى بثقة عالية، وتوجيه الانتقاد نحو التجريف العام في الساحة الفلسطينية. ومواجهة سياسات الاحتلال الإسرائيلي التفكيكية، والاستيطانية العنصرية والاقتحامات لمنطقة شمال الضفة الغربية، (جنين ونابلس) والاعتقالات اليومية، والقتل وهدم البيوت، ومواجهة إرهاب المستوطنين والعمليات الاجرامية للمستوطنين بالاعتداء على القرى الفلسطينية وحرق البيوت والممتلكات.
وبدلاً من إعادة ترتيب البيت الفلسطيني واحترام منظومة القوانين وأهمية استقلال القضاء واحترام حرية التعبير، ودور النيابة العامة التحقيق مع المشتبه بتورطهم في الفساد عوضاً عن ملاحقة المؤسسات التي تحاول حماية المجتمع الفلسطيني من الفساد. وإجراء الانتخابات في الأراضي الفلسطينية المتوقفة منذ أكثر من 16 عامًا، والاستعداد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية حرة ونزيهة في أقرب وقت ممكن.
وبدلاً من كل ذلك والبحث في مواجهة السياسة الإسرائيلية التفكيكية وتعمل على التحريض على استمرار الانقسام، ودعواتها لتقوية السلطة الفلسطينية التي تعاني ازمة اقتصادية، وفقدانها السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها، ومن يعمق ويعزز اضعاف السلطة هي دولة الاحتلال الإسرائيلي ونهجها بالتعامل مع السلطة من منظور أمني يقوم على إحساس السيادة والتفوق اليهودي واختزال دور السلطة وأجهزتها الأمنية في العمل كوكيل أمني لدى الاحتلال وتنفيذ سياسته، والقيام بالعمل القذر للاحتلال.
اعتقال المقاومين الفلسطينيين، وإحباط العمليات الفدائية، وتقديم الأمن والهدوء للمستوطنين واستكمال الضم في الضفة والسيطرة عليها بالكامل. وتطهير مخيمات اللاجئين مقابل تسهيلات اقتصادية، فقدت معناها، وتقديم المال والظروف الملائمة (للنخبة السياسية الحاكمة). في حين يتلقى أفراد الشرطة والأجهزة الأمنية ورواتب جزئية 80% من الراتب، هذا كل ما ستقدمه دولة الاحتلال لإنقاذ السلطة من الازمة المالية.
وفي ظل هذه الحالة يثار الجدل من جديد والانتقادات والادانات من قبل الفصائل الفلسطينية ومنظمات حقوق الانسان الفلسطينية الموجهة للسلطة بوقف حملة الاعتقالات السياسية التي تنفذ بحق مواطنين ينشطون في الحركات والفصائل والقوى المختلفة في الضفة الغربية.
وهناك اجماع من الفصائل الفلسطينية على سياسة الاعتقال السياسي المستمرة، والحيلولة دون مواصلة جهود الوحدة، وتقويض مساعي إنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة الوطنية، وضرورة وقف سياسة الاعتقال السياسي، والإفراج الفوري عن كل المواطنين الذين جرى اعتقاله مدون مسوغٍ قانوني خلال الفترة الماضية.
وعلى الرغم من بيانات منظمات حقوق الانسان عن استمرار الأجهزة الأمنية الفلسطينية بممارسة سياسة الاعتقالات السياسية، نفى المفوض السياسي العام، الناطق الرسمي باسم المؤسسة الأمنية اللواء طلال دويكات، وجود معتقلين سياسيين وقال لا صحة للإشاعات التي يتم تداولها حول قيام الأجهزة الأمنية باعتقال أشخاص على خلفية سياسية.
وأنه لا اعتقال لأحد على خلفية انتمائه السياسي، وأن الاعتقال أو التوقيف الذي طال بعض الأشخاص جاء بناءً على مذكرات قانونية صادرة من جهات الاختصاص بعد أن قدم بعض المواطنين شكاوى، وبناءً عليه، جاء توقيفهم لاستكمال الإجراءات القانونية. وذلك في بيان صحفي نشر على وكالة الانباء والمعلومات الفلسطينية وفا الناطقة باسم السلطة الفلسطينية الخميس الماضي. وأضاف: نسعى دائماً إلى تعزيز جبهتنا الداخلية ونبذ الفوضى والفلتان والفتنة في صفوف أبناء شعبنا الفلسطيني، مشددا على أن احترام سيادة القانون واجب نسعى إلى تحقيقه حفاظاً على السلم الأهلي وحمايةً للقانون.
وفي اليوم ذاته أعنت عائلة الصحافي عقيل عواودة انه اعتقل بالقرب من مكان عمله في بيتونيا، بعد ان نشر فيديو على حسابه على الفيسبوك يرد فيه على الناطق باسم الاجهزة الامنية الفلسطينية في الضفة الغربية، انه لا يوجد معتقلين سياسيين لدى السلطة الفلسطينية.
وفي تصريح صحافي للهيئة المستقلة لحقوق الانسان قالت فيه أنه في إطار متابعة الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" لقضية توقيف الصحفي عقيل عواودة، زار ممثلو الهيئة المواطن عواودة في مكان توقيفه لدى جهاز الأمن الوقائي في بيتونيا، واطلعوا على ظروف التوقيف والمعاملة والإجراءات القانونية المتبعة في توقيفه.
وطالبت الهيئة بالإفراج الفوري عن المواطن عواودة حيث أن توقيفه جاء على خلفية منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأن توقيف أي شخص على خلفية كتابات على وسائل التواصل الاجتماعي يخالف القانون الأساسي الفلسطيني والتزامات فلسطين بموجب الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها، لاسيما العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية.
وكانت الهيئة المستقلة نشرت في تقريرها عن شهر حزيران/ يونيو الماضي أنه في باب الاحتجاز التعسفي ولأسباب سياسية. تلقت الهيئة خلال الفترة التي يغطيها التقرير في الضفة الغربية 19 شكوى تركزت حول عدم صحة التوقيف كون التوقيف كان أما لأسباب سياسية أو توقيفا تعسفياً. أما في قطاع غزة فقد تلقت الهيئة خلال الشهر ذاته 7 شكاوى حول الانتهاك المذكور. وقد تم توقيف حالتين على ذمة المحافظ في الضفة الغربية بعد صدور قرار بالإفراج عنهما من قبل الجهات المحكمة.
كما نشر المحامي مهند كراجة مدير مؤسسة محامون من أجل العدالة، فيديو على حسابه الشخص على الفيسبوك قال فيه أنه: بعد زيارة للصحفي عقيل عواودة في مركز توقيف الامن الوقائي في بيتونيا انه موقوف من قبل النائب العام،
وتم التحقيق معه بتهمة إثارة النعرات الطائفية، بناء على قانون العقوبات وقانون الجرائم الالكترونية، وتم توقيفه مدة 48 ساعة بناء على منشورات قامت بنشرها على حسابه على الفيسبوك.
وجهت النيابة العامة للصحفي عواودة تهمة تثير السخرية في فلسطين، وهناك المسلمين السنة عموماً، وعدة طوائف مسيحية، اضافة إلى الطائفة السامرية، ولا يمكن اعتبار انتقاد السلطة والمسؤولين فيها إثارة النعرات الطائفية حتى لو كانوا من طوائف مختلفة.
وخلال العام الماضي ومنذ بداية العام نفذت الأجهزة الأمنية عشرات الاعتقالات السياسية من بينهم المطلوب لقوات الاحتلال الإسرائيلي مصعب اشتيه، وبرغم القرار الذي صدر عن المحكمة في الضفة الا انه ما زال موقوف على ذمة الأجهزة الأمنية في نابلس. وغيره من المعتقلين وذكر مدير مجموعة محامون من أجل العدالة مهند كراجة: أن مجموعة محامون من أجل العدالة انها تابعت أكثر من 300 حالة اعتقال سياسي في الضفة منذ بداية العام. كما أفرج الأسبوع الماضي عن الصحافي احمد البيتاوي بعد اعتقال دام 10 أيام.
تعيش الساحة الفلسطينية حالة من انتهاكات حقوق الانسان لم تتوقف، وفي بداية شهر يونيو/ حزيران الماضي، استدعت النيابة العامة في رام الله الدكتور عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة ائتلاف أمان لشؤون مكافحة الفساد، والسيد عصام حج حسين، المدير التنفيذي للائتلاف، على خلفية عملهما القائم على متابعة وكشف الفساد.
وحسب ما ذكرته مؤسسة امان، أن النيابة العامة قامت باستدعاء د. الشعيبي وأ. حسين على يومين متتاليين بتاريخ 5 و6 يونيو 2023 للتحقيق معهما، بعد أن تقدم ديوان الرئاسة بشكوى ضدهما، على خلفيه نشر تقرير مؤسسة أمان السنوي، والذي صدر تحت عنوان " الاحتلال والانقسام والفساد السياسي حلقة مغلقة يغذي كل منها الآخر".
وقد تناول التقرير عدة قضايا فساد في السلطة الفلسطينية من ضمنها ما يعرف بقضية "تبييض تمور المستوطنات"، والتي تشمل تورط تجار فلسطينيين وإسرائيليين في تصدير تمور المستوطنات تحت وسم فلسطيني، وقدمت شكوى بهذا الخصوص لهيئة مكافحة الفساد منذ العام 2020. وقد أشار التقرير إلى تورط متنفذين في السلطة الفلسطينية في هذه القضية وفي التأثير على التحقيقات.
ولا تزال القضية تنظر في المحكمة وقد ادانة مؤسسات المجتمع الاستدعاء واعتبرت ان ذلك مس بحرية عمل المنظمات الاهلية وحرية التعبير، وأن الاستدعاء آخر خيار بعد وجود أدلة كافية على تجاوز ممارسة حرية التعبير، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمؤسسات المجتمع المدني ودورها المحوري في خلق التوازن اللازم لحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية