لا يمكن أن تقتصر الصفقة التي عقدتها القوى العظمى (مجموعة خمسة زائد واحد) مع إيران، والتي أقرت في مجلس الأمن الدولي، على موضوع الملف النووي الإيراني، وعلى الأقل بين الولايات المتحدة وإيران، هناك ما هو أبعد من معالجة هذا الملف، وليس واضحاً حتى اللحظة ما هي تفاصيل التفاهمات التي ربما تكون قد حصلت على هامش هذا الموضوع المهم، ولكن الأيام القادمة كفيلة بكشف الكثير من الأشياء التي يلفها الغموض اليوم. وفي هذا السياق دعونا نلقِ نظرة على المشهد القائم وما يمكن توقعه في المستقبل القريب.
ولنبدأ بالحرب الدائرة في سورية التي تتواصل بين النظام السوري المدعوم من إيران و»حزب الله» وروسيا وبين المعارضة التي جلها قوى إسلامية أصولية متناحرة لا هم لها سوى السيطرة على الأرض وفرض سلطتها على ذلك القسم من الشعب الذي أدى سوء طالعه إلى وقوعه تحت سلطتها، في حين أن المعارضة الوطنية العلمانية غائبة عن التأثير. والمثير للاهتمام على جبهة الحرب السورية ما قاله الرئيس بشار الأسد خلال مؤتمر اقتصادي في دمشق حيث اقر بصعوبة الحرب التي يخوضها جيشه وقلة الطاقات البشرية وقوة خصومه الذين لا ينقصهم لا المال ولا السلاح ولا المقاتلون، وأن يضطر للتخلي عن مناطق أقل أهمية في سبيل الاحتفاظ بمناطق أهم وأكثر استراتيجية. وملخص حديثه يقول أن النظام بصدد تعزيز مواقعه في مناطق بعينها وصرف النظر عن فكرة الحرب على كل المحاور والمناطق في إطار انتظار التوصل إلى تسوية سياسية.
وليس واضحاً كيف سينعكس الوضع الإيراني الجديد على الوضع في سورية، فالنظام الإيراني يعيش حالة من الغبطة بتسابق الوفود الغربية على البلاد للفوز بأكبر صفقات ممكنة معه بعد رفع الحصار الاقتصادي، ومن المنتظر أن تشهد إيران رخاء اقتصادياً ونمواً كبيراً بعد تحرير الأموال المحتجزة في المصارف الدولية والتي تقدر بـ 179 مليار دولار، وبعد أن تستعيد إيران قدرتها الكاملة في تصدير النفط ويزداد دخلها بصورة كبيرة وتستطيع تحديث أسلحتها ومعداتها. فإذا كانت إيران وهي في وضع الحصار قد وضعت كل ثقلها لدعم النظام السوري، كيف سيكون الحال عندما يتحسن اقتصادها ويزدهر؟ وهل تشمل التفاهمات مع الولايات المتحدة محاولة السعي للوصول إلى تسوية سياسية للحرب الأهلية - الإقليمية الدائرة في سورية بحيث يتم التسليم بمصالح إيران ونفوذها؟ وما هو مصير النظام السوري هل يبقى كما هو بوجود بشار الأسد ويتفاهم مع المعارضة ويجري تغييرات دستورية جوهرية أم يتم الاستغناء عن الأسد والإبقاء على النظام استجابة لشروط المعارضة والقوى الإقليمية؟ هذه أسئلة تحتاج إلى إجابات في الفترة المقبلة وقد لا تكون الإجابات قاطعة ولكن من المؤكد أن تغييراً سيطرأ على الوضع السوري وستظهر انعكاسات للاتفاق النووي مع إيران.
وارتباطاً بالملف السوري هناك الوضع في لبنان حيث يعيش هذا البلد أزمة دستورية عميقة بعد الفشل في التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية وبعد الشلل الذي تعاني منه الحكومة. صحيح أن لبنان صمد حتى اللحظة في وجه التأثيرات العاصفة للحرب الأهلية في سورية خصوصاً في ظل تدخل «حزب الله» كطرف داعم للنظام ووجود معارضة إسلامية تحاول القصاص من الحزب، فوعي اللبنانيين واكتواؤهم المستمر بنار الحروب الطائفية ومشاكلهم الداخلية منع تدهور الأمور إلى مستوى الحروب الداخلية بين أطراف النزاع في سورية، ولكن الوضع هناك هش إلى درجة أن مخاطر الاشتعال لا تزال قائمة وممكنة مع اي شرارة تنطلق هنا أو هناك، وللأسف جزء من التوتر قائم حول الوجود الفلسطيني ومخيمات اللاجئين في لبنان وخاصة مخيم عين الحلوة أكبر المخيمات الفلسطينية، وهناك أطراف عديدة تحاول توريط المخيمات في الصراعات التي لا ناقة للفلسطينيين فيها ولا جمل سوى محاولة بعض الجهات استغلال الوضع الاقتصادي المأساوي للاجئين وتجنيدهم معها كأدوات لتوريط المخيمات في تصفية الحسابات اللبنانية والإقليمية. ومن الطبيعي أن أي تطور يحدث على الملف السوري سينعكس تلقائياً على لبنان، وإذا استطاعت إيران والولايات المتحدة التفاهم بطريقة أو بأخرى على الملف السوري فلبنان سيشهد انفراجاً ملموساً.
أما في الملف العراقي فهناك تسليم أميركي بالنفوذ الإيراني ودور إيران المركزي في العراق وهذا يظهر جلياً في التعاطي مع الحكومة والبرلمان والجهات المحسوبة على إيران، والطرفان يتفاهمان على تقسيم العراق إلى مراكز نفوذ، قسم للشيعة وهو القسم الأكبر وقسم للسنة وآخر للأكراد، ولا مانع من استمرار الصراع على توزيع الموارد والحصص، والآن هناك هم جديد يتمثل بـ»داعش» التي أصبحت جزءاً من المعادلة الداخلية والإقليمية. ويمكن خلق تفاهم معه، تركيا التي يهمها أن تبقي سيطرة لها على شمال العراق وسورية بما يضمن عدم قيام دولة كردية تشمل أكراد العراق وسورية فهذا من شأنه أن يدفع أكراد تركيا وهم القسم الأكبر في التجمعات الكردية للمطالبة بالانضمام لهذه الدولة والانفصال عن تركيا. ويمكن كذلك التسليم ببعض المطامع التركية في أراضي سورية الشمالية المحاذية لتركيا والتي تطمح تركيا لضمها إليها.
وموضوع اليمن ليس مستعجلاً طالما أن بعض الدول العربية متورطة فيه فلا مانع من استنزافها، وكما يقول أوباما على العرب التسلح في وجه مخاطر إيران، اي عليهم إهدار أموالهم في شراء السلاح من الولايات المتحدة، وإيران لن تدفع ثمناً كبيراً حتى في حال خسارة الحوثيين كما ستدفع السعودية على سبيل المثال فيما لو استمرت الحرب في اليمن لبضع سنوات.
والملف الذي يبدو أنه غائب في التفاهمات الدولية والإقليمية هو الملف الفلسطيني، فإيران ليست معنية أن تكون أكثر فلسطينية من الفلسطينيين الذين يعجزون عن حل مشكلاتهم وبعضهم يدير لها الظهر وقد كانوا حلفاءها حتى الأمس القريب، وهم الآن يبحثون عن بوابات وحاضنات أخرى لدى السعودية وتفاهمات مع إسرائيل، على عكس كل شعارات المقاومة والممانعة، وهي في النهاية تبحث عن موطئ قدم، وقد ندفع نحن ثمن تفاهمات إقليمية أوسع تكون إسرائيل طرفاً فيها، ولكن مع ذلك يشكل حل الموضوع النووي الإيراني سابقة دولية لابد وأن تعكس نفسها على حل الصراع مع إسرائيل. والمهم أن نعرف كيف نستخدمه لدفع قضيتنا وتبقى مسألة الوحدة الوطنية أهم وأكبر الثغرات التي نواجهها والتي لا يبدو أن حلها قريب.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية