قراءة إسرائيلية تحليلية للاتفاق النووي

القدس / سوا/ بعيدًا عن الموقف الرسمي الإسرائيلي الغاضب من الاتفاق الذي وقع في فيننا مؤخرًا بين إيران ومجموعة الدول العظمي (5+1)؛ نشر عاموس يادلين، رئيس مركز دراسات الأمن القومي - جامعة تل أبيب، مقالًا تحليليًا حول الاتفاق النووي وانعكاساته وظروفه، أقر فيه بعجز إسرائيل في التأثير على الاتفاق، ودحض دأبها على مقارنته مع اتفاق ميونخ الذي وقع عام 1938 بين رئيس الحكومة البريطانية تشامبرلين والزعيم النازي هتلر، وناقش الإشكاليات التي ينطوي عليها الاتفاق من خلال مستويات ثلاث: القريب، البعيد، التقليدي "غير النووي"، وحاول التنبؤ بالسيناريوهات الثلاثة المحتملة في ضوء حالة السيولة التي تمر بها المنطقة، وفي الختام قدم توصيات الى المستوى السياسي والأمني، وفصل الاستعدادات المطلوبة لمواجهة الأخطار الناشئة، سنورد أهم ما جاء في المقال.

الاتفاق النهائي للمفاوضات "اتفاق فيينا" كان أكثر قربًا للموقف الإيراني، ناهيك عن ان الديناميكا التي جرت عليها المفاوضات لا تبشر بالخير بشأن الطريقة التي تعالج مستقبلًا خروقات الاتفاق من قبل إيران، يمكن تفحص الإشكاليات التي ينطوي عليها الاتفاق من خلال ثلاثة مستويات أساسية: الموضوع النووي على المدى القريب، والموضوع النووي على المدى البعيد، وقضية النشاط الإيراني التقليدي السلبي في الشرق الأوسط.

فعلى المدى القريب؛ هناك وجوه إيجابية للاتفاق، إذ ان الاتفاق يبعد البرنامج النووي الإيراني سنة عن القنبلة ويقلص البرنامج ويفرض عليه نظام مراقبة طموح أكثر من نظام المراقبة القائم حاليًا، والذي سيتضمن الدخول الى المواقع العسكرية، على الأقل لفترة العشر سنوات القادمة تهديد التسلح النووي الإيراني قد انخفض، ولكن بقي لإيران بنية تحتية نووية مهمة؛ إلا انه يمكن مقارنة هذه البنية بالبنية التي كانت موجودة في إيران نهاية العام 2013 قبل توقيع الاتفاق المرحلي بين إيران والدول الكبرى، في حال لم يتم التوصل الى اتفاق فإن البنية التي كانت قائمة في العام 2013 كانت ستتوسع الى المسافة صفر من القنبلة ومن دون أي مراقبة.

أما على المدى المتوسط والبعيد فإن الصورة تبدو كئيبة، فالاتفاق يمنح الشرعية لإيران لتصبح دولة حافة نووية، هذه المكانة ستتعزز أكثر بعد إزالة القيود المؤقتة عن مدى البرنامج النووي، إذ ستمكن إيران من تشغيل عدد غير محدود من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، والعودة الى تخصيب اليورانيوم دونما قيود على الكميات الى درجة 20%، والعمل على البلوتونيوم من جديد؛ وبذلك ستتموضع إيران حسب قول الرئيس الأمريكي "على مسافة الصفر من القنبلة"، وأكثر من ذلك فإن المعايير والقواعد التي سمحت لإيران على المدى القريب والمدى البعيد على حد سواء ستصعب مواجهة طموحات الدول الأخرى النووية في الشرق الأوسط، والتي من شأنها ان تطلب في أعقاب الاتفاق الحق في تطوير معيار قدرات مماثل.

أما من المنظور التقليدي غير النووي؛ أيضًا فإن الاتفاق إشكالي جدًا، ويمثل تحديًا حقيقيًا لأمن إسرائيل القومي، إلغاء العقوبات سيدفق الى إيران وفوريًا أكثر من 100 مليار دولار ومئات المليارات الأخرى على مدار العقد القادم؛ هذه الأموال - حتى وان استثمر معظمها في تحسين الوضع الاقتصادي الإيراني - فسيبقى ما يكفي ويزيد لتقوية قدرات إيران العسكرية التقليدية وتطوير صناعاتها العسكرية ودعمها للحفاظ على نظام بشار الأسد الدموي، وستتمكن من التقدم نحو طموحاتها للهيمنة في الشرق الأوسط ونشاطاتها "التخريبية" في المنطقة، بل ان كسرة من هذا الاتفاق تكفي تثليث الميزانية السنوية للتنظيمات "الارهابية" ومن بينها حزب الله و حماس والجهاد الإسلامي.

مقولة الرئيس الأمريكي ان هدف اتفاق فيينا تنحصر في معالجة الموضوع النووي، باعتباره التهديد الأخطر والأكثر إقلاقًا؛ يمكن ان تكون مقبولة شريطة ان يرافق تطبيق الاتفاق تنفيذ سياسة تواجه بشكل فعال مخاطر إيران غير النووية.

بنود الاتفاق التي لم تذكر ضمن التفاهمات التي تبلورت بين إيران والقوى الكبرى في لوزان مثل رفع الحظر عن تزويد إيران بالسلاح بعد 5 سنوات، ورفع الحظر عن قطع غيار الصواريخ البالستية بعد 8 أعوام، وإخراج قائدة قوة القدس "الشائن" الجنرال قاسم سليماني من قائمة العقوبات؛ جميع هذه الأمور تثير شكوكًا كبيرة بشأن حقيقة القدرة على الفصل بين الموضوع النووي وبين بقية نشاطات إيران السلبية، وما دام الأمر كذلك فإن على الولايات المتحدة واجب إثبات انها لا تنعطف تجاه إيران، بالضرورة على حساب حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط.

ثلاثة سيناريوهات محتملة

أحداث السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط وعلى الساحة الكونية تؤكد صعوبة توقع التطورات المستقبلية، حالة السيولة التي يمر بها الشرق الأوسط وصعود "الدولة الإسلامية" وتفكك سوريا والعراق وليبيا، وكذلك عمليات مفاجئة أخرى مثل الأزمة الأوكرانية تظهر ذلك جليًا، ورغم ذلك فإن من واجبنا ان نرسم سيناريوهات أساسية محتملة، وأن نستعد لرد كافٍ ووافٍ للتهديدات الاستراتيجية الناتجة عنها، بالشأن الإيراني من الحكمة ان نستعد الى ثلاث سيناريوهات أساسية:

الأول والتفاؤلي من بينها "سيناريو التحولات": وحسب هذا السيناريو تتغير إيران من الداخل قبل نهاية فترة الاتفاق، وتصبح بالتدريج دولة أقل تطرفًا، هذه العملية قد تحدث بشكل طبيعي في حال انضم جيل من الشباب الى القيادة الإيرانية وحلوا محل "الراديكاليين المتطرفين" مثل آية الله خامنئي، وأن يحل مكانه شخصيات إصلاحية أكثر ليبرالية، ومن الممكن إن حدث ذلك ان ينمو في طهران نظام حكم يكون في جوهره أقل عدائية وتهديدًا لإسرائيل خصوصًا والغرب عمومًا، ولكن وللأسف الشديد فإن احتمال وقوع هذا السيناريو منخفض جدًا، ذلك ان مراكز القوة في إيران مسيطر عليها من قبل كهنة الدين والحرس الثوري، واللذان يُتوقع ان يقويا، سيما في أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي.

السيناريو الثاني وهو "سيناريو كوريا الشمالية": ووفق هذا السيناريو تخرق إيران الاتفاق بعد عدة سنوات وتنطلق نحو القنبلة النووية من خلال خرق تعهداتها المضمنة في الاتفاق بطريقة تشابه ما حدث في كوريا الشمالية بعد عدة سنوات من توقيعها اتفاق مشابه. في أي مرحلة زمنية مستقبلية تتوصل إيران الى استنتاج بأن الفرص الاستراتيجية للانطلاق نحو القنبلة أعلى من المخاطر المتوقعة لها من ردود فعل الغرب، عندها وبدون شك فإن الإيرانيين سيختارون القنبلة، إمكانية وقوع هذا السيناريو منخفضة غير انه غير مستبعد، ووقوعه سيعتبر تطورًا دراماتيكيًا، وهذه الاحتمالية توجب على إسرائيل والغرب الحفاظ على القدرات الاستخباراتية والاجرائية التي سيكون بإمكانها لجم الانطلاقة الإيرانية صوب القنبلة.

السيناريو الثالث هو سيناريو "الصبر الاستراتيجي": والذي تلتزم إيران وفقه بالاتفاق من خلال الفهم انه وبعد 10 سنوات الى 15 سنة ستصبح ذات بنية نووية واسعة غير محدودة كدولة حافة نووية شرعية، وهذا هو السيناريو الأكثر معقولية وخطورة، وفقًا لهذا السيناريو فإن إيران ستواصل في الفترة المضمنة في الاتفاق السعي للهيمنة الإقليمية وتستغل الأموال التي ستتدفق عليها عقب رفع العقوبات لكي تؤسس قدراتها التقنية وخبراتها في المجال النووي، وبهذا توفر إيران لنفسها قدرة الانطلاق تجاه القنبلة في الوقت الصفري وفي اللحظة المناسبة لها ومع انتهاء فترة القيود المذكورة في الاتفاق.

توصيات سياسية

أولًا: واجب على الولايات المتحدة وإسرائيل الاستعداد للسيناريوهات الإشكالية الواردة أعلاه "سيناريو كوريا الشمالية" و"سيناريو الصبر الاستراتيجي"، على إسرائيل التوصل لتفاهمات مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن المواجهة المشتركة والمنسقة مع مجمل المخاطر النابعة من الاتفاق؛ هذه الاتفاقات والتفاهمات يجب ان تتضمن المجالات الآتية: تعاون استخباراتي لجسر الفجوات في مجال المراقبة والتقدير الواضح لما يعتبر اختراقًا مهمًا للاتفاق، صياغة منظومات للرد في حال وقوع الاختراق، حزمة مساعدة أمنية تقوي قدرة إسرائيل في مواجهة التهديدات التي ستنبع من تقوي إيران ووكلائها "الارهابيين" والقدرة على إحباط انقضاض إيران صوب القنبلة.

يجب إرساء هذه التفاهمات في اتفاق مقابل بين إسرائيل والولايات المتحدة، ولأن إسرائيل ليست موقعة على اتفاق فيينا ولا ترى نفسها ملتزمة به فإن هذا الاتفاق الجانبي سيرسي طريقة الرد المنسق للدولتين على سيناريوهات المستقبل الإشكالية.

وكرد على سيناريو "كوريا الشمالية" يجب الاتفاق مع الأمريكيين حول الطريقة التي تلجم محاولة إيران للتوصل الى القنبلة النووية، وذلك على ضوء تصريح الرئيس الأمريكي أوباما بأن لا يسمح لإيران بالتسلح بالسلاح النووي، هذا التصريح يجب ان يكون قاعدة لاتفاق استراتيجي ملموس مع الولايات المتحدة. وكرد على سيناريو "الصبر الاستراتيجي" يجب التأكيد على طريقة مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل لإيران التي لا تغير جوهر نظام حكمها وتواصل الأعمال "التخريبية" في الشرق الأوسط وتدعو الى تدمير إسرائيل من خلال خلق تهديد تقليدي حقيقي على حدودها.

ثانيًا: على إسرائيل ان تستغل السنوات القادمة في الاستعداد لوقوع المخاطر النابعة من الاتفاق على المدى المتوسط والبعيد من توقيع الاتفاق الذي يردي وضع إسرائيل الاستراتيجي، يجب بناء القوة التي تكفي للرد على تلك التطورات السلبية وعلى جميع جوانبها، ورغم الجوانب السلبية بعيدة المدى الكامنة في الاتفاق، وسيما السنوات الخمس القادمة التي تمنح "استراحة" يمكن خلالها تجهيز الجيش الإسرائيلي ودولة إسرائيل للتحديات المتوقعة على المدى المتوسط والبعيد.

في السنوات الخمس الأولى من بدء تطبيق الاتفاق؛ يفترض ان إيران ستكون حذرة أكثر وتبقى تحت حظر السلاح، في هذه الفترة يمكن لإسرائيل ان تبني القوة للدفاع عن نفسها بطريقة أفضل في وجه التهديدات الصواريخ قريبة وبعيدة المدى من خلال تطوير منظومة دفاعية من الصواريخ والقذائف وتعزيز الخيار العسكري الاستراتيجي ضد إيران.

ثالثًا: يجب الاستعداد لانتشار نووي آخر في الشرق الأوسط، بعد ان وفر اتفاق فيينا الشرعية لإقامة بنية نووية واسعة في إيران، والتي توفر انطلاقًا سريعًا صوب القنبلة النووية، فهناك خشية من ان يتحول هذا النمط الى تقليد إقليمي؛ هذا الأمر يشكل حافز الدول من الخليج لموازنة قدراتها مع قدرات إيران بسبب الخشية من قدرات إيران النووية وبسبب مبدأ المساواة أيضًا، على دولة إسرائيل تعقب التطورات الاشكالية في هذا الاتجاه والعمل مع المجتمع الدولي على منع حدوثه.

وفي الختام؛ فرغم الخطورة التي تراها إسرائيل في الاتفاق، فإن عليها الامتناع عن التدخل في المنظومة السياسية الأمريكية، الكونغرس الأمريكي ليس مكانًا يصح التورط فيه في الصراع ما بين الأحزاب، وإلى ذلك فإن من واجبنا ان ننقل تقديراتنا بخصوص إشكاليات الاتفاق وانعكاساته، سواء لمؤيدي الاتفاق أو معارضيه في الولايات المتحدة، مع التأكيد على الامتناع عن التدخل في الجدل السياسي الأمريكي.

إذا اختارت إسرائيل ان تحاول التأثير على موقف الكونغرس من خلال التدخل الرسمي؛ فمن المتوقع لها ان تخسر خسارة مضاعفة: إذا نجحت في نسف الاتفاق فستبقى إيران أقرب الى النووي في السنوات القادمة، وستكون احتمالات انهيار منظومة العقوبات أكبر، وستتهم إسرائيل حينها بإفشال الاتفاق الذي صودق عليه في مجلس الأمن. وفي حال فشلت إسرائيل في نسف الاتفاق ستتضرر مكانتها الدولية، وسيتضرر الردع الإسرائيلي، وستظهر صعوبات على إمكانية العمل برفقة الادارة الأمريكية بشكل بنيوي بهدف الاستعداد عشية تحقق السيناريوهات الإشكالية، وكما قلنا فإن الشريك المفضل لنواجه معه المخاطر الكامنة في اتفاق فيينا هو الإدارة الأمريكية التي قادت الاتفاق في إطار اتفاق جانبي مقابل، والذي سيدعم بالتأكيد من قبل الجمهور الأمريكي والكونغرس.

نقلا عن مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد