حين يعلن بنيامين نتنياهو أن الأسبوع القادم، سيشهد البدء بإجراءات تمرير «انقلابه الديمقراطي»، فإنّ عليه أن يتوقّع احتدام الأزمة الداخلية واتّساع دائرة الاحتجاجات، التي يمكن أن تنزلق نحو استخدام العنف.
واضح أنّ فشل المفاوضات بشأن مخرج متفق عليه لأزمة «الانقلاب الديمقراطي»، وتردد نتنياهو، قد أحدثا صدعاً ممتداً داخل «الليكود»، وداخل الائتلاف الحكومي، وبين الائتلاف و»المعارضة»، خصوصاً بعد انتخاب عضو من «المعارضة» للجنة اختيار القضاة، الأمر الذي ما كان ليقع لولا تصويت أربعة نوّاب من «الليكود» لصالحها.
استطلاعات الرأي المتواترة، تظهر تراجع شعبية «الليكود»، وأحزاب الائتلاف لصالح بيني غانتس وفريقه الذي يحصل على اثنين وثلاثين مقعداً بفارق ثماني نقاط عن «الليكود».
من وجهة نظر شخصية من نوع نتنياهو، المعروف بأنانيته، وسعيه للتهرّب من التهم التي تلاحقه، فإنّ «الليكود» وائتلافه الحكومي، يتوقع خسائر كبيرة، قد تطفئ حلمه وحزبه وأحزاب الائتلاف بإمكانية العودة للفوز بتشكيل الحكومة بعد أن تنقضي السنوات الأربع الحالية، وقد تسقط قبل أن تبلغ استحقاقها الزمني.
ثمة خياران لدى نتنياهو، لإعادة تماسك حزبه وائتلافه الحكومي، والتخفيف من ضغط «المعارضة»، وربما إدراجها في سياساته:
أوّلاً، الحسم فيما يتعلق بضرورة إنهاء الجدل، بشأن «الانقلاب الديمقراطي» بالطريقة التي يراها ويريدها نتنياهو، ما سيُنهي التردّد داخل حزبه، ويُنهي الخلاف بين أطراف الائتلاف.
ثانياً، لإطفاء أيّ «معارضة» داخل «الليكود» أو الائتلاف الحكومي أو «المعارضة»، سيترتّب عليه استدعاء ما يسمّى خطراً قومياً كوصفة معروفة لطالما اتبعتها حكومات إسرائيلية سابقة، لمواجهة أزمة داخلية.
بالعموم تطغى لغة التهديد بالحرب على الخطاب الإسرائيلي الرسمي وغير الرسمي، وثمة تعويم مقصود للميدان المرشّح لشنّ مثل هذه الحرب.
نعم هناك مخاوف إسرائيلية متزايدة، جرّاء اقتراب الولايات المتحدة وإيران، من التوصّل إلى اتفاق مؤقّت بشأن البرنامج النووي، وهو ما تصرّ عليه إدارة جو بايدن.
غير أن مخاوف إسرائيل لا تتوقّف على إذا ما كانت إيران قد راكمت ما يكفي من اليورانيوم المخصّب بتجاوز عقبة الحافّة وإنّما تزداد مخاوفها إزاء تطوّر القدرات الصاروخية لإيران، سواء ما تراكم منها خلال الفترة المنصرمة، أو ما يمكن أن تطوّره إيران من صواريخ باليستية وطائرات مُسيّرة، بالاستفادة من الأموال التي ستستعيدها في ضوء الاتفاق.
لكن إسرائيل ما كانت لتجرؤ على شنّ حرب واسعة على إيران، في ظلّ اتفاقها مع الولايات المتحدة، التي ستنظر إلى السلوك الإسرائيلي على أنّه مُوجّه ضدها ويتجاوز حساباتها ومصالحها في الشرق الأوسط، بينما تنشغل في الحرب ضد روسيا والصين.
إسرائيل تخشى من أن تدخل في حرب ضد «حزب الله» في لبنان، بالرغم من أنها تتمنّى لو أنها تستطيع الردّ على الرسالة الساخنة التي أرسلها «حزب الله»، من خلال إطلاق أربع وثلاثين قذيفة من جنوب لبنان والرسالة التي سبقتها من خلال عملية مجدّو الخطيرة.
تُدرك حكومة نتنياهو مدى خطورة الاحتكاك الناري مع «حزب الله» الذي يملك أكثر من مئة وخمسين ألف صاروخ ومئات المُسيّرات، والذي شكّل ما يُعرف بـ «وحدة الرضوان».
في جبهة داخلية متهتّكة، وميزان ردع متآكل، وأمن غير مستقر فإن الاشتباك مع «حزب الله»، ربّما يتسبّب بانهيار الجبهة الداخلية، خصوصاً إذا كانت مثل هذه الحرب، ستتوسع لتشمل جبهات أخرى مرشّحة بحسب وحدة الساحات، التي أخذت تصبح حقيقة على أرض الواقع في المنطقة.
هذا يعني أنّ ثمة جدّية لدى الدوائر الأمنية والعسكرية والسياسية في إسرائيل إزاء شنّ هذه الحرب على الضفة الغربية، خصوصاً شمالها في جنين و نابلس وطولكرم.
الأمر مرتبط بالأهداف الأساسية للحكومة الإسرائيلية، حيث يجري خلق الظروف المناسبة لضمّ وإعلان السيادة على أجزاء كبيرة من الضفة، وإغراقها بالاستيطان.
الحكومة صادقت على تحويل الصلاحيات بالنسبة للاستيطان إلى بتسلئيل سموتريتش المعروف بولعه المتطرّف بتوسيع الاستيطان والمستوطنات، وهو يريد استثمار هذه الصلاحيات والوقت المتاح للذهاب بعيداً في هذه السياسة.
وبالرغم من استمرار الاقتحامات لمدن ومخيمات جنين ونابلس وطولكرم وسياسة هدم البيوت، والاغتيال والاعتقال، لاحتواء ظاهرة المقاومة، إلّا أنها فشلت فشلاً ذريعاً.
واضح أن مجموعات المقاومة تلهم الشباب في بقية مدن وقرى الضفة، فلقد تحوّل مخيّم عقبة جبر إلى بؤرة أخرى لم تسلم من الاقتحامات، والأرجح أن تمتد هذه الظواهر إلى كافّة أنحاء الضفة.
بعض الناصحين من العسكر والأمنيين القدامى في إسرائيل، يرون أنّ شنّ حرب على غزّة، ينبغي أن يسبق الاجتياح لشمال الضفة، إن كان كل مدينة على حدة، أو كلها دفعة واحدة، بقصد إعادة احتلالها والتخلُّص من مجموعات المقاومة.
التبرير واضح، بأنه يستهدف تحييد مقاومة غزة ، قبل شنّ العدوان على شمال الضفة، لأنّ هذه الأوساط تدرك أن المقاومة في غزة، ستنخرط في الاشتباك في حال أقدمت إسرائيل على شنّ الحرب على الضفة.
نعتقد أنّ الأولوية لدى الحكومة الإسرائيلية، تنعقد هنا في فلسطين فإنّ وقع ذلك، سيطيح بكل ما يُقال عن «تفاهمات» أو «اتفاق» بشأن «هدنة» طويلة أو قصيرة مع الاحتلال.
هنا ينبغي أن يدرك الوسطاء، من الأشقاء العرب أو غيرهم، أنّه لا سبيل لـ «التهدئة» طالما وهم يعرفون أنّ إسرائيل لا تسمح بذلك، ولهذا فإنّ عليهم أن يمارسوا الضغط فقط على إسرائيل، إن كانوا قادرين على ممارسة ضغط مُجدٍ.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد