وفد فلسطين يُشارك باجتماع منتدى التعاون العربي الصيني
شارك وفد دولة فلسطين في اجتماع كبار المسؤولين والحوار السياسي الاستراتيجي لمنتدى التعاون العربي الصيني، في مدينة تشينغدو الصينية، اليوم الإثنين ٢٩ مايو/ أيار ٢٠٢٣.
ترأس وفد دولة فلسطين السفير مهند العكلوك، المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى جامعة الدول العربية، وعضوية الدبلوماسي محمد اللوح مسؤول ملف الصين في وزارة الخارجية والمغتربين.
وفيما يلي الكلمة التي ألقاها السفير مهند العكلوك:
اسمحوا لي أن أستهل كلمتي بالتأكيد على أهمية تعزيز منتدى التعاون العربي الصيني على جميع المستويات، لما لذلك من آثار إيجابية وبناءة في إطار المنفعة المتبادلة بين الجانبين. ونشيد بالدور الصيني الإيجابي والمؤثر في تعزيز المصالحة والتعاون في منطقة الشرق الأوسط، ونؤكد على أهمية مبادرات فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ في إطار تحقيق السلام والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط بما في ذلك حل القضية الفلسطينية، حلاً عادلاً وشاملاً على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. ونؤكد دعمنا للمبادرات الصينية في هذا الإطار، ومنها مبادرة الحزام والطريق، وندعو لتكثيف التواصل العربي الصيني لبلوغ مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية يسوده السلام والاستقرار.
كما نعبر عن امتناننا العميق للموقف الثابت لجمهورية الصين الشعبية الصديقة، المتمثلة في دعم الشعب الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرف، لا سيما حقه في تقرير المصير، وتجسيد استقلال دولة فلسطين ذات السيادة الكاملة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس ، ودعمها لحصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، كما نعيد التأكيد على موقف دولة فلسطين الداعم والثابت لجمهورية الصين الشعبية الصديقة، ولسيادة الصين ووحدة أراضيها واحترامنا الكامل لسياسية الصين الواحدة، ونعارض التدخل في الشؤون الداخلية الصينية، وتسييس قضية حقوق الإنسان.
أصحاب السعادة، السيدات والسادة الحضور،
نعقد اجتماعاتنا اليوم في ظل ظروف معقدة يمر بها العالم، تُشكل أحداثها صراعات سياسية وعسكرية واقتصادية، وأزمات أخرى ذات طبائع مختلفة صحية وثقافية ودينية. ومن طبيعة الأمور أن الصراعات والأزمات حول العالم تنشأ وتستمر لفترة من الزمن وثم تتقلص أو تنتهي، ولكن كثيراً منها يترك آثاراً لا تُمحى في عالمنا. أما النكبة ، نكبة الشعب الفلسطيني، فهي متواصلة على مدى 75 سنة ومازالت مستمرة، والاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين والعدوان الإسرائيلي على شعبها ومقدراته ومقدساته مازال مستمراً ومتصاعداً منذ 56 سنة.
هذا الاحتلال الإسرائيلي المطوّل وغير القانوني، ومنذ نشأته، يعمل على قمع واضطهاد الشعب الفلسطيني، واستيطان أراضيه و مصادرة ممتلكاته المادية والمعنوية، بالإضافة إلى تقويض حرياته وحقوقه كشعب وكبشر. وقد تحول هذا الاحتلال الإسرائيلي إلى نظام استعماري استيطاني، يفرض على الشعب الفلسطيني نظام فصل عنصري، حسب الدرسات والتقارير القانونية الصادرة عن عدة منظمات وبرلمانات ومؤسسات معنية بحقوق الإنسان، بما فيها مؤسسات إسرائيلية.
لقد أصدرت القمة العربية في دورتها العادية 32، التي عُقدت في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 19 مايو/ أيار الجاري تعريفاً قانونياً للنكبة، على أساس أنها مأساة وكارثة إنسانية تاريخية وُلدت في سياق مخطط استعماري بدأ من وعد بلفور عام ١٩١٧، وشمل الهجرة اليهودية الممنهجة إلى فلسطين، وجرائم التطهير العرقي والتهجير القسري التي قامت بها العصابات الصهيونية والمتواطئين معها منذ عام 1947، ضد الشعب العربي الفلسطيني وعلى أرضه، من خلال عدوان منهجي وواسع النطاق، ارتُكبت خلاله عشرات المجازر المروعة (51 مجزرة)، وقُصد منه إرهاب الشعب العربي الفلسطيني وطرده من أرضه ومحو هويته العربية والسطو على ممتلكاته وروايته وإرثه الحضاري، وأسفر عن تهجير ما يقارب مليون عربي فلسطيني وتحويلهم إلى لاجئين، وتدمير مئات البلدات والقرى الفلسطينية (530 قرية وبلدة)، وتتواصل النكبة باستمرار الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري العنصري، والعدوان على الشعب الفلسطيني وإنكار حقوقه المشروعة، بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير.
أصحاب السعادة، السيدات والسادة الحضور،
إن الاحتلال الإسرائيلي، الاستعماري الاستيطاني العنصري، الذي يمارس مختلف أنواع الانتهاكات جسيمة والاعتداءات الوحشية بحق الشعب الفلسطيني، إنما يشكل وجوده واستمراره إحراجاً كبيراً لمنظومة المجتمع الدولي، وآليات عملها، بما فيها آليات العدالة الدولية، بل أن يشكل عورة لهذا المجتمع الدولي يجب سترها وإنهاؤها، حتى يتخلص العالم من هذا الظلم ومن معاييره المزدوجة التي تنشط في أماكن جيوسياسية وتصمت في فلسطين.
إن إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، لن تنهي احتلالها طوعاً، بل إنها تتصرف كقوة استعمار، وتعمل على الاستمرار والتمدد، وطالما أنها لا تواجه ضغطاً كافياً من المجتمع الدولي لإلزامها على إنهاء هذا الاحتلال، فإنها لن تفعل. والسؤال المطروح هنا، ماذا سنفعل نحن؟ منتدى التعاون العربي الصيني يشكل جزءاً مهماً من المجتمع الدولي، ولدينا فرص متاحة لدفع الاحتلال الإسرائيلي نحو نهايته، عبر وسائل قانونية ومشروعة، وفيما يلي نلخص بعضها:
في نهاية العام الماضي أحالت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى محكمة العدل الدولية طلب رأي استشاري حول ماهية نظام الاحتلال الإسرائيلي وآثاره المترتبة على الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير. وقد أعلنت المحكمة قبول هذا الطلب، وطلبت من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية الراغبة في تقديم مرافعات مكتوبة بهذا الخصوص، أن تقدمها قبل تاريخ 25 يوليو/ تموز المقبل، وقد بقي على هذا الموعد أقل من شهرين.
ونحن من هنا نكرر نداء القمة العربية، ونداء دولة فلسطين والشعب الفلسطيني إلى جميع الدول المتمسكة بقيم العدالة ومبادئ القانون الدولي، أن تساهم في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، من خلال تقديم مرافعات قانونية خطية للمحكمة قبل التاريخ المذكور، وندعو، من خلال المرافعات، إلى تفنيد سياسات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي على أنه احتلال غير قانوني، أسس نظام فصل عنصري، ويستمر بكونه نظام استعماري استيطاني غير شرعي.
كما أننا، وفي سياق المساءلة القانونية المستحقة للاحتلال الإسرائيلي على جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، فإننا من منبر التعاون العربي الصيني، نكرر مطالبتنا للمحكمة الجنائية الدولية، بالخروج عن صمتها، كما فعلت في أماكن أخرى حول العالم، والعمل بجد وبسرعة على إنجاز التحقيق الجنائي الذي فتحته قبل أكثر من عامين في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، بما فيها جرائم الاستيطان والضم، والعدوان والحصار على غزة ، وقتل واعتقال المدنيين والصحفيين والمسعفين، والتهجير القسري للفلسطينيين من بيوتهم وخاصة في مدينة القدس الشرقية المحتلة.
وفي سياق مساءلة الاحتلال، التي يمكن أن تساهم في توفير الحماية للشعب الفلسطيني إزاء جرائم الاحتلال وأذرعه المختلفة، فإننا نطالب المجتمع الدولي بالضغط على سلطة الاحتلال الإسرائيلي للتعاون مع آليات العدالة الدولية، ومنها السماح للجنة التحقيق المستمرة التي شكلها مجلس حقوق الإنسان عام 2021، بالدخول إلى الأرض الفلسطينية المحتلة والقيام بالمهام المنوطة، وأيضاً نطالب الأمين العام للأمم المتحدة بمتابعة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بخصوص حماية الشعب الفلسطيني ووضع الآليات العملية لتطبيق هذه الحماية، ونطالب الأمين العام للأمم المتحدة أيضاً بوضع جيش الاحتلال الإسرائيلي على قائمة العار الأممية لقاتلي الأطفال ومهاجمي المدارس، بل إننا نستغرب من عدم وجود جيش الاحتلال الإسرائيلي على هذه القائمة حتى الآن، خاصة وأننا نشهد استهدافه المتعمد للأطفال الفلسطينيين، من خلال القتل والاعتقال والترهيب وتشويه الوعي، فخلال العقدين الماضيين قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي قرابة 2250 طفل فلسطيني، ومنع آلاف الأطفال من الوصول إلى مدارسهم بحرية وأمان، واستهدفت مئات المدارس والمراكز التعليمية، واعتقل آلاف الأطفال بطرق مروعة مدروسة وممنهجية، سواء من منازلهم أو مدارسهم أو من الملعب والشارع، ومازال يقبع في سجون الاحتلال اليوم أكثر من 160 طفل فلسطيني.
السيدات والسادة الحضور،
إن الممارسات والسياسات الإسرائيلية غير القانونية في فلسطين، بما فيها الضمّ والاستيطان الاستعماري، واستهداف المدنيين وقتل الأطفال والنساء، والتهجير القسري، والاعتقال التعسفي، ومحاولات تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في مدينة القدس ومقدساتها، وعلى رأسها المسجد الأقصى ا لمبارك، من خلال الاقتحامات والحفريات ومحاولات تقسيمه زمانياً ومكانياً، كلها باطلة ولاغية مهما بلغت.
ولن يتحقق السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، حتى ينجلي الاحتلال الإسرائيلي عن الأرضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967، وتنتهي كل آثاره العدوانية والاستعمارية والعنصرية، ويتمكن الشعب الفلسطيني من ممارسة حريته واستعادة حقوقه المشروعة وغير القابلة للتصرف، بما فيها حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين، وحق تقرير المصير وتجسيد استقلال دولة فلسطين على خطوط الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس. وهذه مسؤولية تضامنية جماعية، ينبغي على المجتمع الدولي الوفاء بها وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومبدأ الأرض مقابل السلام، ومبادرة السلام العربية لعام 2002 بأولوياتها وكامل عناصرها.
وفي الختام،
أجدد الشكر والتقدير لجمهورية الصين الشعبية الصديقة على دعمها السياسي الدائم والمستمر للقضية الفلسطينية، ولدعمها التنموي من خلال المشاريع والبرامج والمساعدات، ودعم المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني. ونؤكد حرصنا على مواصلة العمل سويا معكم من أجل تعزيز علاقات التعاون العربي الصيني، والارتقاء بها إلى المستوى الذي نطمح إليه.