في إسرائيل اليوم ثورةٌ واحتجاجٌ عارمٌ على حكومة اليمين المتطرف، هذا الاحتجاج ليس على عنصرية وتطرف الحكومة دينياً فقط، بل لأن هذه الحكومة ستقوم بتخريب نظام التعليم الإسرائيلي المقدس، وهو جوهر تأسيس إسرائيل، اعتبره الإسرائيليون فُرنَ الصهر للفسيفساء المتناقضة، ثم غيّروه ليُماثل التعليم النهضوي في دول التنمية الاقتصادية الأوروبية!
حذّر خبراءُ في مجال التعليم وزيرَ التعليم، يوآف كيش، السبت الماضي، من أن تخصيص موازنة للتعليم الديني بأكثر من مليار شيكل سيؤدي إلى تخريب التعليم الإسرائيلي العام، لأن التعليم الديني تعليم متخلف يحظر على الطلاب أن يتعلموا اللغات الأجنبية والرياضيات والعلوم، لأنها علوم غير شرعية!
نحن أيضاً للأسف لا نتابع أخطر الملفات التي ينفذها المحتلون حتى اليوم، خاصة في مجال تهجير الأجناس المتعددة إلى أرضنا بادعاء أنهم ينتمون إلى القبائل اليهودية منذ آلاف السنين! إن ملف «اختراع الشعب اليهودي» لإحلالهم بدلاً منَّا نحن أصحاب الأرض الحقيقيين غائبٌ حتى اليوم عن اهتماماتنا!
قرأت خبراً في صحيفة «The Media Line»
يوم 19-5-2023 أن الحاخام إلعاد فيغاس اكتشف جالية يهودية في كولومبيا يقدر عدد أفرادها ما بين ثلاثمائة وستمائة فرد، وادعى أن جذورهم يهودية. المكتشف كان قساً مسيحانياً إنجيلياً يعيش بمدينة (بيلو) في كولومبيا، جرى هذا الاكتشاف المخطط له منذ سنوات عندما زار إسرائيل عام 1998، اكتشف بالصدفة المحضة أنه يمارس في حياته وحياة الجالية طقوساً تماثل طقوس يهود إسرائيل، ما دفعه لترك منصبه الكنسي والتحوّل لليهودية فأصبح حاخاماً، نسج لهذه الجالية تاريخاً يعود إلى يهود المارانو في إسبانيا ممّن أُرغموا على ترك الدين اليهودي واعتناق الكاثوليكية عام 1492!
أشار القس السابق والحاخام الحالي إلى صيغ التماثل بين هذه الجالية واليهود، وأشار إلى أنها متماثلة تماماً، فهم لا يأكلون لحم الخنزير، ويذبحون الذبائح بأيديهم، يبنون أفران الحجارة، ولا يعملون يوم السبت، ويدفنون موتاهم بطريقة مشابهة للطريقة اليهودية!
كيف حوَّل الإسرائيليون حلمهم السرابي منذ ثلاثة آلاف عام إلى واقع احتلالي على الأرض، وتمكنوا من تجميع شتاتهم على أرضنا الضحية؟ وكيف فشلنا في الوقت نفسه في البناء فوق صرحنا الثقافي الحقيقي والواقعي؟!
إلى متى سنظل نكتشف أننا نحن الفلسطينيين كنا بناة حضارة، وكنا سكان فلسطين الأصليين، وأننا كنا نُربي الأحلام الجميلة، ونشارك في إنعاش الثقافة والفن في العالم، ننشر ما وثَّقتْه كاميرات الآخرين، ثم نوزعها على بعضنا، وكأننا نشك في حضارتنا ونهضتنا؟! أصبحت صور أجدادنا الحضارية، ومدننا الزاهرة وحضارتنا الراقية طبقاً لذيذاً محبوباً، ظننا أنها تفضح البروباغندا الإسرائيلية! هكذا غفونا على وقع هذه الصور والملصقات والأفلام، واكتفينا بأن تصبح هذه الأرشيفات مخدراً لذيذاً نتبادله لإعادتنا إلى الخلف؟!
نعم من حقنا أن نفخر بماضينا، ولكن لا يجب أن نجعل هذا الفخر هو الغاية، كيف يمكننا أن ننتقل من هذا الفخر الحالم اللذيذ إلى عمل منتج، أو نجعله مقرراً إلزامياً في مناهج تعليم أبنائنا؟! كيف يمكننا أن نحقق ذلك ونحن نعطّل مسيرتنا التعليمية، تارة بالإضرابات وطوراً بالعطلات، أو بافتتاح المعاهد والجامعات العشوائية المخصصة فقط لتخريج موظفين لا يسهمون في التقدم والتطور، وفي الوقت نفسه لا نتابع ملفات التهجير اليومية إلى وطننا بحجة أنهم من سلالات يعود جذورها إلى ثلاثة آلاف سنة، يصبحون جنوداً قامعين، ومستوطنين غاصبين؟!
والأسوأ أننا نسعد بتهجير أبنائنا الأكْفاء إلى الخارج؟ ما أصعب أن يستيقظ الحالمون باللذات على واقعٍ مملوء بالكوارث والمُلمّات!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية