محلل إسرائيلي يقرأ مستقبل السلطة بعد الرئيس عباس والدور المصري
القدس / سوا / أكد المحلل الإسرائيلي جاكي خوجي، أن مستقبل قيادة السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس ما زال غامضا، فيما تظهر في الأفق تحركات مصرية بقيادة السيسي للعب دور أكبر في الملف الفلسطيني، بعد رحيل محمود عباس بشكل مفاجئ أو بترتيب طبيعي.
وقال خوجي في مقالته بصحيفة "معاريف" الثلاثاء، إن عبد الفتاح السيسي يريد استعادة مكانة الوسيط في عملية التسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مؤكدا أن المتابعين للعلاقات الإسرائيلية المصرية يلاحظون أن هناك رياحا جديدة تهب من القاهرة تحمل خططا جديدة في ما يتعلق بالملف الفلسطيني.
ونوه إلى أن هناك خريطة سياسية جديدة للملف الفلسطيني تختبئ وراء الجهود المصرية الجديدة، مؤكدا أن القاهرة في هذه الأثناء تستغل نافذة الفرص المتاحة وهي تخشى من تفويتها، خاصة وأن عهد عباس قد ينتهي خلال سنة أو سنتين بشكل طبيعي.
ورثة الرئيس عباس
وأشار خوجي إلى أن عباس تجاوز سن الثمانين عاما، وهو لم يعين وريثا له، وبعد ذهابه، سواء بشكل مفاجئ أو بشكل مرتب، ستبدأ صراعات الوراثة. مؤكدا أنه يمكن الآن مشاهدة الإشارات على ذلك عبر اثنين من الورثة، هما جبريل الرجوب وخصمه الغزي محمد دحلان ، يبذلان جهدا كبيرا لتعزيز نفوذهما عند الجمهور، على حد تعبيره.
وأضاف، أن دحلان الذي ترعاه دولة الإمارات، اختار مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، وجند ملايين الدولارات وأقام الجمعيات الخيرية التي تعمل فيها، وهو يحاول أيضا العمل بشكل مشابه في القطاع.
أما الرجوب في المقابل، فهو رئيس اللجنة الأولمبية في السلطة الفلسطينية. هذه الوظيفة تمنحه الظهور بشكل كبير في أوساط الجمهور الفلسطيني. ومحاولة إخراج إسرائيل من "الفيفا" كانت جزءا من الحملة الانتخابية التي لم تبدأ بشكل رسمي بعد، بحسب خوجي.
ونوه إلى أن هذين الاثنين ليسا المرشحين الوحيدين. فيوجد آخرون معروفون بشكل أقل لدى الجمهور، ومنهم مثلا رئيس الاستخبارات العامة في السلطة الفلسطينية ماجد فرج ، وهو أحد المقربين من أبي مازن، وكذلك المسؤول عن محادثات السلام صائب عريقات ، الذي يتم الحديث عنه مؤخرا كمرشح. ورغم أن عريقات يقول إنه "ليست لدي نية كهذه ولا أبذل أي جهد في هذا الاتجاه"، فإنه لا ينفي هذه الإمكانية.
ثلاثة عصافير بضربة واحدة
وأكد خوجي أن المستقبل الغامض للسلطة الفلسطينية ليس هو السبب الوحيد الذي يحرك المصريين، حيث تسلمت القاهرة مؤخرا الرئاسة المؤقتة للجامعة العربية التي مركزها في القاهرة، وهي تمثل بالنسبة للسلطة الفلسطينية المكان الدافئ والغطاء لكل خطواتها الدبلوماسية. كل مبادرة لمحمود عباس – التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي والتوجه إلى الأمم المتحدة للإعلان عن إنهاء الاحتلال لمناطق عام 1967 – حظيت بدعم وتأييد الجامعة العربية التي تمثل رسميا الحكومات العربية، وهكذا فإن اقتراح أبي مازن يتحول إلى مبادرة عربية.
وتابع قائلا، إن مصر كانت دائما هي الدولة الأكثر فاعلية في الجامعة العربية، لكن أحيانا، ولا سيما قبل الربيع العربي، كان عليها مواجهة المعارضة الداخلية. سوريا كانت متطرفة في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وصعبت اتخاذ القرارات. ليبيا بقيادة القذافي كانت تتحدث دائما عن ضعف الجامعة العربية، وقبل سقوطه بثلاث سنوات أعلن القذافي تركه الجامعة العربية واتهمها بالعجز، وصب جهوده على أفريقيا السوداء.
ونوه خوجي إلى أن المصريين بعد دخولهم إلى الرئاسة المؤقتة، أقدموا على خطوة حادة في الموضوع الفلسطيني حيث إنهم عملوا على حل لجنة المتابعة التي تتكون من 13 عضوا، والتي كان أبو مازن يتوجه إليها من أجل الحصول على الغطاء القانوني لمبادراته في مواجهة حكومة نتنياهو. وبهذا فقد نجحوا في التخلص من قطر، وهي العضو الفعال في اللجنة، التي عملت كراعية لحركة حماس ، وضغطت من أجل اتخاذ قرارات متطرفة أكثر. وبدلا من لجنة المتابعة أنشأ المصريون مطبخا ضعيفا ومعتدلا يشمل السعودية والمغرب والأردن ومصر والجامعة العربية. وكلها دول مستقرة نسبيا ولها تاريخ في التدخل في الموضوع الفلسطيني ومقبولة بالنسبة لإسرائيل. لجنة الخمسة ستكون المرساة الدافئة لأبي مازن حينما يأتي للحصول على ختم الصلاحية من أصدقائه العرب.
وأضاف أن المصريين بادروا إلى خطوتين دبلوماسيتين تكتيكيتين. في البداية قاموا بتعيين سفير لهم في إسرائيل وهو مستشار وزير الخارجية المصري للشؤون القنصلية والطاقم الدبلوماسي، حازم خيرت.
ونوه إلى أن خيرت الذي هو السفير المصري السادس هنا قد حصل على تجربة كبيرة في الدبلوماسية الإقليمية. فقد كان في السابق وزير بلاده في دمشق، وفي سانت ياغو، عاصمة تشيلي، كمبعوث للجامعة العربية. ويتوقع أن يصل إلى مكتبه في تل أبيب في الأسابيع القريبة، وبذلك ينهي ثلاث سنوات أديرت فيها السفارة بواسطة الوكلاء فقط، منذ أعادت القاهرة سفيرها من إسرائيل خلال عملية عمود السحاب في غزة .
وأشار إلى أن الخطوة التكتيكية الثانية التي لعبها المصريون، أنهم بعد الإعلان عن السفير الجديد قاموا باستدعاء المدير العام الجديد لوزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد.
ونوه إلى أن غولد ذهب في زيارة لبضع ساعات والتقى مع رؤساء وزارة الخارجية المصرية، وبعد عودته إلى البلاد مساء 28 حزيران/ يونيو بادر المصريون إلى الإعلان في وسائل الإعلام عن الزيارة. فالمصريون يعرفون جيدا الإشكالية الإسرائيلية وقد تعاملوا معها بلباقة. إسرائيل تحب أن تكون محبوبة، وكل تعبير عن العلاقات الطبيعية يتم استقباله بارتياح في تل أبيب. ورغم أن هذه الزيارة لم يكن لها مغزى دراماتيكي باستثناء حدوثها، فإن المصريين أعلنوا عنها، بخلاف سياسة التواضع، في كل ما يتعلق باللقاءات مع الإسرائيليين.
وأكد خوجي أنه من خلال استدعاء غولد، فقد صادت القاهرة ثلاثة عصافير بضربة واحدة؛ فإضافة إلى الرسالة الحميمية التي أوصلتها إلى تل أبيب مع الأمل ب فتح قلب حكومة إسرائيل حول الموضوع الفلسطيني، استغل المصريون مكانة الضيف، فغولد مقرب جدا من رئيس الحكومة نتنياهو، الأمر الذي يضمن أن كل ما قيل في اللقاء المغلق سيصل مباشرة إلى أذن رئيس الحكومة.
وزارة الخارجية المصرية تبدي مؤخرا انفتاحا نسبيا على طاقم السفارة الإسرائيلية في القاهرة. وبخلاف فترات مختلفة في الماضي لم يحصلوا فيها على العناوين، فإن التوجه الآن إلى السفير حاييم كورن وطاقمه في الشؤون الاقتصادية والإعلامية، أفضل. ويمكننا رؤية ثمار هذا اللقاء في نهاية الأسبوع عندما بارك كورن الشعب المصري في شريط فيديو قصير صور بالعربية بمناسبة عيد الفطر .
حارة اليهود ليست دراما بل المكان الذي صهر فيه السيسي
واستدرك خوجي بالقول: "لكن سبقت هذا كله دراما. ليست هذه دراما سياسية، بل تلفزيونية. ففي السنة الأخيرة أنتج في مصر مسلسل (حارة اليهود). وفي مركز المسلسل قصة غرام بين رجل مسلم وشابة يهودية. وعلى أي حال تتسلل الحبكة إلى عائلة الشابة ليلى هارون التي تلعب دورها منى شلبي، وتصف نمط الحياة فيها. كاتب السيناريو، مدحت العدل، حرص على كرامة أبطاله، وهكذا يظهر أن (حارة اليهود) ليست مجرد عمل فني بل وأيضا مرحلة في نضوج العمل الفني المصري: حتى الآن كان اليهود يعرضون هناك بسلسلة من المزايا ذات طابع الفكر المتجمد – بخلاء ومتآمرون ومجرمون وقتلة. فجعلهم العدل لأول مرة بشرا عاديين.. أصحاب إرادات وخيبات أمل وأشواق شرعية ومتفانين لعمل الخالق، كالإخوان المسلمين".
كما أن "حارة اليهود" في القاهرة المجاورة لسوق خان الخليلي الشهير، هي الأتون الذي صهر فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي. فهناك تربى. وفي السنتين اللتين تولى فيهما السيسي زعامة مصر، تحدث بضع مرات في صالح المسيرة السياسية. قبل نصف سنة زار نتنياهو الأردن كضيف للملك عبدالله. واتصل المضيف بالرئيس السيسي وجعل الرجلين يتحدثان الواحد مع الآخر. قال الرئيس المصري للصحفيين في أعقاب تلك المكالمة الهاتفية: "قلت لرئيس الوزراء نتنياهو إنه لا مفر من العودة إلى المسيرة السلمية. ومصر مستعدة لأن تبذل جهودا لتحريكها"، وفقا لصحيفة "معاريف".
وبحسب خوجي، فستكون مفاجأة كبرى اذا ما نضجت الخطوة المصرية إلى اختراق. في وزارة الخارجية في تل أبيب يرفضون الحديث عن جملة الرسائل التي تصل من القاهرة. وهناك يعرفون بأنه في غياب ضوء أخضر من مكتب رئيس الوزراء، فإن شيئا لن يتحرك في المسيرة السياسية. حكومة نتنياهو، من جهتها، بعيدة عن تحريك أي مسيرة مع الفلسطينيين. والفصل بين السلطة وغزة، كما يقول مقربو نتنياهو، يضمن اتفاقا جزئيا فقط، أو مصاعب عديدة في كل اتفاق مستقبلي.
ونوه إلى أن كل هذا الزمن، يجري في القطاع واقع آخر تماما بين إسرائيل ومصر وحماس والمنظمة المتطرفة "ولاية سيناء"، التي أدت الولاء لـ"داعش". هذه عقدة أخرى في وجه كل اتفاق سلام.
وأكد أن إسرائيل ومصر تقاتلان هناك ضد التقارب بين "حماس" و"داعش" ما يعرض استقرار المنطقة للخطر على جانبي الحدود.