الجهاد الإسلامي.. شاهد على الصراع - بقلم : أمجد عبدالله

الجهاد الإسلامي.. شاهد على الصراع - بقلم : أمجد عبدالله

في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين التاريخية، منذ بداياته، وما مرّ به من مد وجزر، إلى مراحله، التي تبدو نهائيةً، الآن، تقف حركة الجهاد الإسلامي بقيادة أمينها العام، زياد النخالة ، كالشاهد والشهيد على هذا الصراع.

هذا القول، ليس من قبيل المبالغة، ولا يُنكِر، أو يُلغي، دوْر أحد. فصراعنا الممتدُّ مع الاحتلال الزائل، لا يَملك فيه كائن، مهما كان إرثه وتاريخه، التقليل من أدوار الآخرين وتضحياتهم التي تَـنحـنـي الهاماتُ أمامها.. ولكن، كما كان من حق فتح الاعتزاز بكونها "... صنعت لشعبي ثورة، وهي التي شقت طريق العزة" في أوقات مهمة في تاريخ الصراع، يَحق لحركة الجهاد الإسلامي، الاعتزاز بكونها هي مَن يقف، الآن، في طليعة سرايا المقاومة في أصعب وأحرج مراحل الصراع مع العدوِّ الصهيوني، الذي بات يتحسس وجوده على الأرض المحتلة، التي جاء إليها مدججًا بأساطير وخرافات وشعارات، ومدعومًا بقوى غربية استعمارية، توهّم معها بخلوده الأبدي في أرض الميعاد المزعومة.

بدماء الشهداء، عبّد المقاتلون الأوائل حضورهم الاستثنائي في سجلات الصراع، فارتقى منهم القادة الكبار من الذين زيّـنوا كفاح الشعب الفلسطيني، ولازالت دماؤهم الزكيّة تُعطِّر التاريخ وتُنير الدرب، وعلى ذاته، تَسير الآن، حركة الجهاد الإسلامي، ومعها رفاق الدم، مقدِّمةً خيرة قياداتها العسكريّة في معارك التضحية والبطولة ضد المحتل المجرم.

لقد اختارت حركة الجهاد الإسلامي، أن تكون حيثُ يجب أن تكون، رغم فاتورة الدم والألم والمعاناة، التي دفعتها من جسد ولحم أبنائها، في خط الدفاع الأول، من أجل الإبقاء على جذوة الصراع مشتعلةً مع الكيان الغاصب. ولكل منصف، أن يتخيّل، كيف سيكون الحال، لو اختارت الحركة الركون إلى ضغوط الهجمة المستعرة التي تَشنُّها دولة الاحتلال الفاشي في القدس والضفة والقطاع، دون أن يكون لهذه العربدة أيّة مقاومة.

هذا الاصطفاف المبارك لحركة الجهاد الإسلامي، ليس وليد رؤيةٍ عابرةٍ أملتها متطلبات المرحلة الراهنة، بل هو ترجمةٌ عمليّة لفكر المعلم الشهيد فتحي الشقاقي، الذي أطلق منذ التأسيس، شعار مركزية القضية الفلسطينية، بعدما أدرك مخاطر المشروع الصهيوني وتمدده وكيفية مجابهته، عبر القتال والمواجهة والوحدة، وفق قراءة تُوحي وكأنَّ المفكّر الشقاقي نالته محبة الله تعالى، لعباده الذين قال فيهم، كما ورد في الحديث الشريف: "... فإذا أحببته كنت سمعه الذي يَسمع به، وبصره الذي يُبصر به".

لِمن أراد أن يتيقّن من ذلك، ما عليه سوى قراءة ما كتبه وقاله المؤسس الشقاقي، عنِ استشراف مرحلة أوسلو وإلى الآن، ليتأكد أن كل ما تنبأ به، حصل ويحصل على مدار الوقت، بعدما دخل الفلسطينيون في متاهةٍ أغرقت أصحابها في نفق مظلم، لا مخرج منه إلا بإعادة الصراع إلى أساساته الأولى، حين كانت الكلمة الأولى والأخيرة للطلقة والشظيّة.

ولذلك، ليس غريبًا على حركة الجهاد الإسلامي، أن تكون سبّاقة في تسجيل حضورها الاستثنائي، في المرحلة الاستثنائية من الصراع مع الاحتلال.. وهل هناك مَن يَجرؤ على حجْب دوْر الحركة وحضورها الحيويِّ في إشعال جذوة المقاومة، وهي التي أخذت على عاتقها تشكيل كتائب المقاومة المختلفة في مختلف الميادين وساحات المواجهة في أرض الوطن المحتل والمحاصر، وداخل السجون التي تَشهد قلاعُها على كرامة نفق الحريّة ومعارك الأمعاء الخاوية التي فجّرها الشهيد الاستثنائي خضر عدنان؟!

صحيح أن حركة الجهاد الإسلامي، قدّمت العديدَ مِن قادتها الشهداء، في مسيرة التصدي، رغم اختلال موازين القوى المادية لمصلحة العدوّ، لكنها، وهي التي رفعت شعار الدم قانون المرحلة، تُدرك أنَّ طريق التحرير والحريّة ليست مفروشةً بالورود والبساتين، وأن طريقَ ذات الشوكة، محفوفةٌ بالمخاطر والتحدِّيات، وممهورةٌ بدماء الشهداء والتضحيات.

للنصر سلعةٌ غالية، ما بين دماء وتضحيات وصبر، وإذا لم يكنِ الآن، فمتى؟ منذُ البداية والنشأة، لم تَبخل حركة الجهاد الإسلامي عن تقديم أَعزِّ ما فيها، وكان مفكرُها المؤسس يُردّد في حياته: إن حركةً يَستشهد أمينُها العام لا يُمكن أن تَنكسر. وها هي قوافل الشهداء، تُؤكد مع كل صولة وجولة من جولات المواجهة، أنَّ الجهاد الإسلامي أقوى عودًا وأشدً عزيمةً على المُضيِّ قُــدُماً في نَهج الصمود والتصدي حتى النصر والتحرير.

في مواجهةِ المشروع الصهيوني، يَتصارع الآن، مشروعان مُتناقضان، مشروعُ التسويّة ومشروع المقاومة، الأول لم يَعد يَجد، حتى من أصحابه، مَن يُدافع عنه بعدما سقط سقوطًا مدويًا في أرض المعركة، والثاني، حتى وإن كان بعضُ أصحابه يَروْن بضرورة تأجيله، تحت مبرراتٍ وذرائعَ مختلفة، يُثبت جدواه وجدارَته، وأنّه السبيل الوحيد لاستعادة الحقوق وحماية الثوابت والمقدسات. وبهذا الثبات، يَترسّخ أكثر فأكثر، نقاءُ وصوابيّةُ فكر حركة الجهاد الإسلامي، التي بَقيت محافظةً على مبادئها، ولم تُبدل تبديلا، رغم غيوم التشكيك السوداء، وتقلُّبات الأحداث العاتية، التي عصفت بالإقليم، وبالأرض المباركة وما حولها.

الثبات على المبدأ، قيمةٌ عليا لا يَبلغها سوى المؤمنين بالفكرة المعقودةِ بحبل الله المتين، وهذه الدرجةُ، وإن كانت رفيعةً في حق الأفراد، فإنها تكون أعلى وأرفع في حق الحركات والجماعات، وحركةُ الجهاد الإسلامي، لها نصيبٌ كبير، ومكانةٌ مرموقة في هذا المقام، لأنّها لم تتاجر بثوابتها، ولم تعرف شبهة أنصاف المواقف، التي تَقتل اللاعبين على حبال المصالح الزائلة!

الالتفافُ حول خيار المقاومة، نصرٌ مُؤزّرٌ يُحسب لحركة الجهاد الإسلامي، ولكل مَن آمن بخيارها وساندَها بالموقف والسلاح، وهو نجاحٌ لافت سيَجني ثمارَه، الشعب الفلسطيني شموخًا وعزة، يوم يَفرحُ شهداؤه ومستضعفوه وأسراه وجرحاه، ويتلو ترانيم النصر، يَجب أن يَصرخ الكُلُّ مُردّدين أسماءَ: خضر وطارق وخليل، وكل الشهداء العظام من قادة النصر العظيم، الذين أزهرتْ دماؤهم الزكيّة مجدًا، وكتبت تاريخًا يُتلى ويُدرّس لجميع التوَّاقين للتحرير والحرية.

لأجل ذلك وغيره، تَستحق الجهاد الإسلامي، أن تكون بمنزلة الشاهد والشهيد على الصراعِ التاريخي الذي يُمثِّل ذروة المواجهة بين الخير والشر، الحق والباطل. فهنيئًا للحركة ولأبنائها ومناصريها هذا الاصطفاء وهذا الانحياز وهذا المقام الرفيع.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد