ما الحكمة من إخفاء ليلة القدر

ليلة القدر

ما الحكمة من إخفاء ليلة القدر _جاءت حكمة الله عز وجل في إخفاء ليلة القدر كي لا تقتصر عبادة المُسلمين على يومٍ بعينه، وترك بقية الأيام العشر الأواخر، بل أحبَّ الله أن يجتهد المُسلمون ويتضرُعون إلى الله عز وجل، ويُكثرون من العبادةِ والدعاء خلال العشرة الأواخر، وهي نفس الحكمة أيضًا في عدم تحديد ساعة الإجابةِ يوم الجمعة.

كما قِيِل أيضًا أنَّ الحكمة من ذلك بيان المُسلم الصادق، فمن يكون صادقًا في طلبها لا يهتم بالتعب عشر ليالي، بينما المُسلم المُتكاسل فمن يُريد اقتصار العبادة على يومٍ واحد فقط، كذلك ذُكِر أنَّ الحكمة في إرادة الله عز وجل بمضاعفة ثواب المسلمين، فكلما كثُرت الأعمال الطيبة كلما كثُر الثواب.

الحكمة من إخفاء ليلة القدر

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في الوِتْرِ مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ)،[١] ولا يُمكن الجزم بأنّ الليلة الفلانية في هذه العشر هي ليلة القدر، وقد أخفاها الله -عزّ وجلّ- عن عباده للعديد من الحِكم والأسباب، وفيما يأتي ذكر أهمّها:
تعظيماً لكافة الليالي في النفس

قال الرّازي في تفسيره إن الحكمة من إخفاء ليلة القدر عن الناس حتى يُعظّموا جميع ليالي العشر الأواخر في نفوسهم، فقد أخفى الله -سبحانه- اسمه الأعظم حتى يُعظّم المسلم كلّ أسمائه، وأخفى تحديد ساعة الإجابة في يوم الجمعة حتى يُعظّم العبد جميع ساعات هذا اليوم المبارك بالدعاء.

كما أخفى الله -عزّ وجلّ- الصلاة الوسطى حتى يُعظم المسلم كل الصلوات، وأخفى موعد الموت لكي يخاف المكلّف ويُعظّم أمر حياته، فيستثمرها فيما يُرضي الله، وأخفى قبول التوبة ليُعظّم المرء أمرها ويبقى ثابتاً عليها، وهكذا كان إخفاء موعد ليلة القدر حتى يكون تعظيمها في النفس أبلغ وأشدّ تأثيراً.


اجتهاداً في تحصيل أجرها

أحد أهمّ الأسباب في عدم معرفة موعد ليلة القدر هو هذا السبب، وهو مختلفٌ عن سابقه، إذْ إن الاجتهاد في تحصيل أجر هذه الليلة ناتجٌ عن تعظيم الليالي الأواخر كلّها في النّفس، وهنا تظهر قوّة الإيمان، ويميز المؤمن القوي عن الضعيف، ويتكشّف سعي العباد وتسابقهم في التقرّب إلى خالقهم -سبحانه-.

ولو كانت ليلة القدر معروفة فربّما اجتهد العباد فيها وعملوا الطاعات والعبادات فيها قدر الإمكان ثمّ تكاسلوا عن غيرها وفترت همّتهم فيها، فينقص أجرهم بسبب ذلك،لِذا فإنّ إخفاءها سببٌ للمداومة على الطاعة والعبادة، والمثابرة فيها، وعدم الاقتصار على التعبّد في ليلة واحدة

رحمةً من الله في عباده

ذكر الرازي في تفسيره أنّ وراء إخفاء هذه الليلة رحمات عظيمة، فيُبيّن أنّ وقوع العبد في الذنب وهو يعلم أنّه في ليلة عظيمة سببٌ لمضاعفة الإثم له، فيقول: "فكأنه تعالى يقول: إذا علمتَ ليلة القدر؛ فإن أطعت فيها اكتسبت ثواب ألف شهر، وإن عصيت فيها اكتسبت عقاب ألف شهر، ودفع العقاب أولى من جلب الثواب".

أهمية الاجتهاد في تحصيل ليلة القدر

يدلّ ما سبق من الحِكم على أهميّة استغلال العشر الأواخر في العبادة قدر الإمكان، فلعظمة هذه الليالي كان يؤدي النبيّ قيام الليل، ويجتهد بالعبادة فيها، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ).

لِذا على المسلم العاقل أن يجتهد في العبادة في شهر رمضان المبارك عامّة، وفي العشر الأواخر خاصة، ولا ينشغل بما أخفاه الله عنّا، ويكون ذلك بأن يعزم النيّة على العبادة ويُخلصها لله وحده، ويفرّغ نفسه لهذه الليالي، ويتعاهدها جميعاً دون أن يشتغل بالبحث عن تحديد الليلة وعلاماتها.

بل إنّ العلامات التي صحّت في الأحاديث تظهر بعد انقضاء الليلة، ويُخشى على مَن فعل ذلك وظهر له أنّ ليلة القدر قد انقضت بحسب زعمه أن تفتر همّته في ليالٍ أخرى، فتضيع عليه الأجور العظيمة، ويُحرم من الخير الكثير.


فضائل ليلة الْقَدْرِ

تحمل ليلة القَدر كل الخير، لما لها من فضائل على كل مسلم يجتهد في إقامتها، وشملت فضائل ليلة الْقَدْرِ الآتي:

  • ليلة القَدر ليلةً مُباركة، إذ يُبارك الله في أمر من أقامها، واجتهد فيها خيرًا، لهذا السبب جاءت في كتاب الله عز وجل {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ}.
  • كما أنّها ليلة تقدير إذ تُفصَّل فيها أقدار العباد في الأمور الدّنيويَّة، كالأرزاق والحوادث، والأجل وغيرها من كافة أمور الدّنيا، لذا قال الله تعالى{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}.
  • ليلة القدِر ليلة يملؤها الخير وتجلب الخير كله لمن أقامها، وعمل جاهدًا في العشر الأواخر، فكل عملٍ يُضاعف الله من أجره، فالعملِ الصالح فيها خيرًا من العمل الصالح في ألفِ شهر، والدليل قول الله تعالى{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.
  • من فضائل ليلة القَدر أيضَا أنّها ليلة السّلام والمُباركة، إذ تتنزّل فيها الملائكة إلى الأرض لينتشر السّلام والأمان والرحمة، فيستشْعر فيها القلب بالطمأنينة، حيثُ قال الله تعالى {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر}.
  • ليلة القَدر هي ليلة الغفران والعفو، إذ يغفر فيها الله ذنوب من أقامها بقلبٍ صافٍ وخالص لوجههِ الكريم، لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم “مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ”.

ما يستحب في ليلة القدر

  • الاعتكاف.
  • الصلاة.
  • القيام فيها.
  • كثرة الدعاء

تُعد ليلة القدر واحدة من أفضل وأحب الطَّاعات، والعِبادات التي يتقرّب بها المُسلمون من الله عز وجل، ومن حُرِمَ منها فقد يكون حُرِمَ من كل الخير، لهذا السبب لا بد من إقامتِها بل والاجتهاد فيها، تمامًا كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

إقرأ أيضاً: دعاء لصديقتي في ليلة القدر 1444/ 2023 مكتوب

 _ الاعتكاف :فهو أكثر ما يُستحب القيام به في ليلةِ القدر، إذ كان رسول الله “صلى الله عليه وسلَّم” يعتكف في العشر الأواخر من شهرِ رمضان الكريم، فكان يقطع كافة أشغاله ويُفرغ باله، لمناجاة الله عز وجل وذِكرهِ بعيدًا عن الناس، حيثُ يبسط حصيره في النهار ليُصلي عليه ويحتجر ليلاً ليختلي بنفسهِ منفردًا دون مخالطة أحد حتى لا ينشغل فكره ، لذا فالاعتكاف يعني الانقطاع التام عن الأمور الدنيويَّة والانشغال بالعبادة فحسب، كونه يحفظ نفس الإنسان من الشّهوات، وتقليل ما هو مُباح من أمور الدّنيا، والتخلّص من سماتِ الترف، ليخرج المرء من الاعتكاف سليم القلب، مُعافى من كل ما تُثقله عليه الدُّنيا من أعباء.

_الصلاة: عن عائشة رضي الله عنها قالت “كان النبي صلى الله عليه وسلَّم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله”، بمعنى أنَّه كان يجتهد في عبادته ويعتزل النِّساء، ويُقيم ليله في عبادة وطاعة الله عز وجل، ويُوقظَ أهله لأداء الصلاة.

كما جاء في صحيح البخاري أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، كان يُوقظَ فاطمة وعليًا قائلاً “ألا تقومان فتُصَلِّيان” لذا فإنَّ ما يُستحب في ليلة القدر هو الصلاة، وقيام الليل وحث الأهل على إقامتها، إذ قال الله تعالى {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}.

_القيام فيها: عن أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال “مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه”، وجاء تفسير الحديث بأنَّ نبي الله يقصد بـ إيمانًا أي التصديق بوعد الله بالثواب عليه، بينما احتسابًا تعني طلبًا للأجر، لذا لا بد من قيام وإحياء ليلة القدر عن طريق التجهُّد والصلاة، وكثرة الدّعاء.

إقرأ أيضاَ: كم عدد ركعات صلاة ليلة القدر في رمضان

_كثرةُ الدعاء: أوصى نبي الله صلى الله عليه وسلَّم بكثرةِ الدّعاء في العشر الأواخر من رمضان، وأنَّ أحب وأفضل الأدعية “اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عني” فالعَفوّ هو أحد أسماء الله عز وجل ويعني أنَّ الله تعالى يعفو ويتجاوز عن سيئات العبد، بل إنّ الله من رحمتهِ وكرمهِ على عبادهِ يمحي الذنوب وآثارها.

إقرأ أيضاً: دعاء لنفسي في ليلة القدر مكتوب 1444/2023

ما هو سبب تسمية ليلة القدر بهذا الاسم

  • لأنَّ الله عز وجل يُقدر فيها رزق العِباد، وأمورهِم.
  • ولأنَّ الملائكة تحمل صحائف الأقدار مدة عام كامل بدايةً من ليلة القدر إلى ليلة القدر التي تليها، إذ يكتب الله أمره في فلان وفلان مدة عامًا كاملاً.
  • كما ذكروا الفقهاء أنّ أحد أسباب تسمية ليلة القدر بهذا الاسم، هو نزول كتاب الله عز وجل فيها، وهو أعظم الأقدار.
  • سبب تسميتها أيضًا يعود لتعظيم المُسلم فيها لقدرهِ إن أقامها وأحياها.

تعود كافة الأسباب السابق ذِكرها إلى تسمية ليلة القدر بهذا الاسم، لذا لم يأتي اسمها في كتاب الله عز وجل من فراغ، إذ قال الله تعالى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} لهذا السبب يُعد إحياء ليلة القدر أعظم العبادات عند الله عز وجل.

وفى الحقيقة أنه على الإنسان أن يهتم بما طلبه الله منه وهو العبادة في ذلك الشهر عامة، والمزيد منها في العشر الأواخر خاصة، ولا يشغل نفسه بما طواه الله عنه، فما كان الله ليخفي عنا شيئًا ثم يطالبنا بإفراغ الوقت في تحديده.

فالله تعالى أخفى عنا تحديدها، فما ذلك إلا من أجل الاجتهاد في العبادة طوال الشهر عامة، وفي العشر الأواخر خاصة، فالعاقل هو الذي يشتغل بما طُلِبَ منه، ولا يصرف وقته فيما طوي عنه، ويضع نصب عينيه دائمًا ، مَن لم يُغْفَر له في رمضان فمتى؟.

وبهذا متابعي وكالة سوا نكون قد أوضحنا لكم ، الحكمة من إخفاء ليلة القدر، وأهمية الاجتهاد في تحصيل ليلة القدر _ كما ذكرنا فضائل ليلة القدر، وما يستحب العمل في ليلة القدر وأخيراً أوضحنا ما هو سبب تسمية ليلة القدر بهذا الاسم، فـ اخفاء ليلة القدر كانت حكمة من الله عز وجل ليجتهد المُسلم في العبادةِ والذِّكر جميع الأيام العشر الأواخر.
 

 

المصدر : وكالة سوا- وكالات

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد