المتابع للدراما العربية لهذا العام، والتي يشتد سعارها في شهر رمضان المبارك، يدرك الرؤية الجديدة التي يسعى لتسويقها معظم أصحاب تلك الرسالات. فالفن–بكافة أنواعه- يعتبر الأكثر تأثيراً على الوعي الجمعي العربي الذي يعاني أصلاً من اضمحلال في الثقافة وانحسار في الفكر وبطء في التطور.
ففي هذا العام تحديداً، وبعد الثورات والثورات المضادة والحروب الأهلية وغيرها. يكتشف المتابع كيف يسعى مخرجو تلك المسلسلات لشيطنة الحركات الإسلامية بصورة فجة، متجاهلين بأن هناك جماعات وحركات إسلامية أكثر ليونة وانسيابية من غيرهم من أصحاب الأيديولوجيات الأخرى. في حين تسعى الدراما لإظهار اليهودي بثوب المتحضر والجميل والنقي والرقيق. وهو أمر مجاف للحقيقة.
سعت الدراما العربية إلى تسويق اليهود بثوب مختلف هذه المرة. فيهود حارة اليهود وباب الحارة (الجزء السابع) حتى اللحظة، ليسوا كيهود مسلسل رأفت الهجان وجمعة الشوال والعميل 2001 وغيرهما. اليهود ملائكيين في دراما 2015 رغم الدماء التي أزهقوها بحق أهل غزة وغيرها من المدن. كأنهم ليسوا الذين عرفهم شكسبير وكتب فيهم تاجر البندقية، وكما عرفتهم ألمانيا، وكما عرفتهم البشرية جمعاء من الكيد والمكر والدهاء والحقد الدفين.
الدراما أيضاً صنعت من الحركات الإسلامية غولاً يسعى لتحقيق مآرب ذاتية شخصية لا وطنية، في حين امتدحت آخرين (الاشتراكيين والليبراليين بما يمثلونه من حركات وأحزاب) همهم الوطن والمواطن، يحبون الناس ويحبهم الناس كمسلسل أستاذ ورئيس قسم. وهو أمر في مجمله مجاف للحقيقة، فالحب رهين بالتبعية. وهذا مثال للثقافة العربية التي لا تؤمن بشرف الخصومة أو البناء يداً بيد مع الآخر أياً كان فكره وتوجهه، ولذلك فإن شفير الحرب والكيد بين هؤلاء وهؤلاء سيظل قائماً حتى ينتصر أحدهما على الآخر.
إن النخب التي تؤمن بالليبرالية والاشتراكية قادرة على كبح جماع الجماعات الإسلامية التي تؤمن بأن موت أفرادها هو انتصار لله ولدينه لكنها لن تكون قادرة على إيقاف طوفان التشدد. وإن تطرف أبناء تلك الجماعات قادم طالما بقي الإقصاء حالة يعيشها أبناء الحركات الإسلامية في العمل والحق في الحياة تحت ذريعة السلامة الأمنية. وعليه فإنه يجب البحث عن نقاط التقاء بين الجميع والبناء كي لا نذهب باتجاه التشرذم والتشتت الذي سيودي بالمجتمع نحو الهاوية.
أيضاً يتحمل الإسلاميون أنفسهم مسؤولية فشلهم في الوصول إلى المجتمع بشكل جيد. لأنهم يرفضون مواكبة الواقع ويعتبرون الفنون والآداب شيء هامشي. ومساهمتهم فيه نادرة، لأن اهتمامهم ينصب داخل الجمعيات الخيرية التي لا تكفي لتغيير الوعي لدى عامة المجتمع. وعليه فإن الحركات الإسلامية بحاجة إلى بناء منظومة تؤمن بالفنون والآداب وتستطيع أن تحاكي التطور لتصل إلى غاية البناء مع الآخر.
الدراما العربية تصنع بروبوغندا خاصة بأجندات تسعى لتغيير المنطقة وتحقيق مخطط جديد. وجميع الطوائف العربية تتحمل مسؤولية العداء المشترك فيما بينها، والتودد للعدو والخطر الحقيقي المتمثل بسياسة إسرائيل التوسعية في المنطقة. وإن الأمة ما لم تقم بتوحيد صفوفها تحت شعار الإنسانية، فإن سيل الدماء سيظل يهرق في الطرقات والأسواق والمساجد.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية