بعد شهر على "اجتماع العقبة"، تعود الوفود للاجتماع في شرم الشيخ ليس لاتخاذ قرارات أو إجراءات جديدة في ضوء فشل "العقبة" بسبب إسرائيل وإنما والأرجح لمعاودة التأكيد على ما سبق أن اتخذته "العقبة" من قرارات.
والحال أن المجتمعين لو أرادوا فعلاً استثمار إمكانياتهم لخفض التصعيد ما كانوا بحاجة لمعاودة الاجتماع خلال هذا الوقت القصير. لكن الأمر يتعلق بإسرائيل، ولو كانت دولة أخرى غيرها، لأخضعتها الولايات المتحدة لمسلسل طويل من العقوبات والضغوط، وربما كانت ستفعل أكثر من ذلك.
في الواقع لا حاجة لاستخدام أجهزة الاستخبارات ولا الأقمار الصناعية، ولا كل وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة لمعرفة أن إسرائيل هي المسؤولة الحصرية عن اتباعها سياسات وممارسات إجرامية مخالفة لكل القوانين والقرارات والأعراف الدولية، وأن الفلسطينيين يدافعون عن أنفسهم وحقوقهم.
ماذا يريدون من السلطة الوطنية أن تفعل، هل عليها أن تنضمّ إلى ميليشيات المستوطنين المسلّحة، والجيش المدجّج بالأسلحة و"حرس الحدود" والشرطة الإسرائيلية العلنية والسرية، لاحتواء ظواهر المقاومة والفصائل، ووضعها في مواجهة شعبها، بعد أن أضعفتها إسرائيل وتخلّت عن دعمها المجموعة الدولية؟
وهل لو أرادت السلطة أن تفعل ذلك، تحت ضغط الأميركيين، والوسطاء، ستنجح في ذلك، طالما أن إسرائيل المحتلة، لا تتيح لها ذلك؟ في الواقع من غير المنطقي إطلاقاً أن تقبل السلطة أن تفعل ذلك، لأنها ستكون خاسرة بامتياز ومن دون ثمن يستحق، ولذلك فإن من غير المنطقي ولا المُجدي مطالبتها، بما لا يليق بها وبدورها، وأهدافها وإمكانياتها التي تهدرها قوة الاحتلال عن سابق إصرار وترصُّد.
وبطبيعة الحال لم تعد تنطلي على الشعب الفلسطيني الوعود التي تطلقها واشنطن بعد أن نكثت بوعودٍ كثيرة أطلقتها قبل سنوات، كما لا يمكن لأحد أن يصدّق بأن هذه الاجتماعات تستطيع إحياء العملية السياسية، أو فتح أفقٍ سياسي بعد أن دمّرت إسرائيل كل السبل المؤدية إليه.
منذ "اجتماع العقبة" ارتكبت إسرائيل بمستوطنيها وجيشها العديد من المجازر وداومت على اقتحام المدن والقرى والمخيمات والأحياء الفلسطينية، وأجازت تسليح المستوطنين وداومت على الاغتيال الميداني، وهدم وتفجير البيوت، وعلى الاعتقالات بالجُملة، وتصعّد من عدوانيتها للتغطية على أزمتها الداخلية المتفاقمة.
لماذا يُسمح لآلاف المستوطنين المحتلّين، سارقي الأرض، أن يحصلوا على السلاح بمختلف أنواعه، وهم المعتدون، ولا يُسمح لعشرات المقاومين، أن يشتروا بمبالغ طائلة بعضاً من قطع السلاح، دفاعاً عن أنفسهم وذويهم وممتلكاتهم، أم أنها مرّة أخرى تأكيد على التمسّك بازدواجية المعايير؟
عقودٌ طويلة منذ الغزوة الصهيونية لفلسطين ارتكبت خلالها العصابات الصهيونية والجيش الإسرائيلي عشرات إن لم يكن أكثر من المجازر الجماعية، وأخضعت الفلسطينيين لعقوبات جماعية لفترات طويلة من دون أن تتحرّك المنظومة الدولية.
مئات القرارات صدرت عن مؤسّسات الأمم المتحدة، ولم يتحرّك النظام الدولي الظالم، لتنفيذ أي قرار منها لا بالإقناع ولا بالقوّة ولا من خلال العقوبات.
كم تقرير صدر عن منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات الأمم المتحدة، يُدين إسرائيل، ويُطالب بالتحقيق في جرائم حرب، ارتكبتها، ولكن كل تلك التقارير والمطالبات، واجهت "الفيتو" الأميركي وتعرّض المعنيون بها لضغوطٍ أميركية هائلة؟
لو سلّمنا بأن روسيا تشنّ حرباً على دولة مستقلة وتحتل جزءاً من أرضها، ولو تجاهلنا المنطق والدوافع الروسية، فبماذا يختلف الأمر حين يتعلق بإسرائيل؟ أليست إسرائيل دولة محتلة باعتراف الأمم المتحدة، وباعتراف الدول الداعمة لها، فلماذا تخوض الولايات المتحدة وحلفاؤها حرباً ضد روسيا بالوكالة ومباشرة، ولا يصدر عنها مجرد إدانة للاحتلال الإسرائيلي؟
فيما نتابع عن كثب أخبار الحرب في أوكرانيا، وبسببها هاجر ملايين الأوكرانيين وهاجر، أيضاً، مئات آلاف الفلسطينيين منذ العام 1948، وهاجر ملايين السوريين والعراقيين والليبيين بسبب الغزوات والتدخلات الأميركية والغربية.
تنقل الأخبار قتل أعداد قليلة من المدنيين نتيجة القصف المتبادل في أوكرانيا ويسقط أمثالهم من الفلسطينيين في الضفة و القدس ، أما في غزة فإن العدوانات الإسرائيلية عليها قدمت حصيلة بالآلاف.
الحرب في روسيا أدّت إلى تدمير البنى التحتية، ومنازل للمواطنين ولكن ماذا فعلت إسرائيل في غزة؟
كم ألف مسكنٍ دُمِّرَ كليّاً، أو جزئيّاً، وكم مصنع وكم منشأة أو مؤسسة تتعلق بالبنية التحتية.
الفلسطينيون يصرخون منذ وقتٍ طويل لعلّ المدعي العام لـ"الجنائية الدولية" التي انضمّت إليها فلسطين تشرع في التحقيق بملفات طافحة بجرائم الحرب الإسرائيلية، لكنها لم تتحرك حتى الآن، ولا يبدو أنها ستتحرك قريباً طالما تقف دونها وبالمرصاد الولايات المتحدة، هل نسي العالم العقوبات التي اتخذتها الولايات المتحدة بحق المدّعي العام السابق فاتو بنسودا وفريقها بعد أن أجازت للمحكمة التعامل مع الملف الفلسطيني؟
اليوم تتحرّك "الجنائية الدولية"، وتصدر مذكّرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويرى رئيس وزراء سلوفينيا أن هذه المذكّرة تلزم الدول التي وقّعت على "اتفاقية روما" المنشئة للمحكمة بأن تقوم بحجز الرئيس بوتين.
الرئيس الأميركي جو بايدن، والمستشار الألماني أولاف شولتس، يريان أن هذا القرار منطقي، بينما المسؤول عن السياسة الخارجية الأوروبية جوزيف بوريل يعلن أن هذا يعني أن لا أحد يفلت من العقاب.
بوريل كان قد تلقّى إهانة من إسرائيل قبل أيام قليلة، حين رفضت استقباله، بسبب تصريحات أدلى بها لم تُعجبها، لكنه التزم الصمت، فهو ليس أكثر من موظف، لا يستطيع الدفاع عن نفسه، حين يتعارض ذلك مع سياسة الاتحاد التي يسوّقها.
في مقابل ذلك يصدر تصريح عن مسؤول روسي، يشير إلى ضرورة المبادرة لإنشاء مؤسسة جنائية دولية، تعبّر بشكلٍ حقيقي عن وظيفة حماية العدالة الدولية.
تصريح المسؤول الروسي، مؤشّر آخر، على أن هذا العالم وهذا النظام العالمي الظالم، يتجه نحو الانقسام والتغيير، ذلك أن "الجنائية الدولية"، قد ظهر بالممارسة أنها مؤسسة سياسية، تستخدم العدالة، وتضرب بسيفها، دفاعاً عن مصالح سادة النظام الدولي أُحادي القطب، وتغطي على جرائمه.
ونكرّر السؤال: لماذا يحق للولايات المتحدة وحلفائها تقديم كل أشكال الدعم الاقتصادي والاستخباري والإعلامي والعسكري لأوكرانيا، بما في ذلك الدبّابات، وربما طائرات "فانتوم"، و"سوخوي"، بينما ممنوع على روسيا الحصول على دعم عسكري محدود من إيران أو الصين؟ أم أنها مرّة أخرى سياسة الكيل بمكيالين، التي لا يخجل من يمارسها من أن تصبح قيمة فاضحة؟
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية