بعد أن فازت حركة فتح بإدارة منظمة التحرير وقيادتها عام 1969، لسببين: أولهما، فشل رموز التيار التقليدي المؤسس لمنظمة التحرير الذين كانوا مع أحمد الشقيري ويحيى حمودة وعبد المجيد شومان وبهجت أبو غريبة وهزيمتهم بهزيمة النظام العربي في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي عام 1967.
وثانيهما، لدور حركة فتح المبادر في معركة الكرامة 21 آذار 1968، والتي تعتبر بحق أنها محطة التحول السياسي والجماهيري الفلسطيني نحو خيارات الكفاح المسلح ، والانحياز لفصائل المقاومة، ووضع القطار الفلسطيني على سكة التمثيل الفلسطيني الموحد في إطار منظمة التحرير واستعادة الهوية الفلسطينية المبعثرة وبروزها، منذ ذلك الوقت وطوال عهد الرئيس الخالد ياسر عرفات، اتسمت الحالة والإدارة العرفاتية بميزتين هامتين بارزتين: أولهما صعود مكانة حركة فتح وقوتها وانحياز الأغلبية الفلسطينية لصالح برنامجها الوطني وانخراطها فيه، إلى الحد الذي كان من الممكن لحركة فتح وحدها إدارة المؤسسة الفلسطينية نظراً لقوتها وامتدادها الشعبي داخل فلسطين وخارجها في مخيمات اللجوء وبلدان الشتات.
وثانيهما بسبب حرص ياسر عرفات وسياسته الشجاعة الحكيمة في العمل الدائم على توسيع قاعدة التمثيل الفلسطيني في مؤسسات منظمة التحرير، فكانت قوته لا تتأتى من قوة حركة فتح، بل من قوة نفوذه وتأثيره على باقي الفصائل والتجمعات والشخصيات الفلسطينية المستقلة، وكسبها وإشراكها في إدارة منظمة التحرير وفي قرارها السياسي، فتوسيع قاعدة التمثيل وتوسيع قاعدة الشراكة من كافة الفصائل ومن الشخصيات المستقلة ومن الفعاليات الاجتماعية المختلفة كانت السلاح والمظلة التي حمت ياسر عرفات ومنظمة التحرير ومسيرة النضال الفلسطيني، وعززته.
كانت عقلية ياسر عرفات جبهوية منفتحة حريصة على الأخر وتلبية احتياجاته السياسية وشروط شراكته والقبول بها إلى حد رضوخه لمطالب الفصائل الفلسطينية الأخرى مهما كانت إسهاماتها متواضعة وإمكاناتها محدودة، وكان ذلك يستفز بعض قيادات حركة فتح من أصحاب النظرة الضيقة أو من المتعصبين لحركتهم، ولكن سلوك ياسر عرفات وأسلوب إدارته وتوسيع قاعدة شركائه كان أحد أهم أسباب انتصاراته الداخلية في مواجهة الانشقاقات المحلية، وسبب انتصاراته الخارجية في مواجهة ضغوط الأنظمة الشقيقة ومعاركها ضده.
كان ياسر عرفات قائداً للشعب منذ أن تولى رئاسة منظمة التحرير حتى رحيله شهيداً مسموماً على يد أدوات شارون وبقرار منه، ولذلك فقد النضال الوطني، والحركة السياسية الفلسطينية، والشعب العربي الفلسطيني ياسر عرفات ليس فقط كرئيس ورمز وقائد، بل فقد عقلية منهجية جبهوية كانت تُوحد ولا تُقسم، تُضيف ولا تُصفي، وبفقدان هذه العقلية وغيابها خسر الشعب الفلسطيني الكثير من قوته المعنوية وتماسكه الداخلي، وهي حصيلة تصب في مصلحة العدو الاستعماري الإسرائيلي، وضد مصالح الشعب الفلسطيني، لأن غياب أبو عمار خسّر الشعب الفلسطيني العقلية والإدارة الجبهوية العريضة التي كانت تقوده، وبفقدانه خسر الفلسطينيون فلسفة تجميع القوى في مواجهة العدو الواحد المشترك، وأن تُعطى الأولوية للتناقض مع العدو وليس لحسابات الخلاف أو التنافس أو عناوين التعارضات الذاتية، وبذلك كان يتم تجميد التعارضات الوطنية الداخلية الذاتية لصالح الصراع الأقوى والأهم في مواجهة العدو الوطني والقومي والديني، الصراع مع العدو الإسرائيلي لا شيء يعلو عليه أو يتفوق على أولوياته، وتوفير المعطيات والقدرات الذاتية في معركة المواجهة مع العدو، فتأتي الصراعات السياسية والأمنية والحزبية بين فتح و حماس ، بين الضفة والقطاع، مقدمين من كليهما خدمات مجانية للعدو الوطني الواحد، فتترك بصماتها وتأثيرها الأقوى على نفوس الشعب المعذب والمصلوب منذ سنتي 48 و 67، ولا يزال.
يصغر الفلسطينيون أمام أنفسهم، وتصغر قياداتهم أمام شعبهم، ويصغرون أمام أشقائهم العرب من المسلمين والمسيحيين، وأمام الأصدقاء المؤيدين لهم ولقضيتهم على المستوى الدولي، حينما يغرقوا بصراعات ضيقة، مهما كانت الأسباب مُحقة في دوافع بروز الخلافات الجانبية واحتدامها وعلو صوتها، أو في صراع أجنحة العمل السياسي داخل الجبهة الداخلية الواحدة، أو في تصعيد الخلاف السياسي ليكون هو عنوان الصراع بين الفصائل الفلسطينية، لأن النتيجة شعور الشعب باليأس يجتاح علاقاته وحالة من الإحباط تتولى عناوينه وفعالياته، وهذا ما يحصل حالياً، حيث تجتاح الخلافات والصراعات الجانبية وتحتل عناوين الاهتمامات واليوميات على ما عداها من قضايا أكثر أهمية حيث يتلاشى الاهتمام بالقضايا الهامة لصالح العناوين الأبرز الأقل أهمية.
h.faraneh@yahoo.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية